«قبل ما تشتري الشبكة».. ما أفضل عيار للاستخدام اليومي؟    حقوقيون: حملة «حياة كريمة» لترشيد استهلاك الكهرباء تتكامل مع خطط الحكومة    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    فيديو متداول للحظة مواجهة رئيس بوليفيا مع قادة الجيش.. ماذا حدث؟    إعلام إسرائيلي: نتنياهو تابع تمرينا عسكريا على الحدود مع لبنان    موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية يهددون بإغلاق السفارات    الزمالك يبلغ لاعبيه بقرار نهائي بشأن خوض مباراة سيراميكا    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم.. «المحسوسة» تصل إلى 45 مئوية    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 27-6-2024 مهنيا وعاطفيا.. مشاريع عمل جديدة    حظك اليوم برج القوس الخميس 27-6-2024 مهنيا وعاطفيا    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    الحكم على رئيس هندوراس السابق بالسجن 45 عاما بسبب المخدرات والسلاح    فورد تلغى عددا من الوظائف    ملف رياضة مصراوي.. هزيمة البرتغال.. شكوى بيراميدز.. والزمالك يفعل بند شراء نجمه    «يتبقى الأندية الهابطة من الممتاز».. الفرق المشاركة في دوري المحترفين الموسم المقبل    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    سيدة تقتحم صلاة جنازة بالفيوم وتمنع دفن الجثمان لهذا السبب (فيديو)    محاكمة مصرفيين في موناكو بسبب التغافل عن معاملات مالية كبرى    أشلاء بشرية داخل القمامة تثير الذعر بأوسيم.. وفريق بحث لحل اللغز    بسبب الإدمان.. ثلاثينية تشعل النار في جسدها بالجيزة    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    تعرف على سعر السكر والزيت والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 27 يونيو 2024    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    Blue Beetle.. خنفساء خارقة تُغير القدر    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    تحرك برلماني لمنع حدوث «كارثة» جديدة في موسم الحج المقبل (تفاصيل)    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    يورو 2024| تعرف على نتائج مُباريات دور المجموعات    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    الأهلي يعلق على عودة حرس الحدود للدوري الممتاز    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    الجيش البوليفي يحاول اقتحام مقر الحكومة في انقلاب محتمل    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    «نجار» يبتز سيدة «خليجية» بصور خارجة والأمن يضبطه (تفاصيل كاملة)    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    الدفاع السورية: استشهاد شخصين وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلى للجولان    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لمدرسة تؤوي نازحين شرق خان يونس    لإنهاء أزمة انقطاع الإنترنت.. توصيل 4000 خط تليفون جديد بالجيزة (تفاصيل)    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    آخرأعمال مصطفى درويش.. آروى جودة تروج لمسلسلها الجديد حرب نفسية    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    بسبب عطل فني.. توقف تسجيل الشحنات ينذر بكارثة جديدة لقطاع السيارات    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. الزمالك في ورطة والأهلي ينهي صفقة دفاعية وتركيا وجورجيا إلى ثمن نهائي يورو    "ما علاقة هنيدي وعز؟"..تركي آل الشيخ يعلق على ظهور كريم عبدالعزيز مع عمالقة الملاكمة    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    انتهت بالتصالح.. كواليس التحفظ على سعد الصغير بقسم العجوزة بسبب "باب"    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يأتى قبل الآخر فى الحرب على مقعد اليونسكو؟
مصر وفاروق حسنى
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 06 - 2009

◄ياليت فاروق حسنى كسب إسرائيل ومن وراءها.. ولكنه فوجئ بأنها تشكره وتقبل اعتذاره واحمرت وجنتاها كثيرا بمثل هذا الغزل الحميم والدافئ من وزير مصرى.. ولكنها للأسف الشديد لن تستطيع السيطرة على جماعات يهودية كثيرة فى العالم كله معادية لفاروق حسنى
هى ليست أبدا معادلة حسابية، فالحساب ليس هو المادة الأولى بالرعاية والاهتمام والالتفات والمذاكرة حين تطغى السياسة على الأجواء وتمتلئ الآفاق بالسياسيين والوزراء، لأن الحساب الذى يؤكد أن حاصل جمع اثنين زائد اثنين يساوى أربعة، تعارضه السياسة التى لن تمانع مطلقا أن يصبح حاصل هذا الجمع ثلاثة أو خمسة أو عشرة، إلا أنه حتى بمعادلة السياسة وليس الحساب فإن فوز فاروق حسنى بمنصب مدير اليونسكو ليس انتصارا لمصر، وبالتأكيد فإن خسارة نفس الرجل لهذا المنصب لن تكون مطلقا خسارة لمصر.
وأنا بالتأكيد لن ألقى بمعادلتى بما فيها من أسماء وأرقام وعلامات ورموز فى وجه القارئ وأنصرف مسرعا أو هاربا أو عاجزا عن الشرح والتدليل والإقناع والمواجهة، ولكننى قبل كل ذلك أود التوقف عند حكاية أهم وأكبر من فاروق حسنى ومن أى منصب فى العالم، وهى حدود العلاقة بين مصر والمصريين، متى تصبح مصر حجة على المصريين وهل يمكن لأى سبب وفى أى ظرف أن يصبح أحد أو كل المصريين حجة على مصر، إذ إنه بات من الملاحظ أنه بعد فوز الدكتور بطرس غالى بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة كأرفع منصب سياسى على المستوى الدولى، وقد أصبح هناك ولعا فى مصر بمطاردة المناصب الدولية، حالة من الشغف والطموح المشروع قادت مصريين للجلوس على مقاعد عالمية، فأصبح الدكتور محمد البرادعى رئيسا لوكالة الطاقة الذرية، ونجح الدكتور حسن مصطفى رئيسا للاتحاد الدولى للعبة كرة اليد، وأصبح هانى أبوريدة عضوا فى المكتب التنفيذى للاتحاد الدولى لكرة القدم، وفى كل مرة ينجح فيها مصرى فى الوصول لأحد هذه المناصب الدولية، كان الإعلام المصرى بكافة فصائله وأشكاله يحرص على تصوير الأمر، بشكل صارخ وفج وغير مفهوم وغير مقبول أيضا، وكأنه انتصار لمصر وللمصريين جميعهم، وغالبا ما كانت الشاشات التليفزيونية المصرية فى مثل تلك الأوقات تزدان بعلم مصر وصور هؤلاء المصريين الرائعين مع خلفيات موسيقية وغنائية من نوعية المصريين أهمه ويا أحلى اسم فى الوجود وحبيبتى يا مصر، وفى مثل تلك الاحتفالات كانت تسقط أحيانا بالعمد وغالبا بالغفلة كل ما بقى من فوارق بين الخاص والعام، بين مصر والمصريين، وهكذا باتت مصر نفسها هى التى جلست على مقعد الأمين العام للأمم المتحدة، وهى التى تدير وكالة الطاقة الذرية، والاتحاد الدولى لكرة اليد وتشارك فى إدارة الاتحاد الدولى لكرة القدم، وبات كثيرون جدا فى مصر يرددون ذلك ويفاخرون بذلك، ولكنهم بدون أى إحساس بالخجل والحياء تناسوا عمدا كل ما قالوه بعد إخفاق بطرس غالى فى البقاء أمينا عاما للأمم المتحدة لفترة ثانية لأول مرة فى تاريخ المنظمة العالمية الكبيرة، وسيتناسون كل كلامهم القديم لو أخفق الدكتور حسن مصطفى فى انتخاباته المقبلة أو خرج هانى أبوريدة من الفيفا، بل ولم يتذكر أحد من هؤلاء جميعهم مصر مطلقا والدكتور إسماعيل سراج يخسر معركته لرئاسة اليونسكو، نفس المعركة التى يخوضها الآن فاروق حسنى، وقد وجدت أنه من المناسب الآن، ومن الضرورى جدا، أن نتوقف ونضع حدا فاصلا، دائما وواضحا، لمثل هذا الخلط الفاضح والفادح ومثل هذه الفوضى والعبث والخلل التى لا تعرفها الدول الكبرى والراسية والعريقة فى عالمنا.
ولست أقصد بذلك أننى ضد فاروق حسنى أو أننى لا أتمنى نجاحه مديرا لليونسكو، بالعكس، أنا أتمنى صادقا ومخلصا أن ينجح وزير الثقافة فى بلدى وأن يصبح المسئول الأول عن إدارة وحماية ثقافة العالم كله، ولكننى كما سبق وأوضحت وأكدت، سأرفض هذا النجاح لو كانت مصر نفسها هى ثمنه، وهو رفض قاطع وحاسم ونهائى وغير قابل للمساومة والنقاش والمراجعة والتبديل، كما أننى أرفض أن يتنازل فاروق حسنى عن كثير أو بعض مبادئه وعقائده الفكرية والسياسية والتاريخية ليفوز بهذا المنصب، ولكن الرفض هنا ليس ملزما لفاروق حسنى نفسه، ويحتمل كل النقاشات الممكنة وغير الممكنة، ويبقى القرار النهائى بشأنه لا يملكه إلا فاروق حسنى وحده، وقبل الحديث بوضوح وتفاصيل عن كل ذلك، يلزم الآن الاتفاق على عدة أمور ونقاط أساسية، وأول ما يلزم الاتفاق عليه هو: من تحديدا الذى يخوض الآن السباق على إدارة اليونسكو؟ هل هى مصر بمؤسستها الرئاسية وحكومتها أم هو فاروق حسنى المواطن المصرى أو حتى وزير الثقافة المصرى؟ وفى حدود معلوماتى المتواضعة فإن منصب مدير اليونسكو منصب مطروح للتنافس عليه بين أفراد وليس بين دول أو حكومات، وهو ما يعنى أننا كعادتنا نهوى الخلط بين العام والخاص، يعنى ذلك أيضا ضرورة أن تخرج مصر برئاستها وحكومتها ومؤسساتها ودوائرها وإداراتها الرسمية من مثل هذا السباق الانتخابى الفردى العالمى، وبالطبع سيعارضنى كثيرون فى ذلك، سواء لأنهم مدفوعون بتلك القناعات الخاطئة عن الفرد المصرى الذى يصبح فجأة هو مصر كلها، أو لأنهم يجدون الرئيس مبارك مهتما بمثل هذا الترشيح ويكتشفون أن أحمد أبوالغيط وزير الخارجية مهموم بمثل هذا الملف، وبالتأكيد سيحب هؤلاء مواجهتى بأنه لو كان هذا السباق شخصيا وفرديا، فكيف أمكن أن يتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أثناء زيارته الأخيرة لمصر للرئيس مبارك بوقف حرب إسرائيل ضد فاروق حسنى مقابل بعض المكاسب التى تريدها إسرائيل من مصر، وأنا لا أشكك فى هذه الرواية، ولا أنفيها، ولكن فقط أستدعيها من مصادرها وحسبما نشرتها صحيفة ها آرتس الإسرائيلية وما جاء على لسان المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ولا ألوم إسرائيل وحكومتها على ذلك، ولا ألوم الرئيس مبارك أيضا على ذلك، ولكننى ألوم وأعتب على كبار العاملين فى البلاط الرئاسى والحكومى الذين استهواهم هذا الخلط واستسهلوا الحديث باسم مصر ورئيسها كلما وجدوا ذلك ممكنا ومناسبا، فخلقوا بذلك دون داع أو ضرورة ورقة للتفاوض وضعوها فى أيدى رئيس حكومتهم يواجه بها رئيس بلادنا ويسأله عن ثمنها وعن المكاسب التى ستجنيها إسرائيل إن ألقت بتلك الورقة بعيدا عن مائدة اللعب، ولم ينتبه هؤلاء العاملون كالعادة إلى أنه لم يكن يصح أو يليق أو ينبغى منح إسرائيل أى أوراق تفاوض مجانية بمنتهى الكرم والسذاجة والغفلة بينما المنطقة كلها تستعد لمرحلة شديدة التوتر يعاد فيها رسم خرائط السياسة والجغرافيا ومعاودة تقييم حقائق التاريخ فى ظل إدارة أمريكية جديدة ومغايرة ورئيس أمريكى سيخطب لأول مرة فى جامعة القاهرة موجها كلامه لكل مسلمى العالم، ولم يكن ذلك هو الخلل الوحيد الحاصل، فقد سبق وأعلن فاروق حسنى اعتذاره لمصلحة ضحايا الهولوكوست وتضامن مع هؤلاء الضحايا رغم أن الرؤية المصرية الرسمية لا تزال ترفض الاعتراف بالهولوكوست أصلا وتعتبره وسيلة صهيونية لخلق حقيقة من وهم يمكن الاستناد إليها لابتزاز أوروبا طول الوقت والعالم كله حين تقتضى الحاجة ذلك، ولم يتضح حتى الآن هل كان ذلك مجرد تغيير شخصى فى رؤية إنسان لإحدى حوادث التاريخ أو أكاذيبه أم أن مصر نفسها هى التى قامت بعملية المراجعة واستقرت على شطب رؤيتها القديمة واستبدلت بها رؤية مغايرة ومغازلة للإسرائيليين ويهود العالم، وقد يكون ذلك صحيحا ولكننا لم ندر بعد بهذا التغيير، وقد تكون مصر لا علاقة لها بمثل هذا الأمر وإنما هو مجرد اجتهاد وطرح شخص يخص أحد الوزراء الذى كان ينبغى عليه ألا ينسى أنه لا يمثل نفسه فقط كأى مواطن مصرى وإنما هو وزير فى حكومة تتحدث باسم بلد وتحكم وتدير هذا البلد وبالتالى هو ليس حرا على الإطلاق فى انتهاج أى سياسة معادية أو مغايرة لسياسة هذا البلد.
على أى حال، أنا لم أجب بعد على السؤال الافتراضى الذى تخيلت أن معظم من سيعارضوننى سيطرحونه الآن أو فيما بعد، وهو: إذا كانت انتخابات اليونسكو فردية فلماذا تقحم حكومات العالم نفسها فى مثل هذا الأمر، وللإجابة على مثل هذا السؤال، أود التأكيد على أنها بالفعل انتخابات فردية، يخوضها أفراد وأشخاص لا يمثلون حكوماتهم ولا تصدر بترشيحاتهم قرارات جمهورية أو مراسيم ملكية، ولكن ذلك لا يمنع أن تهتم الحكومات بمرشحيها، وأن تدعمهم، وغالبا ما يجرى ذلك فى الخفاء وبعيدا عن الاجتماعات والاتفاقات الرسمية والتى يتابعها الإعلام ويرصد تفاصيلها بالكلمة والصورة، وذلك حتى لا تصبح هذه الحكومات طرفا فى اللعبة، ولا تتحول من حكومة تؤيد وتراقب وتبارك وتتمنى إلى لاعب بات من الضرورى أن يخضع لكل شروط اللعبة وقواعدها، وعلى سبيل المثال، ومنذ يومين فقط، أذاعت هيئة البى بى سى البريطانية الوقورة تقريرا مطولا افتتحته بإعلان أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصرى، عن دعم فرنسا وتأييدها ترشيح فاروق حسنى لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو، وفى السطر التالى مباشرة كانت هيئة البى بى سى تنقل ردا رسميا من باريس يؤكد أن فرنسا لم تعلن ولم تقرر أى شىء بخصوص اليونسكو وانتخاباتها المقبلة، واضطر فاروق حسنى نفسه، فى محاولة يائسة وغير مجدية لإنقاذ ماء وجه أبو الغيط والحكومة المصرية كلها، لأن يؤكد أنه سبق أن التقى برنار كوشنير، وزير الثقافة الفرنسى، وأن الفرنسيين كانوا دائما مؤيدين لمصر وللعرب، فكان أن فهم حسنى وأبوالغيط ضمنيا أن حكومة فرنسا تؤيد ترشيح حسنى لليونسكو وهو ما اضطرت باريس لأن تنفيه شكلا وموضوعا.
ما معنى ذلك، وما الذى منع أحمد أبو الغيط كوزير لخارجية مصر من أن يتفاوض سرا وبشكل غير رسمى مع وزراء خارجية العالم كله لتأييد ترشيح فاروق حسنى، ولكن بدون أن يهرول وزير خارجية مصر ويواجه الصحفيين المصريين الطيبين دوما والأجانب الخبثاء والملاعين بأن العالم كله يتسابق لتأييد المرشح المصرى، من الذى أفهم أبوالغيط أنه من اللائق والمناسب الزج باسم مصر فى مثل هذا الأمر، وقد تفضل إريك شوفالييه، المتحدث الرسمى باسم الخارجية الفرنسية، وأعطانا درسا بالغ الضرورة والأهمية والحساسية، فقد قال إن انتخابات اليونسكو ستجرى فى شهر أكتوبر المقبل، ولا يزال هناك وقت كاف لدراسة كل برامج المرشحين قبل أن تتخذ فرنسا قرارها وإن كانت فرنسا أبدا لا تعلن عن قرارها واختيارها وتحتفظ به لنفسها ووفق حساباتها الخاصة ومصالحها المباشرة.
وقد تزامن الإعلان عن وجود مرشح أوروبى قوى منافس لحسنى، وبين قرار حسنى نفسه أن يكتب مقالا أصبح شهيرا الآن فى صحيفة اللوموند الفرنسية العريقة يعتذر فيه لإسرائيل وحكومتها وشعبها عما بدر منه سابقا ومن الجائز أن يفهم باعتباره إهانة أو إساءة لإسرائيل، المرشح الأوروبى القوى، امرأة وليست رجلا، وهى بينيتا فيريرو فالدنر، مسئولة العلاقات الخارجية بالمفوضية الأوروبية، وقد دارت بينى وبينها سابقا مراسلات كثيرة بشأن دعم المفوضية الأوروبية لمشاريع تخص أطفال الشوارع فى المملكة المغربية، وكان من المفروض أن أذهب إليها العام قبل الماضى فى بروكسل لاصطحبها إلى مدينة فاس لتشارك فى افتتاح أكاديمية هناك للفقراء وللصغار ولكن حالت ارتباطات لها عاجلة ومفاجئة دون إتمام هذه الرحلة، وما يعنينى من ذلك أننى أعرف هذه المرأة وأعرف بشكل شخصى مدى قوتها ونفوذها وذكائها الحاد وخبراتها الدبلوماسية والسياسية سواء على الساحة النمساوية أو عبر المفوضية الأوروبية، ولا أقصد مطلقا أنها أفضل أو أقوى من فاروق حسنى، بل إن فاروق حسنى لا يزال حتى هذه اللحظة هو المرشح الأوفر حظا والأقرب للمنصب وللمقعد المشتهى، ولكننى أقصد أنها بدأت حملتها وافتتحت مشاركتها فى السباق على رئاسة اليونسكو فى نفس الوقت الذى كان فيه فاروق حسنى يرتكب أحد أخطائه الفادحة والكبيرة والمزعجة، وأقصد به هذا المقال الذى لم يعد هناك تراجع عنه ولم يعد هناك أى شك فى أنه لم يكن مقالا صحفيا، أو حتى منشورا انتخابيا ودعائيا نشرته اللوموند الفرنسية، وإنما أصبح فاصلا من غزل صريح لإسرائيل، وبهذا الغزل، قرر فاروق حسنى دون أن يدرى أن ينصب إسرائيل سلطة أكبر على اليونسكو، وأن بوابات اليونسكو لن تفتحها إلا إسرائيل، ورضاء إسرائيل، ولم يتخيل فاروق حسنى أنه لم يكن بهذا المقال لاعبا شاطرا، فرمية واحدة لورقة خاطئة على مائدة اللعب، جعلت القوى الأساسية التى تسانده تراجع نفسها كثيرا وطويلا فى تأييدها له، سواء فى المعسكر العربى أو الإسلامى أو الأفريقى، وياليت فاروق حسنى كسب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل، ولكنه فوجئ بأن إسرائيل تشكره وتقبل اعتذاره واحمرت وجنتاها كثيرا بمثل هذا الغزل الحميم والدافئ من وزير مصرى، ولكنها للأسف الشديد لن تستطيع السيطرة على جماعات يهودية كثيرة فى العالم كله معادية لفاروق حسنى ورافضة ترشيحه لإدارة اليونسكو، وعلى سبيل المثال، أكدت إسرائيل أنها لا تستطيع شيئا أمام مقال سابق، أيضا فى اللوموند، حذر فيه ثلاثة من يهود فرنسا الكبار، السياسى إيلى فيزال الفائز بنوبل للسلام والكاتب والفيلسوف برنار هنرى ليفى والسينمائى كلود لاتزمان، من قبول مبدأ تسليم اليونسكو لرجل مثل فاروق حسنى سبق أن قال فى الماضى تصريحات كثيرة، مقززة، ضد الثقافة الإسرائيلية واصفا إياها بأنها عنصرية، وسبق له أن رفض وأدان سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية.
ولم تكن هذه هى المشكلة، وإنما كانت مثلا فى كاتب وأديب رائع فى حجم وقامة محمد سلماوى أكد أننا، أى المصريون، ظلمنا إسرائيل حين اتهمناها بمعاداة مرشح مصر لمنصب مدير اليونسكو، وتوقف سلماوى عند تصريحات نتنياهو للرئيس مبارك بأن إسرائيل ستوقف حربها ضد حسنى وقال سلماوى إن ذلك يعد موقفا مسئولا لدولة تحترم تعهداتها وإننا لا نشك لحظة فى أن إسرائيل ستلتزم به حرفيا، ولا أعرف من الذى يدير المطبخ الدعائى والانتخابى لفاروق حسنى، ولكننى أتهمه بالغفلة والعجز والتقصير، ولا أعرف ماذا كانت حساباته واستراتيجيته وهو يجعل وزيرا مصريا يغازل إسرائيل على صفحات اللوموند ويجعل كاتبا قديرا ورائعا مثل سلماوى يغازل إسرائيل على صفحات المصرى اليوم، وما هى أبعاد وحدود هذه الصفقة، ما هى مكاسبها وهل تم حساب خسائرها، وما الذى أعطته إسرائيل فى المقابل ثمنا لكل ذلك؟ وأخشى أن إسرائيل أخذت كل ما أرادته ولم تعط فى المقابل أى شىء له قيمة حقيقية، بما فى ذلك الوعد الحكومى للرئيس مبارك.
وتبقى كلمة أخيرة لفاروق حسنى، وهو رجل أدار الثقافة المصرية لسنوات طويلة، انحاز للمثقفين ودافع عن حرية الإبداع ودفع فواتير كثيرة وتحمل أكاذيب وشائعات ارتبطت به مقابل أن يبقى مدافعا عن وهج الثقافة وطاقات إبداعاتها، وفى هذه الكلمة، أرجوه أن يتمالك أعصابه أكثر من ذلك، وأن يدير معركته بذكاء وحكمة أكثر من ذلك، وألا يندفع فى الإساءة لمن يختلفون معه فى الرأى مثلما جرى مؤخرا مع الفنان حسين فهمى والذى اتهمه حسنى مؤخرا بأمور كثيرة لا يجوز قبولها رغم أن حسنى هو الذى كان دائم الإشادة بالفنان الكبير حين اختاره لإدارة مهرجان القاهرة السينمائى، فمن الممكن أن يفوز فاروق حسنى بإدارة اليونسكو أو يخسر، ولكن ليس من الضرورى أن تخسر مصر، ولا أن يخسر كل أصدقائه القدامى، وكل الناس.
لمعلوماتك...
◄1938 ولد فاروق حسنى فى مدينة الإسكندرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.