\r\n والمعروف أن اقتصاد قازاخستان كان قد جذب استثمارات مالية أجنبية كبيرة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وازدادت هذه الاستثمارات وتضاعفت مع ارتفاع عائداتها النفطية، فتعزز بالتالي الناتج القومي الشامل للبلاد ودفعها إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وإلى تبني خصخصة نالت تقدير الأسواق المالية الغربية. وبما أن قازاخستان هي من أكبر دول آسيا الوسطى، فقد ساعدها هذا الوضع على توسيع نفوذها بشكل مطرد في تلك المنطقة وجعلها اللاعب الأساسي في رقعتها الإقليمية إلى حد جعل الولاياتالمتحدة تعتبرها الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب ضد «إرهاب المجموعات الإسلامية المتشددة». وتتطلع روسيا من جانب آخر لتحويلها إلى الحليف الأساسي في عهد روسيا الجديدة في بنية السياسة الاقتصادية الواسعة، وتقوم الصين هي أيضاً وبشكل واضح بالعمل على تعزيز نفوذها في آسيا الوسطى من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية. \r\n \r\n القيمة النفطية لقازاخستان \r\n \r\n تعتبر منطقة كاشاغان التي تقع على ساحل مياه بحر قزوين من الجانب (القازاقي) من أكبر المناطق التي اكتشف فيها النفط في السنوات الثلاثين الماضية ويقدر بعض المحللين أنها تحتوي من عشرة مليارات إلى ثلاثين مليار برميل من النفط الخام. وهذه الكمية جذبت انتباهاً شديداً من دول الاتحاد الأوروبي التي يزداد اهتمامها بأمن النفط وبالاستثمار الاقتصادي في قازاخستان والشراكة الأوروبية معها. وفي الإطار نفسه يحاول (الناتو) تدعيم علاقاته مع قازاخستان بما يلبي جهود أوروبا لتعزيز سياستها الأمنية وجهود قازاخستان في الأمن والاستقلال. وكانت نشرة الأنباء الرسمية التي تصدر عن سفارة قازاخستان في واشنطن قد ذكرت أن تعاون بلادها مع حلف الناتو سوف يرتقي إلى مستوى جديد في أعقاب الاستعدادات الجارية لوضع خطة شراكة بين قازاخستان والحلف الأطلسي. وقال (مختار التينباييف) وزير دفاع قازاخستان في مؤتمر صحفي عقده في 13/1/2006: «إن الخطة ستحقق الانسجام في كل الأبعاد العملية والمتبادلة وفي الحوار من أجل تحقيق هذه الغاية بين قازاخستان وحلف الناتو» لكن التينباييف أوضح جلياً أن قازاخستان لا ترغب بالانضمام إلى حلف الأطلسي». وعلى الرغم من هذا التأكيد الذي يصدر من وزير الدفاع، إلا أن تطور التعاون بين الجانبين سيحمل منفعة مشتركة عسكرية فنية وسياسية وسوف يعزز الناتو الأمن الاستراتيجي في منطقة قازاخستان وسوف يضمن دعم الحلول المناسبة لعدد من المسائل الضاغطة في آسيا الوسطى. والمعروف أن قازاخستان كانت من ناحية فعلية عضواً في مبادرة التعاون العسكري التي رعتها منظمة حلف الأطلسي تحت اسم: «الشراكة من أجل السلام» منذ عام 1994، وفي عام 2002 انضمت قازاخستان إلى «برنامج التخطيط والمراجعة» الذي انبثق عن مبادرة «الشراكة». وتعهدت قازاخستان بموجب «إطار الشراكة» بإجراء سلسلة من الخطوات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية لكي تخلق توافقاً وانسجاماً في سياستها الأمنية والعسكرية يتناسب مع المخطط الذي وضعه الحلف. كما تعهدت قازاخستان بموجب هذه الشراكة بتحقيق تقدم في إدخال الديموقراطية إلى قواتها المسلحة وتحديث قدراتها العسكرية. وفي قمة حلف الأطلسي التي عقدت في 2004 في اسطنبول اعتبر جميع المشاركين في القمة بأن «الإرهاب الدولي، والتطرف ونشر أسلحة الدمار الشامل ثلاثة أخطار رئيسة جديدة تهدد الأمن الدولي. وأوضح المسؤولون في الناتو في ذلك الوقت أن الصراع ضد هذه الأخطار يستلزم تعزيز تعاون الحلف مع دول آسيا الوسطى ودول القوقاز وأن هذا التعاون شرط حاسم لتحقيق هذه الغاية. وبموجب هذا التأكيد تحرك حلف الناتو بسرعة كبيرة من أجل تكييف وتعديل بنيته الإدارية حين عيّن ممثلاً خاصاً من الحلف لمتابعة منطقة آسيا الوسطى والقوقاز وضم إلى الممثل الخاص ضابطين للارتباط يتولى كل منهما متابعة منطقة. \r\n \r\n أمن الطاقة الأوروبي \r\n \r\n يدرك الجميع أن الدول الأعضاء في حلف الناتو وخصوصاً الدول الأوروبية فيه بحاجة ماسة لتحقيق أمن في النفط ولذلك ليس من المستغرب أن تكون منطقة بحر قزوين وقازاخستان في قمة جدول عملها. وهذا ما أكدته «قمة براغ» في 24/2/2006 بشكل واضح. وكان كيفين روزنير مساعد المدير العام لمؤتمر القمة المذكور قد أبلغ الصحافة بأن «مسألة ضمان أمن الطاقة (النفط) مهما حملت من أسماء وصفات بدءاً من منتج النفط وانتهاءً بنقطة الوصول إلى المستهلك تشكل أهم مسألة للأمن القومي من بين مسائل كثيرة أمام الدول الأعضاء في حلف الأطلسي وشركائها». وهذه الحقيقة تؤكدها في الواقع عمليات التخريب المسلحة والمنتظمة ضد أنابيب النفط العراقية التي تثبت أن انقطاع النفط يمكن أن يحدث من قلب مصدره. ولذلك هناك من يرى أن على قازاخستان أن تلعب دوراً أكبر في ميدان سياسة أمن الطاقة الأوروبية حين تحقق أمن استمرار تصدير نفطها دون انقطاع. ولذلك كانت واشنطن قد زودت أذربيجان وقازاخستان برادارات حديثة تستطيع مراقبة أمن حقول النفط في منطقة بحر قزوين الغنية. وفي الاتجاه نفسه دعت بولندا رسمياً حلف الناتو إلى القيام بدور جماعي في صيانة أمن النفط لجميع الدول الأعضاء في الحلف. وتستند سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه قازاخستان على «اتفاقية الشراكة والتعاون» التي وقعت بينهما في كانون الثاني/ يناير عام 1995 وجرى تنفيذها وسريانها في عام 1999. وفي عام 2002 وسّع الجانبان علاقاتهما لتشمل التعاون في مجال النفط والمسائل المتعلقة بنقله وتم تأسيس «لجنة فرعية» جديدة حول «القضاء والشؤون الداخلية»، وفي عام 2005 عقد الجانبان الاجتماع السادس للجنة التعاون ولمجلس التعاون المشترك. وترى المصادر الرسمية في الاتحاد الأوروبي أن تنفيذ «اتفاقية الشراكة والتعاون» مع قازاخستان أصبح يحتل أهمية متزايدة إضافة إلى الاتفاقات الثنائية التي وقعها الجانبان حول صناعة المعادن والسلامة النووية والأبحاث النووية المدنية. وأصبحت قازاخستان التي لم تكن أوروبا تعرفها كثيراً في السابق تشعر أنها تحتل مكانة تتزايد أهميتها في الظروف الجيوسياسية الأوروبية. وإذا كانت جورجيا وأرمينيا وأذربيجان قد أعربت عن اهتمامها بالانضمام الفعلي للاتحاد الأوروبي رغم أن هذه العملية ستكون طويلة وصعبة، إلا أن الاتحاد الأوروبي بدأ يعتبر قازاخستان امتداداً جيوسياسياً لمنطقة أوروبا الموسعة ومفتاحاً لضمان الأمن في منطقة بحر قزوين. \r\n \r\n اللعبة الجديدة الكبيرة \r\n \r\n أذا كانت اتفاقات كانون الثاني/ يناير 2006 التي عقدها حلف الناتو هدفها تعزيز الأمن في مجال العلوم والتكنولوجيا والتخطيط المدني وحماية البيئة ومكافحة «الإرهاب» فإنه أصبح من الواضح أن واشنطن وبروكسيل مقر قيادة الحلف تحاولان زيادة قوة الروابط السياسية مع قازاخستان أو بعبارة أخرى تسهيل التقدم في سير قازاخستان نحو الاتجاه المؤيد للغرب. وثمة مؤشران مهمان أصبحا الآن أكثر وضوحاً في اتجاههما الأول هو أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يحاولان خلق الاستقرار في منطقة أكثر اتساعاً تبدأ من جنوب القوقاز لتصل إلى قرغيزيا ومن ناحية أخرى خلق قازاخستان مؤيدة للغرب بشكل خاص، وهذا ما سوف يثير اختلافاً ونزاعاً مع روسيا التي تملك مصالح قديمة وعميقة في تلك المنطقة. والمؤشر الثاني هو أن السياسة الخارجية القازاخستانية تسعى إلى زيادة الاهتمام بمصالح قازاخستان القومية ولا تقبل بإرضاء اللاعب الدولي (روسيا) على حساب الآخرين. ويذكر أن موسكو كانت قد أبدت في عام 1991 خلال عملية انهيار الاتحاد السوفياتي رغبة قوية في المحافظة على نفوذها القوي والتاريخي في بعض المناطق الحيوية من الناحية الجيوسياسية. وحين تحدث في 24/5/2004 في مؤتمر يالطا قال بوتين الرئيس الروسي إن روسيا، وروسيا البيضاء وأوكرانيا وقازاخستان ربما توقع «اتفاقات بناءة» على ضوء عملية تأسيس «منطقة اقتصادية مشتركة من الدول الأربع». وبما أن أوكرانيا تحولت إلى الغرب في كانون أول/ ديسمبر 2004 في أعقاب انتخاب فيكتور يوشينكو رئيساً للبلاد فهذا يعني أن المشروع الروسي ربما بدأ يعاني من حالة تراجع جدية. لكن روسيا رغم ذلك لم تتخل بعد عن هدفها في السعي إلى استعادة ما أمكن من نفوذها في كييف، بل إن روسيا أخذت منذ خسارتها لأوكرانيا بإبداء تصميم قوي على إعادة تأكيد نفوذها في منطقة (ايروآسيا). \r\n \r\n قازاخستان بالأبيض والأسود \r\n \r\n ما زال نور سلطان نزارباييف يرأس قازاخستان في ولاية ثالثة منذ آخر انتخابات جرت في عام 2005 الماضي ونال 91% من الأصوات. وكانت قازاخستان الدولة الفريدة التي لم يحدث فيها تغير في الرئاسة بالمقارنة مع ما حدث في أوكرانيا عام 2005 وجورجيا في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2003 وفي قرغيزيا في آذار/ مارس عام 2005. ولم يستطع الغرب زحزحة شعبية نزارباييف الذي يحكم البلاد منذ عام 1989 وبقي في الحكم حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستمر على علاقته المتينة بروسيا الجديدة أيضاً. ورغم مظاهر الديموقراطية التي شقت طريقها للبلاد وظهور أحزاب سياسية مثل الخضر والحزب الذي يتخذ من اللون البرتقالي لوناً له على غرار حزب يوشينكو المؤيد للغرب، إلا أن أحداً من السياسيين في البلاد لم يستطع تخفيض شعبية نزارباييف الذي يقال إنه يسيطر على وسائل الإعلام في قازاخستان. فوكالة الأنباء الرسمية الحكومية الرئيسة وتدعى خاربار تي - في تديرها ابنته داريغا القوية. وكان نزارباييف يستند في حملاته الانتخابية على نجاحه في إدارة الاقتصاد الذي حقق فيه نمواً بنسبة 9% سنوياً منذ عام 2001 عكس نفسه على الانتاج الشامل. ويوجد في البلاد مصادر ثروة مهمة من «النفط، والغاز واليورانيوم» ناهيك عن أن القيادة القازاقية تبدي استعداداً ملحوظاً للعمل كحليف إقليمي في الحرب التي يشنها الرئيس بوش على الإرهاب الدولي. ولا شك أن موقع قازاخستان على بحر قزوين يجعلها على غرار أذربيجان في قلب الحرب والتنافس القائمين من أجل النفط والغاز في تلك المنطقة. فقازاخستان تمتلك 60% من احتياطي النفط في منطقة بحر قزوين وهي قادرة على إنتاج 3،1 مليون برميل نفط يومياً ويُقدر الاحتياطي الشامل مما لديها من النفط الخام بنحو 4 مليارات برميل. وينافس حقل نفط كاشاغان القازاقي كل ما يتوفر في آلاسكا من إمكانية نفطية لم تستخرج بعد لأن برنامج استخراج نفط آلاسكا لن ينتج نفطاً إلا في عام 2010. وكان حقل النفط القازاقي تينغيز قد تم ربطه بروسيا منذ عام 2001 وسوف يضخ ثلاثة مليارات برميل نفط وسوف تبدأ أنابيب هذا الحقل الممتدة من أذربيجان إلى جورجيا إلى تركيا على ساحل المتوسط عبر 1000 ميل بضخ النفط يومياً بعد وقت قريب. وتقوم قازاخستان في وقتنا الراهن بإجراء مفاوضات مع الصين والهند من أجل تلبية متطلباتهما من النفط وكانت الصين في الشهر الماضي قد حصلت من قازاخستان على حقوق إنتاج سبعة ملايين برميل نفط سنوياً ونقلها إلى الصين وهناك خطط مستمرة لمد خط أنابيب نفط قازاقي - صيني ينتهي مع بداية عام 2007. أما أوروبا فتستورد كميات هائلة من نفط وغاز قازاخستان وإذا استثنينا ما تستورده أوروبا من روسيا سنجد أن نفط قازاخستان يشكل ثاني أكبر كمية مما تصدره من النفط إلى الأسواق الخارجية. وبالإضافة إلى النفط والغاز تعتبر قازاخستان ثالث أكبر دولة تنتج اليورانيوم بعد أستراليا وكندا، وهذا ما يجعلها قادرة على تصدير الوقود النووي. وفي شهر آذار/ مارس الجاري عقدت قازاخستان صفقة مع اليابان لتصدير اليورانيوم لها حتى عام 2010 وهي أكبر صفقة يورانيوم حتى الآن. وتعتبر الصين وكوريا الجنوبية من زبائن قازاخستان في شراء اليورانيوم الجيد. وتعتبر الولاياتالمتحدة الرئيس القازاقي نزارباييف من المعادين للتطرف الإسلامي على غرار الرئيس علييف في أذربيجان واطمأنت له كثيراً حين جعل قازاخستان أول دولة تعطي الولاياتالمتحدة حق الهبوط لطائراتها العسكرية في أراضيها بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ويقول بعض المراقبين على حدوث احتمال يجعل قازاخستان أكثر أهمية للولايات المتحدة في أي غزو أميركي ممكن ضد إيران. وثمة سيناريوات غربية تضع قازاخستان في موقع من يستطيع لعب دور إقليمي مركزي في منطقة آسيا الوسطى وما حولها حتى حدود إيران. وفي زيارتها الأخيرة إلى قازاخستان في شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي أعلنت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أن نزارباييف «يتبنى الإصلاح ويقود التغيير في آسيا الوسطى ويتعين أن يتولى دوراً قيادياً في المنطقة». لكن نزار باييف رغم كل الغزل الأميركي ما زال يحافظ على علاقة متينة وعميقة مع روسيا، وهناك 30% من سكان قازاخستان من الروس المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم قوزاقاً وروسيين أيضاً. ويحيط بنزارباييف دولتان كبيرتان يرتبط القوزاق بعلاقات تاريخية معهما وهما الصين وروسيا وسوف يظل يحكم البلاد حتى عام 2012 وما زال يتمتع بشعبية كبيرة توفر له اتخاذ القرار الذي يراه في مصلحة بلاده وتطورها ودورها في تلك المنطقة الثرية في آسيا الوسطى..». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n