لديك الحكمة والبصيرة والعدالة، ولكنك تترك الفساد ينتشر فى البلاد، والمعارك يستعر أوزارها والواحد يضرب الآخر، لقد كذبوا عليك، فالبلاد تشتعل كالقش الملتهب، والناس على شفا الهلاك وهذه السنوات كلها سنوات ضنك، حقاً لقد شحب الوجه وقد تنبأ بذلك الأجداد، حقاً لقد امتلأت البلاد بالأحزاب والعصابات، وأصبح المرء يذهب ليحرث ومعه درعه، حقاً لقد شحب الوجه، وحامل القوس أصبح مستعدا، والأشرار منتشرون فى كل مكان، ولا يوجد رجل من رجال أمس، حقا إن من ينهبون انتشروا فى كل مكان، حقا إن النيل يأتى بالخير، ولكن ما من أحد يحرث، لأن كل إنسان يقول: إننا لا نعرف ماذا حدث فى البلاد، ليت الناس يفنون فلا يحدث حمل ولا ولادة بسبب ما أصاب البلاد، حقا إن القلوب قد ثارت والوباء قد انتشر، والدم قد سال فى كل مكان، حقا لقد أصبح النهر قبرا لرجال كثيرين دفنوا فيه، حقا إن الأرض تدور كعجلة الفخارى، واللص أصبح صاحب ثروة، حقا إن النهر قد أصبح الرجل يعاف الشرب منه، حقًّا إن البلاد قد أصابها الدمار وأصبحت خاوية، حقا إن أولئك الذين كانوا يرفلون فى الثياب غدوا فى أسمال بالية، وغدت سيدات البيوت يقلن: أما من شيء نأكله.. حقا لقد أصبح الرجل يقول ليتنى أموت، والأطفال الصغار يقولون ليتنا لم نولد، حقا إن الغلال قد انعدمت فى كل مكان، وكذلك الملابس والعطر والزيت، ولم يبق أى شىء فى المخازن، حقا إن الأسى يملأ قلبى، ليتنى رفعت صوتى فى ذلك الوقت حتى كنت أنقذ نفسى من الألم الذى يعتصرنى الآن، فالويل لى لأن البؤس عم فى هذا الزمان. هذه الأقوال العظيمة كتبها الحكيم المصرى القديم "إيبوور" عندما انتابت البلاد كارثة، واختل نظام الحكومة تمامًا فى مصر على حين ظل الملك "بيبى الثاني" - اسمه كده - قابعًا فى قصره يشمله هدوء غريب، وتنساق إليه الأكاذيب فيصدقها، ولا يحرك ساكناً، وكان هذا الملك قد طال حكمه، وتسبب ضعفه فى هذه الأحوال السيئة للبلاد، كتبت هذا خلال حكم مبارك، واضطررت أن أعيده و"ها أنا أعيده" لأنه لم يتغير الوضع ومازال البؤس قائما بل يزداد ويزداد!!