سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ورش القطارات ساحات للأشباح.. وعمال يؤكدون: لم تحدث صيانة أثناء توقف الحركة .. ومسؤولو السكة الحديد يوزعون التصريحات حول تحسين الخدمة.. وسائق: الفحص على الورق
نقلا عن اليومى : أجمل ما فى مصر، هو تصريحات كبار المسؤولين، التى تأتى وردية براقة مشرقة، وأسوأ ما فيها هو الواقع الذى يكشف فى أغلب الأحيان، عن أن التصريحات لا تمت إلى الواقع بصلة. ففى حين وزع مسؤولو السكة الحديد التصريحات ذات اليمين واليسار، بأن الهيئة العامة استغلت فترة تعطل حركة القطارات، لإجراء صيانة شاملة للقطارات، بما يؤدى إلى تحسين الخدمة والارتقاء بها، تكشف «اليوم السابع» فى تحقيق ميدانى، عن أن شيئًا مما قيل لم يتحقق، فالقطارات كانت فى المخازن المهجورة يعلوها التراب طبقات فوق طبقات. هذا أول ما ترصده العين لدى الدخول إلى ورش أبوغاطس، لصيانة الجرارات، بجوار شارع أحمد حلمى، حيث لا يوجد سوى فرد أمن، يجلس داخل «كشك» على مدخل الورش وحوله عدد من الأشخاص يتبادلون الحديث فيما بينهم. لا صعوبة فى الدخول إلى الورش، ففرد الأمن لا يعنيه من يدخل ومن يخرج، وبوسع أى إنسان التجول بحرية، فلا عمال أو مهندسين، والجرارات لا تتحرك من مكانها.. وهكذا تجول محرر «اليوم السابع» دون أى قيود. على القطارات المتراكمة تظهر علامات التخريب التى تعرضت لها عقب توقفها على خطوط السكة الحديد دون أن تكمل رحلاتها خلال فض اعتصامى رابعة والنهضة. زجاج النوافذ محطم ومكسر.. وشعارات الإخوان التى تهاجم الجيش ترتسم على أجسام العربات المصطفة لمسافة نحو كيلو مترين، والمكان أشبه ما يكون بالمقابر يخيم عليها الصمت والهدوء. أخيرًا.. يوجد أحد العمال، اسمه «حمدى رمضان» ويبلغ من العمر 54 عاما، يقول: أكثر من 30 عامًا فى السكة الحديد، عمرى ضاع منى، تبدد مع صوت هدير القطارات، مضيفًا «أعمل فنى براد»، لكن نتيجة لمرضى جعلونى أعمل فى جمع الخردة، وأن زملاءه والفنيين يعانون أشد المعاناة. ويقول الرجل الذى يدنو عمره من الستين فيما كانت بين يديه قطعة من حديد الخردة: إن إجمالى راتبه بعد 30 سنة لم يزد على 1300 جنيه، مشيرا إلى أن قسم تجميع خردة والمسمى «قسم الاستعداد» يعانى عجزًا شديدًا فى عدد العمال، وأصبح لا يوجد به سوى 9 عمال، رغم أن المطلوب أن يوجد به 163 عاملا يمثلون قوة القسم. ويضيف أنه يعمل فى ورش أبوغاطس منذ 29 عاما، ويرجع العجز فى عدد العمال إلى أن كل عامل يصل لسن المعاش لا يُعين عامل آخر بدلا منه، وما يحدث فى قسم تجميع الخردة يحدث فى جميع أقسام الصيانة الموجودة بالورش، مستطردا: «كله بيضحك على كله ومفيش صيانة لأن مفيش عمال تقوم بالصيانة ومفيش كمان قطع غيار». ويشير إلى أن الورش لا تسلم من أعمال السرقة وبالأخص من جوانبها المجاورة لمنطقة الشرابية وعزبة «الورد»، وأن أفراد الأمن الموجودين على مخارج الورش المجاورة لمنطقة الشرابية كثيرا ما اشتبكوا مع بلطجية يحاولون سرقة الورش. عم رمضان اصطحبنا إلى الاستراحة التى يقيم بها، حيث يبيت فيها مع زملائه، وهى عبارة عن «كُشك» خشبى، ليس به أى وسائل آدمية تصلح للمعيشة، وهناك أخبرنا بأنه يبيت مع زملائه المغتربين عقب انتهاء أوقات عملهم. أما حمادة على حسن فيعمل فنيا بالقسم المسمى «الباكم» والخاص بصيانة فرامل العربات، ويقول: إن إجمالى مرتبه يقل عن الألف جنيه شهريا بعد نحو 20 عاما من خدمته، لذلك فهو يضطر إلى عمل إضافى بالنظافة بشركة المترو بعد انتهاء عمله بالورش لزيادة دخله، حتى يتمكن من الإنفاق على أسرته. حسن يشتكى من نفس المشاكل التى عرضها عم رمضان من عجز العمال والمهندسين ونقص قطع الغيار، بالإضافة إلى عجز المعدات «العِدة» نفسها التى يستخدمونها فى إجراء أعمال الصيانة وتركيب قطع الغيار، مشيرًا إلى أنه بالإمكان إجراء الصيانة بشكل جيد لكن ذلك يتطلب سد عجز العمال والمهندسين، وتحسين أحوالهم، وتوفير قطع الغيار. ويقول: «كل المسؤولين يعلمون بهذه المشاكل لكنهم لا يتحركون، ومهتمون فقط بكراسيهم ومكاتبهم المكيفة». أثناء وجودنا بالورش علمنا أنه لم تجر أى أعمال صيانة طوال فترة توقف القطارات منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة، على عكس ما يردده المسؤولون. الوضع أصبح أشد سوءا مما كان قبل فترة التوقف.. وأعمال التخريب التى تعرضت لها القطارات أثناء إيقافها خلال فض اعتصامى رابعة والنهضة، والتى قدرت هيئة السكة الحديد تكلفة إصلاحها بنحو مليون جنيه، لم تحدث. العاملون والمهندسون طوال فترة التوقف وحتى اليوم إما غائبون، أو فى مكاتبهم، أو «مزوغين» فى أى مكان بعيدًا عن مكان عملهم بالورش، فقد استغلوا فترة التوقف وتركوا أماكن عملهم، حتى تحولت الورش إلى ساحات مهجورة كما لو كانت تسكنها الأشباح. ويؤكد حسن عيسى سائق قطار أنه لم تجر أى صيانة طوال فترة التوقف، وأن المسؤولين بالسكة الحديد يحاولون خداع الرأى العام، من خلال ترديد تصريحات غير حقيقية، مشيرًا إلى أن الصيانة تحدث لكن على الورق فحسب، وحينما تقع حادثة يصبح السائق كبش فداء. بعدئذ كان ينبغى استطلاع موقف مدير الورش من التصريحات السابقة، لكن المسؤول الكبير لم يكن موجودا بمكتبه، وكان المهندسون محمد جودة ومحمد حنفى ومحمد سليمان مكانه.. والمهندسان الأول والثانى أكدا وجود مشاكل تتعلق بعجز العمالة والمهندسين، ونقص قطع الغيار، وأنهم خاطبوا المسؤولين بالهيئة مرارا بهذه المشاكل لكنهم لم يستجيبوا. «نحاول إجراء الصيانة بالإمكانيات المطلوبة لكن المشاكل تحاصرنا.. نحن لا نسمح بتحرك قطار قبل التأكد من سلامته فنيًا» وتجرى صيانة شاملة للعربة كل أسبوعين، فيما تجرى «عمّرة» كل سنة ونصف. المهندسان حنفى وجودة رفضا التحدث فى تفاصيل إضافية عن مشاكل الصيانة، قائلين: «لا تسبب لنا إحراجا.. فهم يعلمون، ولا تظهرنا على أننا نشكو قياداتنا». ويطالب المهندسون من الإعلام التوجه إلى رئاسة هيئة السكة الحديد، لأن ما يحدث فى ورش أبوغاطس يحدث فى باقى ورش الصيانة الموجودة بالسكة الحديد، وعلى رأسها ورش الفرز الموجودة بالقاهرة. وعندما توجهنا لمقابلة المسؤول الأول عن الصيانة بالسكة الحديد وهو المهندس مصطفى رشاد نائب رئيس هيئة السكة الحديد لصيانة الوحدات المتحركة، فشلنا فى مقابلته فى مكتبه، وعندما اتصلنا به لم يجب على هاتفه. أما المهندس حسين زكريا الفضالى رئيس هيئة السكة الحديد فقال ل«اليوم السابع» إنه تم استغلال فترة التوقف فى إجراء صيانة شاملة للقطارات، حيث كانت الهيئة تعانى عدم وجود وقت كاف لإجراء صيانة للقطارات قبل كل رحلة والتالية لها، نتيجة كثرة الاعتصامات على شريط السكة الحديد، لكن فترة التوقف عوضت هذه المشكلة، وتم استغلالها فى إجراء صيانة شاملة، وإصلاح أعمال التخريب التى تعرضت لها عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة.