فى الخامس من سبتمبر منذ أربع سنوات، رحل عنا خمسون فناناً ومبدعاً وناقداً وكاتباً، راحوا ضحية الإهمال والتخاذل والاستهانة والكسل، كان لهم فى الغد أمل كبير، فلم يروا الغد الذى انتظروه وأضاءوا من أجله الشموع، كانت الشمعة التى أشعلوها رمزاً للأمل والحلم، فأصبح الأمل مأتماً والحلم كابوساً، اشتعلت النيران فلم يقدر أحد على إطفائها، حتى إن بعض المتوفين لم يبرحوا أماكنهم، وماتوا على حالهم، جالسين قبالة المسرح، وكأنهم منتظرين إسدال الستار. تجددت المأساة بكامل هيئتها، حينما أثيرت قضية إعادة تعيين أحد المتورطين فى هذه الكارثة، كانت الزميلة "الفجر" هى أول من أشار لهذه القضية فى عددها قبل الأخير، بعدها نشر اليوم السابع بلاغ مؤسسة الهلالى للحريات الذى تتهم فيه أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة بالتحايل على حكم المحكمة، وتجديد تعيين مجدى شلبى مديراً عاماً لأمن الهيئة، بعد أن قضت المحكمة التأديبية بعزله من منصبه لمسئوليته هو وآخرون عن المحرقة التى اعتبرها المثقفون "يوم أسود" فى تاريخهم وتاريخ الإبداع فى مصر. فى مذكرة البلاغ التى تقدمت بها مؤسسة الهلالى أتى ذكر أحمد مجاهد باعتباره المسئول الأول والأخير عن إعادة تعيين مجدى شلبيى أحد المتسببين "بشكل غير مباشر" فى حدوث المأساة، وحينما توجهت الزميلة هدى زكريا للأستاذ سيد حمدى رئيس مؤسسة الهلالى بسؤال عن سبب عدم اختصام الوزير فى هذه القضية، قال: مهمة الوزير التصديق على القرارات المقدمة له فقط، والتحايل هنا حدث من قبل الهيئة وتعاملنا معها باعتبارها جهة مستقلة قائمة بذاتها، رغم أن الوزير هو الذى وقع على القرار الذى لا يعتد به بدون توقيعه، كما أن القانون يعتبر الوزير هو المسئول التنفيذى الأول عن كل قرارات الوزارة، وقانونياً وأدبياً يتحمل كل الموقعين على المكاتبات الحكومية مسئولية ما قد يترتب عليها من أخطاء!! لست من المتخصصين فى القانون، لكن إن كان كلام الأستاذ حمدى صحيحاً عن أن مهمة الوزير هى التصديق على القرارات فقط دون النظر فيها، أو تحمل تبعاتها؛ فهذا ببساطة معناه أن الوزير "أى وزير" ليس أكثر من "عامل إمضاءات" كل مهمته أن يملأ قلمه بالحبر صباحاً ليفرغه على الأوراق فى الضحى والظهيرة، ولو كان رئيس هيئة قصور الثقافة هو المسئول مسئولية مباشرة هذا الخطأ، فبالتأكيد كل من وافق على القرار وكل من سمح بتمريره، سواء كانوا مسئولين أو مستشارين قانونيين، أو قيادات بالوزارة مدانون بنفس القدر، دون أن ينقص هذا من قدر إدانة رئيس الهيئة أو السيد الوزير. الوزير نفسه اعترف بأنه يتحمل مسئولية الحادث حينما عرض استقالته بشجاعة نادرة وقت وقوع الكارثة، غير أن القيادة السياسية رفضت هذه الاستقالة بعد أيام من تقديمها واستمر فاروق حسنى فى منصبه إلى الآن، وإذا قارنا بين فجاعة كارثة "بنى سويف" التى لم تهز عرش حسنى وكارثة أخرى مثل "قطار العياط" التى أطاحت بالوزير محمد منصور من حيث المسئولية الأدبية وعدد الضحايا ووقع الكارثة، سنجد أن حادثة "بنى سويف" أكثر فجاعة وإيلاماً مما يستوجب استقالة الحكومة بأسرها وليس وزير الثقافة فقط. وكما أن أحمد مجاهد ليس هو المخطئ الوحيد، فكذلك ليس مجدى شلبى هو المخالف الوحيد، فالسيد حمدى عبد اللطيف الصادر ضده حكم تأديبى من المحكمة بالعزل، مازال يمارس مهامه الوظيفية كمدير عام بالهيئة لإقليم ثقافة أسيوط حتى الآن، وإن كان ما يقوله مجاهد صحيحاً عن أن حكم المحكمة التأديبية تم إيقاف العمل به، فهذا يعنى أن البلاغ المقدم من "الهلالى" غير سليم وهذا ما كذبته المؤسسة، وهذا التخبط وعدم الوضوح سواء فى جانب الادعاء أو تبرير المؤسسة يدل على أن هناك إجراءات تمت "بليل" وكل هذه الممارسات التى تبدو غامضة ومتآمرة ومريبة تدل على أن الدولة ومؤسساتها تمارس التنويم المغناطيسى للشعب والمثقفين، وتفرط فى حق أناس لم يذنبوا فى شىء غير أنهم تفانوا فى حب فنهم، ما يستوجب إعادة محاكمة كل المتهمين والمدانين فى هذه الحادثة المروعة التى راح ضحيتها رجال آمنوا بفنهم وما لقوا إلا الحريق.