«تصريح أمنى من قوات حرس الحدود ومجلس المدينة وسيلة الدخول لقريتى أدندان وقسطل.. عبّارة واحدة فقط تنطلق فى الساعة الثامنة صباحا وتعود فى الرابعة عصرا تابعة لهيئة تنمية بحيرة ناصر».. وسائل كافية لذهابك لقرى الشرق الواقعة فى نهاية حدود مصر الجنوبية، حيث تتراص عشرات المنازل المهجورة وقلة باقية من أُناس رفضوا الهجرة وترك أراضيهم الأولى فى قريتى «قسطل وادندان» بعدما ذهب أقرانهم عنوة فى الفترة ما بين 1963 و1964. فى هذا المكان وعلى بعد بضعة كيلو مترات من مدينة أبوسمبل السياحية يعيش أهالى النوبة القديمة الذين رفضوا التهجير مع بناء السد العالى وفضلوا الموت على أراضيهم عن الرحيل لمزايا المدينة والقرى الجديدة، ويعيش أهالى قرية قسطل وأدندان على الزراعة فهما يقعان فى موقع متميز شرق بحيرة ناصر خلف السد، وعلى الرغم من البوار الذى يهدد ما يقرب من 850 فدانا، إلا أن الأهالى يحيون هناك على أمل أن تلتفت الحكومة لمطالبهم فى توفير أبسط معالم الحياة خاصة بعد إقرار الدستور الجديد بإعادة توطين النوبيين وتنمية أراضيهم خلال العشر سنوات المقبلة. «عندما تذهب وتعود العبارة تبدأ وتنتهى الحياة بالنسبة لنا».. بهذه الكلمات بدأ ناصر جاشو رئيس جمعية قسطل الزراعية حديثه معبرا عن سوء الأوضاع التى يعيشها أهالى القريتين فلا ماء متوفر ولا كهرباء سوى تلك التى تنير القرية لساعات معدودة مساء اعتمادا على المولدات الكهربائية الموضوعة هناك عن طريق إحدى شركات استصلاح الأراضى الزراعية والتى استغل الأهالى أيضا توفيرها للمياه لرى الأراضى المستصلحة لتكون هى نفسها مصدر للشرب بالنسبة لهم ولكن بعدما حدث عطل فى البئر الخاص بالشركة توقفت سبل الحياة بهم من جديد. ويضيف جاشو إن أغلب سكان القريتين رحلوا عنها بسبب انعدام الخدمات، وحتى الكبار فى السن الذين تمسكوا بالبقاء فى أرضهم توفوا، ولم يتبق منهم سوى الحاجة طاهرة تلك السيدة التى يصفها الجميع بأنها «أرجل من ناس كثيرة» مدللين بأنها تدافع عن أرضها وهى ما بين الحياة والموت، وعلى الرغم من أنها قاربت على التسعين عاما إلا إنها ترفض أن تترك قريتها بعد وفاة زوجها ودفنه فيها وذلك على الرغم من افتقارها للماء والكهرباء حتى كانت النتيجة هى موت ما يقرب من 70 نخلة اشتراهم الأخير من السودان ورعتهم طاهرة لفترة حتى انتهى بهم الحال مع جفاف مياه بئر شركة مساهمة البحيرة والذى كان يعتمد عليه الأهالى لرى أراضيهم. على الرغم من رغبة أهالى قريتى قسطل وأدندان فى العودة لأراضيهم مرة أخرى إلا أن هذا سيبقى حلما صعب المنال بالنسبة لهم كما يقول جاشو بسبب غياب الخدمات الأساسية والبنية التحتية للقرى.. يضيف جاشو: لا توجد مدارس أو وحدات صحية وكثيرا ما يكون مصير حالات مرضية الوفاة لصعوبة إنقاذهم بعد توقف العبارة عن الخروج فى الرابعة عصرا، ونعيش على مساعدات جمعية قسطل وما ترسله من قوافل طبية لرعاية الأهالى صحيا من وقت لأخر فضلا عن توفير أمصال العقارب وتوزيعها عليهم. ويتابع: فقط نعيش على أمل أن تتحسن الأوضاع قبل أن يمل ويرحل أفراد 6 بيوت هم فقط المتبقون فى القريتين من النوبة القديمة، يعيشون فى عزلة تامة مضاعفة بسبب التشديدات الأمنية التى تفرض على كل من يرغب فى زيارتهم بسبب وجود قراهم على الحدود بين مصر والسودان.