كلنا شركاء فيما جرى أو سيجرى فى مصر ولمصر، ولم يعد باستطاعتى أن أستثنى أحدا أو فريقا، فلا الفريق الذى يحكم ويدير الآن مسئول وحده عن كل ما ينتظرنا من أوجاع وكوارث ومخاوف، ولا الفريق الذى يعارض السلطة إما طمعا فيها أو لأنه لا يشاركها ويقتسم معها المنافع والمصالح، ولا الفريق الثالث الذى يجيد إمساك كل عصا من منتصفها فيستمتع ببقائه فى الظل قريبا من السلطة ويشاركها بهجة الحياة ونعومتها ولا حتى الفريق الذى لم يعد يحترف إلا السكوت والعجز وهز الأكتاف ومصمصة الشفاه رفضا وغضبا وقرفا من كل أحد وكل شىء. والأسوأ من ذلك كله أننا كلنا أصبحنا نستمتع بأدوارنا وبالتالى لابد أن يبقى الرئيس رئيسا، ويبقى المظلوم مظلوما، وأن يزداد الغنى ثراء ويزداد الفقير بؤسا طالما أننا تخيلنا أو تظاهرنا بالاقتناع بأنها إرادة الله وأرزاق الله، وبات الظالم يعيش مستمتعا بالظلم، والمظلوم سعيدا جدا بأنه مقهور ومطحون، الفاسد لا يعترف بفساده وإنما يجاهر به وهو يراه ذكاء وقدرة على التعامل مع الناس والأيام بنجاح واقتدار، فاستخدام الحذاء بدلا من الحوار يصبح عملا قوميا وبطولة خرافية ورائعة إن ألقاه صحفى عراقى فى وجه رئيس أمريكى ولكنه يصبح سفالة وقلة أدب إن أشار إليه أحد قادة الإخوان المسلمين، وصحفيون معارضون لا يتحدثون إلا بالصوت العالى وبكل ما فى الصدور من غضب واحتجاج، لكنهم فجأة ينتقلون لصحف قومية فلا يسكتون وإنما يريدوننا أن نصدقهم وهم يسبحون بحمد من كانوا يعارضونهم بالأمس، وصحفيون وكتاب كبار يكتبون دائما يسخرون من العمال والفلاحين فى مجلس الشعب الذى ينص القانون والدستور على ضرورة أن يكون نصف أعضائه من العمال والفلاحين، بينما الواقع يؤكد أنه لم يعد هناك تحت القبة لا عمال ولا فلاحين، ولكن إن قررت الدولة تغيير القانون وإلغاء تلك النسبة، فسيبدأ نفس هؤلاء الصحفيون والكتاب يبكون على الورق وعلى الشاشات على الدولة التى لم تعد تحترم العامل أو الفلاح وسيرفع كثيرون منهم صور الرئيس جمال عبدالناصر راعى العمال والفلاحين ونصيرهم رغم أن كثيرا من هؤلاء الصحفيين كانوا ينتقدون الرئيس عبدالناصر فى كل وأى شىء. ومؤمنون بسطاء لا يتركون الفريضة أيا كانت حاجة العمل والناس ويسجدون بخشوع حقيقى وإيمان صادق بالله سبحانه وتعالى، لكنهم لا يسمحون أبدا لهذا الإيمان أن يمنعهم من رشوة الآخرين وأولئك الذين يحاربون الحجاب وأداء الصلاة فى أروقة الدواوين الحكومية باعتبار ذلك نوعا من التخلف لابد أن تتخلص منه مصر ولكنهم لا يرون عيبا أو إثما أو تخلفا أن يبقى الاحتكار قائما وأن تموت الضمائر ويسود الزيف والتلاعب بالقانون، والشاب العاطل يشكو طول الوقت من الإحباط بسبب فساد الحكومة والوساطات وتعيين الأنجال والأقارب ولكنه لن يمانع إطلاقا أن يستخدم الوساطة إن توافرت لينال وظيفة ليس هو بالضرورة الأحق والأولى بها، وحكومة تشكو طول الوقت من ضيق ذات اليد تمنعها من مساندة الأهالى سواء كانوا مشردين أو جوعى أو مرضى أو فقراء، وفى نفس الوقت يجد الأهالى نفس الحكومة تملك فجأة الكثير من المال كلما احتاجت لوجاهة سياسية أو اجتماعية أو لإضفاء مزيد من هالات التقدير على أحد الشخوص المهمين. تناقضات كثيرة جدا، نمارسها كلنا ولا أستثنى منها أحدا بمن فيهم أنا، نعيشها ونسمع عنها أو نشاهدها ونحن نضحك أو نشكو لكننا للأسف الشديد لا ننوى التصدى لها أو علاجها، لأننا بالفعل لا نريد تغييرا بل نريد كل شىء ونحلم بكل شىء ولكننا لسنا على استعداد مطلقا لأن ندفع ثمن أى شىء.