الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    تعرف على موعد ومكان عزاء رئيس حزب الحركة الوطنية    الشركات الأمريكية مستعدة لاقتراض مليارات الدولار بعد خفض الفائدة    إجراءات استرداد قيمة تذكرة الطيران في حال إلغاء الرحلة    وزير البترول يؤكد استدامة الاستقرار الذى تحقق في توفير إمدادات البوتاجاز للسوق المحلي    تعرف علي أهمية خطوط نقل الطاقة الكهربائية في الشبكة    تي موبايل-أمريكا تعتزم طرح سندات للاكتتاب العام    بسبب أحداث لبنان.. مصر للطيران تعلن إلغاء رحلاتها المتجهة إلى بيروت    بيان سعودي عاجل عن تطورات الحرب في لبنان    رئيس الإمارات: جهود الوساطة التى تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة خطوة أولى نحو تحقيق السلام    وزير الخارجية يؤكد على أهمية توظيف المحافل الدولية لحشد الدعم للقضية الفلسطينية    الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن قلقه العميق إزاء القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان    شيكابالا لجماهير الزمالك: سنحتفل معا بلقب السوبر الإفريقي    حتحوت يكشف رسائل محمود الخطيب للاعبي الأهلي قبل السوبر الإفريقي    أشرف نصار: لدي تحفظ على نظام الدوري الجديد لهذا السبب    مايوركا يصعق ريال بيتيس في الليجا    الأولمبية: الزمالك أرسل اسم فتوح للسفر للسعودية وطلبنا إقرارا قانونيا لاعتماده    بفرمان من جوميز.. الزمالك يقترب من التعاقد مع صفقة جديدة    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    اخماد حريق نشب بمخلفات في العمرانية الشرقية| صور    إبراهيم عيسى: تهويل الحالات المرضية بأسوان "نفخ إخواني"    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص من أسرة واحدة في تصادم سيارتين بالدقهلية    مدير الجودة بشركة مياه الشرب: أقسم بالله أنا وأسرتي بنشرب من الحنفية ومركبتش فلتر    المشدد 10 سنوات لشقيقين تعديا على ربة منزل وابنتها لخلاف على الميراث بالقليوبية    انقضاء الدعوى الجنائية ل عباس أبو الحسن بالتصالح في حادث دهس سيدتين    تعرف على جوائز مسابقة الفيلم القصير بالدورة الثانية لمهرجان الغردقة لسينما الشباب    هند صبري تكشف ل«المصري اليوم» عن الجزء الثاني من «البحث عن علا 2» (تفاصيل)    وفاة النحات سمير شوشان عن عمر ناهز 71 عاما    هيفاء وهبي جريئة وهدى الإتربي تخطف الأنظار.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    مجمع الفنون والثقافة يشهد حفل تخرج طلاب كلية الفنون الجميلة -(صور)    حدث بالفن| وفاة فنان سوري وحريق يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين وأزمة سامو زين الصحية    وزير الثقافة يعقد اجتماعا لمتابعة تنفيذ مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    صحة الإسكندرية: تقديم 2 مليون خدمة صحية للمواطنين ضمن «100 يوم صحة»    "قمة المستقبل".. هل ستنجح فى استعادة الثقة لعالم فقد إنسانيته؟    الاقتصاد ينتصر| تركيا تتودد لأفريقيا عبر مصر.. والاستثمار والتجارة كلمة السر    عيار 21 يسجل رقمًا تاريخيًا.. مفاجآت في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء «بيع وشراء» في مصر    جامعة عين شمس تستهل العام الدراسي الجديد بمهرجان لاستقبال الطلاب الجدد والقدامى    عاجل - البيت الأبيض: بايدن وبن زايد يشددان على ضرورة التزام أطراف الصراع في غزة بالقانون الإنساني الدولي    تعرف علي الإصلاحات التي أجراها بولس السادس    عمرو أديب عن خطوبة أحمد سعد على طليقته: «هذا ما لم نسمع به من قبل» (فيديو)    ترتيب الدورى الإسبانى بعد نهاية الجولة السادسة.. برشلونة يحلق فى الصدارة    عمرو أديب: حتى وقت قريب لم يكن هناك صرف صحي في القرى المصرية    شيكابالا ل جماهير الزمالك: سنحتفل بلقب السوبر الإفريقي معا    أهمية الرياضة في حياة الإنسان    بيولي: جماهير النصر تخلق أجواء رائعة..وأحتاج للمزيد من الوقت    «التنسيقية» تنظم صالونًا نقاشيًا عن قانون الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    مصروفات كليات جامعة الأزهر 2024/2025.. للطلاب الوافدين    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    الكبد الدهني: أسبابه، أعراضه، وطرق علاجه    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى محمود.. قتلناك يا آخر الأنبياء!
نشر في اليوم السابع يوم 01 - 11 - 2009

كنّا طلاباً قادمين من القرى والنجوع البعيدة، والجامعة بالنسبة لنا عالم غامض، نسمع عنه لكننا نجهله، وثروتنا تتلخص فى شىء واحد: (القراءة)، ولم يكن هناك كاتب نستطيع التفاخر به أمام أقراننا سوى الدكتور مصطفى محمود، كان الرجل قد سرق عقولنا وتعلقت به قلوبنا، أخذنا معه فى رحلات طويلة كأنه قبطان ظل يدربنا على استخدام العقل وتوسيع المدارك واستخدام الحواس جميعها وصولاً إلى إيمان راسخ ويقين لا يتبدل، يقين بعظمة الخالق الذى لا تدركه الأبصار، فالله أصل المخلوقات.. وبيده وحده أمرها جميعا .. وقدرته سبحانه وتعالى تفوق تصوراتنا الطفولية لتمتد إلى تفاصيل نجهلها.
أخذنا الدكتور مصطفى محمود إلى عالم الجبال والتلال والكواكب والنجوم والأشجار والحيوانات.. فكّ لنا أسرار هذه العوالم المجهولة بعد أن كشف لنا أسرار الإنسان الذى لا يعدو كونه مخلوقاً ضعيفاً واهناً لا يتميز بشىء سوى ما منحه الله من عقل يفكر به (قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق).. تعلمنا على يديه أن الإيمان بالله لا يحتاج زبيبة أو لحية.. لا يحتاج جلباباً قصيراً وساعة فى اليد اليمنى بدلاً من اليسرى، بقدر ما يحتاج عقلاً يفكر ويتدبر ويتأمل عظمته التى تتجلى فى كل شىء.
كان نورنا فى مجاهل العالم، نبيا بلا رسالة سوى "العلم وتدبر آيات الله". وفى مطلع 2004 .. ومع الجدل الذى أثاره كتاب "الشفاعة" بدأ الدكتور مصطفى محمود يبتعد رويداً رويداً تاركاً الضجيج والجدل والمعارك الوهمية التى أصبحت ساحة لأنصاف الموهوبين والجهلاء، ابتعد العالم الكبير بعد أن تأكد له، وبوضوح تام أن المتاجرين بالدين هم الأوفر حظاً فى مصر.. ابتعد حزيناً ومكتئباً ويائساً بعد أن تطاول عليه الصغار واتهموه فى دينه!! نعم وصل الأمر ببعض المتاجرين وهواة الظهور والباحثين عن الشهرة إلى حد تكفير الدكتور مصطفى محمود .. العالم والمفكر والأكثر معرفة ووعياً وصاحب الرسالة الرائعة التى وصلت إلى المسلمين فى كل بقاع الأرض .. رسالة الإعجاز القرآنى.. لم يكن الأمر هيناً على الرجل .. لم يكن من السهل على مفكر وعالم مثله أن تمر مزايدات الجهلاء دون أن تترك فى القلب حسرة وألماً وجرحاً ظل ينزف حتى تحول إلى مرض عضال، فتدهورت صحته وبدأ الجسد النحيف يشكو الوهن مثلما بدأ الرأس المفكر والعقل المتدبر يرفع راية الاستسلام للصمت انتظاراً لقدر محتوم.
وشرح الدكتور كل ما أرد قوله باستفاضة، فالقرآن ينفى إمكانية خروج من يدخل النار فى الكثير والعديد من آياته (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم)، ويقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام فى الآية التاسعة عشرة من سورة الزمر:(أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار) .. والكلام لرسول الله مباشرة فى استفهام استنكارى، والله ينكر على رسوله أن يقول مثل هذا الكلام.
لكنهم .. كانوا يريدونه مثلهم .. بلا عقل .. لم يعجبهم أن يحطم لهم ما تبقى من قصص وخرافات تمتلىء بها كتب السيرة والسنة، طالبهم بمراجعة ما تناقلوه من مرويات مغلوطة عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم تتناقض تماماً مع القرآن الكريم.. قال لهم إن نبياً عظيماً مثل محمد لا يجوز أن يموت ودرعه مرهونة لدى يهودى، فهذا ليس زهداً فى الدنيا بقدر ما هو تقليل من شأن الرسول العظيم، قال لهم إن الشفاعة لا تجوز إلا للواحد القهار، وأنه لا يصح الاعتقاد فى غير ذلك .. وقال إن أهل النار ما هم بخارجين منها إلا من رحم ربى.. وإن شفاعة الأنبياء تشبه البشارة التى يبشرون بها عباد الله الذين عفا عنهم رب العباد، قال كثيراً، لكنهم وضعوا أصابعهم فى آذانهم.. ورفعوا المصاحف على أسنة السيوف، وأعلنوا قتال كاتب وعالم جليل لم يحتمل خروج أنصاف الموهوبين وأرباعهم عليه.. لم يحتمل مزايدات على دينه، وهو الراهب فى محراب العلم والإيمان.. لم يحتمل وجوههم الكالحة وذقونهم المتدلية على صدورهم وأصواتهم الجهورية الكريهة التى راحت تتطاول عليه وتتهمه فى دينه.. فأصيب بصدمة الزمن.. وصدمة القدر.. وصدمة المزايدين والمتاجرين بالدين.. فى عصر الجهلاء والأنصاف والذقون الطويلة.. والعقول المتحجرة الجامدة.
ولم يعرف المصريون معنى "الحب فى الله" سوى مع انتظارهم لعازف الناى الذى يعلن بداية حلقة جديدة من برنامج مصطفى محمود "العلم والإيمان".. فمنحوه لقب العالم والراجل الطيب.. وزرع الله محبته فى قلوبهم.. قلوبنا نحن المصريين وما أدراك ما المصريين إذا زرع الله محبة رجل فى قلوبهم ساعتها سيكون أسطورتهم وقصة حب لا تنتهى مهما طال الزمن.
وعرف المصريون من هذا النوع اثنين لا ثالث لهما: الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله، والدكتور مصطفى محمود.. وبعيداً عن فارق الدرجات فى سلم العلماء وتراتبها.. وبعيداً عن كل المقاييس باستثناء مقياس الحب.. فلا أحد ينافس الرجلين حباً ومكانة وتقديراً وإجلالاً فى قلوب المصريين.. لا أحد سواهما نجح فى الوصول إلى شرائح هذا المجتمع المتباينة والمختلفة.. لا أحد اخترق السدود والحدود بينه وبين الناس سواهما.. فمن ريف مصر وبسطاء القرى والنجوع.. إلى طلاب الجامعات والمهندسين والأطباء والمدرسين الصنايعية والتجار.. الكل يجلس أمام الشاشة يتابع باهتمام بالغ "حديث الشيخ الشعراوى" وبرنامج "العلم والإيمان"، ومنذ أوائل الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات عاشت مصر حالة روحية غير مسبوقة قادها هذان العالمان، وكانت البساطة والتواضع جواز مرورهما، الأول زرع محبته فى القلب بتلك الخلطة السرية، فكان سلساً عذباً هادئاً مقنعاً واثقاً فى تفسيره للقرآن الكريم، فى حين جمع الثانى بين كل هذه الصفات، وأضاف إليها عنصراً آخر هو (الدهشة) .. الدهشة التى تجعلك تسبح باسم الله تعالى وتنحنى أمام قدرته العظيمة التى تتجلى أمامك كلما أطل عليك هذا الرجل عبر برنامجه الشهير، لقد كان مصطفى محمود ساحراً.. يعرف أين يسكن المصريون وكيف يصل إليهم بتواضع العلماء.. وليس بتكبرهم وغرورهم.. قرأ القرآن جيداً.. وتأمل آياته وتدارس معانيها.. فى رحلة نورانية ممتدة، فتكشفت أمامه وأمامنا الأسرار الكبرى، وتحولت سور القرآن الكريم إلى مشاهد محفورة فى الذاكرة.. مشاهد ورؤى تؤكد عظمة الخالق فالكواكب التى تجرى فى أفلاكها منذ الأزل والنجوم التي تسبح فى مداراتها منذ بلايين السنين والشموس التى تشرق وتغرب بحساب دقيق.. وعالم النبات وعالم الحيوان وعالم البحار.. تشهد كلها بعظمة خالق عليم حكيم لا تفوته فائتة.. هو الخالق بكلمة والمميت بكلمة والرازق بكلمة، وهو الذى يسير الزلازل ويفجر البراكين ويرسل الصواعق، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شىء محيط.. فأين منه المهرب.. وأين منه الفرار.. وأين يكون ذلك الفرار والعالم كله عالمه، والملك كله ملكه، وعينه ساهرة لا تنام.. إن الإيمان كما يقول مصطفى محمود (موروث فطرى بسيط.. والكفر يحتاج إلى افتعال وعناد بحجم الجبال وتعام عن حقائق كالنور وضوحا).
وصلت رسالة العالم الجليل إلى الناس، لأنه كان صادقاً، يخاطب القلب والعقل والمنطق فى تناغم لا يقدر عليه سوى مصطفى محمود الذى عاش ومات عزيز نفس وروح، وفى القلب غصة من تجاهل معتاد فى بلدنا للعلماء، فسلام عليه وعلى روحه الطاهرة، وغفر الله له ولمن كفروه وأهانوه، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.