سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رويترز: بعد إفلات "أوكرانيا" من قبضته.. "بوتين" يتجه لديكتاتوريات آسيا الوسطى.. يسعى لتعزيز علاقاته برئيس قازاخستان لإقامة اتحاد "أورو– آسيوى" بعد تحقيقه شعبية هائلة داخليًا من خلال ضم "القرم"
قالت وكالة "رويترز" للأنباء فى سياقِ تقريرٍ لها، إنه بعد أن أفلتت أوكرانيا الغنيمة الكبرى من بين أصابع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أصبح من المُرَجَّح أن يتجه لقادة الحكم الدكتاتورى فى آسيا الوسطى خاصة نور سلطان نزارباييف رئيس قازاخستان لتعزيز هدف إقامة اتحاد أورو– آسيوى من الجمهوريات السوفيتية السابقة، حيث حقق ضم القرم بسرعة خاطفة للرئيس الروسى شعبية هائلة فى الداخل لكنه قضى على حلمه دمج أوكرانيا اختياريًا فى الكيان الجديد الذى ينوى بناءه. وقالت ليليت جيفورجيان المحللة لدى آى. اتش.اس جلوبال انسايت "بعد فقد أوكرانيا ستصبح منطقة وسط آسيا مطلوبة بشدة لموسكو فى تنفيذ خططها التكاملية". وكانت قازاخستان، على وجه الخصوص، إحدى دولتين من الجمهوريات السوفيتية السابقة انضمتا إلى اتحاد جمركى مع روسيا، والأخرى هى روسيا البيضاء. وتعتزم الدول الأعضاء توقيع الوثائق هذا العام لتشكيل الاتحاد الاقتصادى الأورو–آسيوى الذى يفترض أن يمثل فى نهاية الأمر ثقلا موازيا للاتحاد الأوروبى. ولن تكون الجمهوريات السوفيتية الأربع السابقة فى آسيا الوسطى من الأعضاء المؤسسين فى الاتحاد الجديد لكن من المرجح أن تنجذب إلى فلك موسكو مع سعيها لاستعادة نفوذها فى المنطقة التى ظلت تحكمها طوال معظم فترات القرنين التاسع عشر والعشرين. وكان رد فعل دول آسيا الوسطى التى تغطى مساحة تضارع مساحة غرب أوروبا تمتد من بحر قزوين إلى الصين إما التزام الصمت أو إصدار تصريحات بعبارات ذات صياغات حذرة على أحداث أوكرانيا وذلك لتحاشى إغضاب موسكو. وتشارك هذه الدول بوتين ارتيابه فى الحياة السياسية على النمط الغربى ويقيد زعماء كازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان وأزوبكستان المعارضة ولم يجرب الديمقراطية البرلمانية سوى قرغيزستان التى تعانى من عدم استقرار مزمن. ونزارباييف رئيس كازاخستان أغنى الدول الخمس هو أقرب الزعماء لروسيا كما أن بلاده يوجد بها أكبر نسبة من السكان من أصل روسى. وقال نزارباييف لبوتين، يوم العاشر من مارس الجارى إنه يتفهم موقف موسكو فى القرم، وقال يوم الثلاثاء، إن العمل لاقامة الاتحاد الاقتصادى الاورو-آسيوى سيستمر. ونقل عنه مكتبه الصحفى قوله فى بيان على هامش قمة عن الأمن النووى فى لاهاى "التكامل يتيح لنا إزالة الحواجز الجمركية وزيادة القدرة التنافسية. ومن ثم فإن لنا مصلحة عملية محضة لتطوير بلادنا وتحديث الاقتصاد وزيادة حجم ناتجنا المحلى الإجمالى". لكنه شعر أيضا بضرورة الإشارة إلى أن بلاده ليس لديها نية للخضوع مرة أخرى لحكم موسكو، حيث قال "فيما يخص استقلالنا السياسى فهو مقدس ولن تتخلى قازاخستان عن سيادتها لأحد"، وكان الهدف من هذه الكلمات بوضوح التخفيف من انزعاج بعض مواطنيه. وقال ايدوس ساريم المحلل السياسى فى ألما أتا "المجتمع القازاخستانى وأغلب القازاخستانيين يرون فى الأحداث فى أوكرانيا تهديدا مباشرا لقازاخستان وسلامة أراضيها". ورغم أن قازاخستان أعلنت الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى منذ أكثر من 22 عاما وتنتج النفط والغاز الطبيعى وتجرى محادثات للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فقد ظل اقتصادها متداخلا بشدة مع اقتصاد موسكو. وقال ساريم "فى منطقتنا لدينا كازاخستان ولدينا الصين وعندنا سبعة آلاف كيلومتر من الحدود المشتركة مع روسيا لذلك فمن الطبيعى ألا تجد شخصا عاقلا واحدا فى هذا البلد يقول إنه لن يتعامل مع روسيا." ولأكثر من 20 عاما ظل نزارباييف (73 عاما) يوجه السياسة الخارجية التى يرى أنها متعددة المحاور بين روسياوالصين والغرب سعيا لصيانة استقلال بلاده. وقال فى لاهاى "هذه هى الكيفية التى يتم بها الأمر فى الاتحاد الأوروبى، حيث تتولى المفوضية الأوروبية معالجة قضايا الجمارك وتنظيم التجارة والرسوم ونقل النفط والغاز والكهرباء والسكك الحديدية والطرق البرية. وستتخذ القرارات النهائية بموافقةالدول الثلاث". قبل 20 عاما كان إعلان بوتين فى الأول من مارس أن من حق روسيا غزو جيرانها لحماية السكان ذوى الأصول الروسية سيثير انزعاجا هائلا فى كازاخستان. فعند الاستقلال عام 1991 كان الكازاخستانيون يمثلون نحو 40 فى المئة فقط من السكان أى نفس النسبة التى يمثلها الروس تقريبا. أما الآن وبفضل الهجرة إلى روسيا وارتفاع معدل المواليد بين الكازاخستانيين أصبح الروس يمثلون 22% تقريبا من السكان والكازاخستانيون نحو 65%. وفى موسكو مازال بعض القوميين الروس يدعون للاستيلاء على شمال كازاخستان الذى يضم مدنا روسية تاريخيا مثل بتروبافلوفسك، لكن قبضة نزارباييف المحكمة على السلطة أدت لاختفاء أى بادرة على وجود اتجاه معلن للانفصال مثل الدعوة التى كان يحتضنها حزب الوحدة الروسية فى القرم الذى أمسك بزمام السلطة هناك بعد استيلاء مسلحين على مبنى البرلمان الإقليمى نهاية فبراير. وطوى النسيان الآن إلى حد كبير نوبات التوتر العرقى التى كانت تحدث بين الحين والآخر فى التسعينيات. ويلقى نزارباييف العضو السابق فى المكتب السياسى للحزب الشيوعى السوفيتى خطبه باللغتين المحلية والروسية. وقال المحلل السياسى الكسندر كنيازيف فى ألما أتا "الروس فى كازاخستان مختلفون جدا عن الروس فى القرم الذين لم يعتبروا أنفسهم قط مواطنين أوكرانيين. الروس المحليون مرتبطون بهذا البلد ومن يعتقدون غير ذلك رحلوا". وقالت برقية من السفارة الأمريكية فى كازاخستان عام 2010 إنه لا توجد احتمالات لحركة انفصالية مؤيدة لروسيا فى كازاخستان. أبدى كل من طاجيكستان وقرغيزستان الأفقر كثيرا من كازاخستان استعداده للانضمام إلى الاتحاد الجمركى لكن انضمامهما للاتحاد الاقتصادى الاورو-آسيوى قد يستغرق سنوات بسبب صعوبة وضعهما الاقتصادى. ومع ذلك فالبلدان يدوران فى فلك موسكو بلا فكاك. وفى الوقت الذى تستعد فيه القوات التى تقودها الولاياتالمتحدة للانسحاب من أفغانستان ضمنت روسيا وجودها العسكرى على المدى الطويل فى البلدين من خلال المساعدات السخية التى تشمل شطب الديون وشروطا أفضل للعمال المهاجرين بالإضافة إلى إمدادات السلاح والوقود. ودعت أوزبكستان -أكبر دول آسيا الوسطى سكانا إذ يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة- شركات الطاقة الروسية لمساعدتها فى استغلال ثروتها الواعدة غير المستغلة من النفط والغاز. ويتجنب الغرب رئيسها إسلام كريموف (76 عاما) الذى يحكم البلاد منذ ربع قرن بسبب سمعته بين منظمات حقوق الإنسان كواحد من أكثر القادة قمعا على وجه الأرض، لكنه تمكن من التعاون مع دول حلف شمال الأطلسى فى مسائل أمنية غير أنه سينجذب أكثر لموسكو على الأرجح بعد خروج التحالف الغربى من أفغانستان هذا العام. وفى جانب كبير من آسيا الوسطى لا يمثل الغرب المنافس الرئيسى لبوتين على النفوذ بل الصين، ولا تتضح هذه الحقيقة بجلاء فى أى مكان مثلما تتضح فى تركمانستان إحدى أكثر دول العالم انعزالا. ومازالت تركمانستان التى تملك رابع أكبر احتياطيات للغاز الطبيعى فى العالم تعتمد على خط أنابيب يرجع للعهد السوفيتى ويمر عبر روسيا فى تصدير إنتاجها لكن خط أنابيب جديدا بدأ تشغيله عام 2009 سمح لبكين أن تحل محل روسيا كأكبر مشتر من تركمانستان. وفى العام الماضى شارك الرئيس الصينى شى جين بينج فى افتتاح ثانى أكبر حقل للغاز الطبيعى فى العالم فى تركمانستان. وربما يقف العطش الصينى للوقود لا الغضب الغربى كأكبر حائل أمام إعادة بناء إمبراطورية موسكو فى آسيا.