قبل عدة سنوات حين أصبت بمرض السكر، جلست مع طبيبى للتشاور حول أسئلة مهمة مثل: متى أصوم؟.. ومتى أفطر؟.. وكيف سنعيد توزيع الدواء خلال شهر رمضان الكريم؟ السكر مرض شعبى جدا فى مصر، وهو من الأمراض التى تحتاج أن تصادقها ولا تتحداها، وإذا فعلت ذلك تجنبت الكثير من المضاعفات التى تؤثر تقريبا على كل الأجهزة الحيوية بالجسم وتنتهى غالبا بالوفاة إذا لم نوقف مضاعفاته. ومرضى السكر يعانون من نوعين من المشاكل، الأولى غيبوبة سكرية بسبب ارتفاع كبير ومفاجئ فى نسبة السكر فى الدم تؤدى إلى غيبوبة، تحتاج إلى نقل سريع لأقرب مستشفى. والنوع الثانى هو قلة السكر فى الدم وتحتاج على الفور إلى تزويد الدم بالسكر فى أسرع وقت ممكن، لكن هذا الأمر لا يحتاج إلى النقل للمستشفى طالما تناولت سكرا سريع الامتصاص بأى صورة من الصور. استفتيت الطبيب ولم أستفت رجل دين لأن الموضوع يتعلق بالعلم، والطبيب أدرى به من الشيخ، قال الطبيب: أنت ترمومتر نفسك، تنوى الصيام ونوزع الدواء على الإفطار والسحور، وإذا حصلت أية أزمات طارئة يجب أن تفطر على الفور. فى غير رمضان غالبا ما أتعرض لنقص حاد فى السكر فى الدم عدة مرات فى الأسبوع الواحد، لكن فى رمضان لا تفاجئنى مثل هذه النوبات سوى مرتين طوال الشهر فقط، وأعتقد أن هذا راجع إلى التخلى عن الكثير من العادات السيئة التى أمارسها فى غير رمضان، مثل التدخين واحتساء القهوة بشراهة. فى رمضان أعيد تنظيم حياتى الصحية، أمتنع تقريبا عن القهوة وأقلل التدخين إلى عدد محدود جدا من السجائر، ولا أسرف فى أى أنواع من الطعام، وأطبق القاعدة الدينية " ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك"، وغالبا ما يكون لدى متسع بعض الإفطار لممارسة رياضة المشى الخفيف، ولا أقبل على السكريات والحلويات التى تمتلئ بها الموائد. وبعد نهاية شهر رمضان وخلال عدة سنوات خلت اكتشفت فعلا أننى أعيد تجديد نفسى، وأجرى صيانة لجسدى، فتنشط الوظائف الحيوية، وتختفى الآثار السلبية للسكر وغيره من الأمراض. ورغم أن رمضان هو شهر سعيد على كل المسلمين لكننى أشعر بسعادة تفوق ما كنت أشعر بها من قبل، لأنى عرفت بشكل مختلف نعمة الحياة التى وهبنا الله إياه، واحترمت جسدى ذلك الكائن العجيب والمعقد، والذى يعد بلا جدال أعقد آلة على وجه الأرض.. والمهم أنه أصبح لى فى رمضان فوائد أخرى رأيت أن أشاركها مع كل القراء. ومثل هذه الفوائد لا يمكن تحقيقها ما لم يتحل الإنسان بصفتين مهمتين للغاية هما حب الحياة الغالية التى وهبهها لنا الخالق، ثم الإرادة البشرية التى تصنع المستحيل، وقد اكتشف العلماء منذ سنوات أن توافر الإرادة مع حب الحياة يقوى جهاز المناعة الإنسانى ويجعله قادرا على مواجهة أية تحديات خارجية مثل الفيروسات والبكتيريا، وأية تحديات داخلية مثل الأورام، وقد رأيت الكثير من الناس الذين غلبوا أمراضهم وأوقفوا زحف الأورام داخل أجسادهم بحب الحياة والإرادة.. والأهم الإيمان بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب لنا.. وأن نأخذ بالأسباب.. وكل عام وأنتم بخير.