فتح مفكرته الحمراء الصغيرة، يمسك بالقلم، ينظر إلى حبيبته ترقد فوق سرير أبيض شاحب شحوب وجهها، لم يخطر بباله أن يصحو ذلك اليوم على صراخها ليكتشف أنها تعانى من أخبث أمراض الكون! ينظر إليها دامعًا ومن ثم يكتب أولى كلماته فوق مفكرته الحمراء القديمة! طريق طويل هو.. عبرناه معًا أبحث فيه عن طفولتي.. شبابى وشيخوختي.. طريق ملأناه معًا نورًا وحبًا. ينظر إليها ثانية ويعود ليكتب، أترى سوف أسمع صوتك ثانية، أو حتى أرى بريق عينيكى وهى تنظر إلى. أنفاس مضطربة تعلو وتهبط وأصوات الأجهزة الطبية تصدح فى الغرفة.. خيل إليه أنه يسمع صوت قطر المحلول فى وريدها! يكتب.. أرجوكى استيقظي! فلا أرى حياة بدونك.. ولا أشعر بشيء وأنت لست معي.. أقسمت عليكى ألا ترحلي! يذرف دموعًا غزيرة تغطى قلمه وصفحته البائسة.. تنحدر دموعه إلى فمه فيشعر بملوحتها تحرقه.. استيقظى يا حبيبتي! بالأمس همس الطبيب فى أذنى إنك لن تعودين وإنك لو فتحت عينيكى فستكون المعجزة! يا الله! أشعر بروحى تغادرنى يترك مفكرته ويضع رأسه على صدرها مناجيًا أموت أن رحلتي.. لا حياة لى بعد أنفاسك يا حبيبتى. تدور فى رأسه ذكريات جميلة.. يوم زواج ويوم ولادة وضحكات ومن ثم أنوار ملونة هنا وهناك، لا يقطع أفكاره إلا تعالى صوت جهاز قياس نبضات القلب منبهًا لخطر أكيد.. تتلوه أنفاس مضطربة منها وكأنها النهاية! يرفع رأسه.. تتحول عيناه ما بين الجهاز وما بين صدرها.. ومن ثم تزدحم الغرفة بالطاقم الطبى الذى جاء مسرعًا كل منهم قد انهمك فى مهمة مستحيلة وكأنها العودة من الموت! نظر إليهم وإليها.. شعر بوخز فى قلبه.. تلاه بطء فى دقاته وألم لا يحتمل! فجأة ذهب الألم.. شخصت عيناه! الطبيب يفحصه مسرعًا ثم يحنى رأسه بأسى! لقد مات! لقد مات. تفتح عيناها بصعوبة.. تنظر مشدوهة لمن يحيط بها فى الغرفة.. ترمق حبيبها بنظرات حانية. حبيبي.. أمازلت حتى اليوم تعشق النوم جالسًا! تبسمت وتحاملت على نفسها حتى وخزته فى جنبه بأمل وابتسامة. اصحى.. أنا كويسة.. مش هاسيبك أبدًا.