حقق الفراعنة زمان والملوك والرؤساء الآن أرقاماً قياسية في بقائهم علي كرسي الحكم.. ولم يعرف الفراعنة أو الحكام نظام الاستقالة.. فهم لا يتركون الحكم إلا بالوفاة أو بالطرد نتيجة ثورة قام بها الشعب. يروي أنه في الفترة ما بين عام 2181 وعام 2275 قبل الميلاد كان يحكم مصر ملك يدعي بيبي الثاني آخر ملوك الأسرة السادسة وقد ضرب هذا الملك الرقم القياسي في البقاء فرعوناً علي مصر.. حيث ورث الحكم وكان عمره 6 سنوات وظل حتي بلغ من العمر نحو مائة عام أي أنه حكم 94 عاماً. كانت البلاد تنعم بالاستقرار والأمان ويعود ذلك كما يقول الدكتور سليم حسن في موسوعة تاريخ مصر القديمة إلي يقظة وزيره وخاله في نفس الوقت فقد حافظ علي استتباب الأمن وقمع أي حركات ثورية.. ولكن كلما مرت السنوات في حكمه.. كان الاستقرار ينكمش والأمن يتقهقر.. والفساد يتغلغل.. وقوة الملك تتدهور شيئاً فشيئاً ولا عجب فقد جلس علي العرش ثلاثة أجيال متعاقبة وانتهي الأمر إلي الانحلال الكامل.. وإندلاع الثورات.. وأغار الأجانب من البدو علي البلاد وانتشرت الحروب الداخلية. كان موقف الحكومة المصرية في حالة يرثي لها.. حيث عمت الفوضي وانتشر الخراب.. وأخذ كل شخص يستولي علي كل ما يستطيع أن تصل إليه يداه ضارباً بكل نظام وقاعدة عرض الحائط. جاء الحكيم "إيبور" وأخبر الملك بكل الحقائق.. وما قاله إيبور منذ 4500 عام هو نفس ما يحدث في مصر حاليا.. قال إيبور للملك بيبي الثاني: "يا مولاي إنك تعيش في طمأنينة لأنك تغذي بالأكاذيب فالبؤس يعم البلاد والشقاء انتشر بين الناس لقد انتشرت السرقة والقتل والتخريب وعم القحط والفساد.. وأصبح الكل في حالة الفقر والتفكك.. لقد تم تشريد الموظفين وتفككت الإدارة وغزا الأجانب البلاد وتولي الغوغاء مراكز الطبقة العليا وأبناء الصحراء احتلوا أماكن المصريين في كل البلاد وامتلأت البلاد بالعصابات حتي أن الرجل يحمل عند ذهابه إلي مزرعته درعا ليدافع به عن نفسه.. وكثر عدد المجرمين ورحل الرجال المحترمون وفقد الناس الثقة في الأمن.. يا مولاي.. الفوضي ضاربة أطنابها في طول البلاد وعرضها ولكنك مع ذلك نتيجة للأكاذيب التي تملي عليك.. صارت البلاد ملتهبة والإنسانية منحلة ليتك تعرف بعض هذا البؤس بنفسك! طبعا لم يستمع الملك الفرعون لهذه النصائح واستمرت الفوضي وقامت الثورات ولكن آثار هذا الحكم الطويل امتدت إلي أكثر من 200 سنة. عندما نقرأ هذا الكلام هل يمكن أن يشك أحد في أنه يقرأ الواقع المصري الحالي في الألفية الثالثة رغم مرور 4500 سنة؟!