فى السنوات العشر السابقة على اندلاع ثورة 25 يناير 2011 كان اسم الدكتور عصام العريان ومعه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح مرادفا لما كان يطلق عليه «الجناح الإصلاحى داخل جماعة الإخوان المسلمين»، وتركزت غالبية التقارير الإعلامية المتابعة لشؤون الجماعة على ما كان يوصف أيضا بمعارك الرجلين فى مواجهة هيمنة الجناح المحافظ أو الحرس القديم عليها، وعند صدور أى تصريح إخوانى يلمس منه أى مساس بطرف فى المشهد السياسى فى البلاد، كان الاثنان يتصديان على الفور لتصحيح ما صدر وتقديم وجه آخر للجماعة المتشددة يقوم على التسامح والسعى إلى التوافق الوطنى مع الجميع.. قامت الثورة وأطاحت برأس النظام السابق حسنى مبارك وخرج أبوالفتوح من الجماعة أو خرج عليها بعد أن تمسك بحقه فى خوض الانتخابات الرئاسية فى وقت اعتبر فيه الإخوان ذلك من المحرمات وتعهدوا بعدم الدفع بمرشح للكرسى الرئاسى، وبقى «العريان» داخل الجماعة ينتظر المتابعون لشؤونها أن يصعد إلى صدارة المشهد فيها، وتأتى التطورات على الأرض بداخلها بعكس ذلك، فالرجل الذى جرى طرح اسمه قبل الثورة لشغل أعلى المناصب فى الجماعة «المرشد» لم يتجاوز دوره بعد الثورة منصب نائب رئيس حزبها «الحرية والعدالة» وهو منصب «شرفى» فى عرف الأحزاب السياسية المصرية، وفى داخل مجلس الشعب الذى سيطرت الجماعة على غالبية مقاعده لم يتجاوز دور العريان رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس. العريان الذى بدا أنه لا يزال يتمسك بأمل فى شغل موقع مؤثر بالجماعة طرح نفسه لرئاسة حزب الحرية والعدالة فى مواجهة الدكتور سعد الكتاتنى وحسم الأخير المنافسة لصالحه دون أن يكلف نفسه عناء التصريحات التى أطلق منافسه سيلا منها فى الأيام السابقة على الانتخابات وطالت الكثير من أطراف المشهد السياسى فى البلاد، فى محاولة لتقديم نفسه لشباب الجماعة وقواعدها على أنه «صقر» يتولى مهمة الدفاع عن «الإخوان» والرد على هجوم معارضيها عليها، ليتوقع الجميع أن تكون تلك هى «المعركة الأخيرة» للرجل داخل جماعته وحزبها، لكنه يخرج منها راضيا بموقع الرجل الثانى بعد أن تم الإبقاء عليه فى موقعه كنائب لرئيس الحزب، وتلقى له فرصة تعيينه فى مجلس الشورى بأمل جديد لم تخيبه الجماعة هذه المرة، حيث أسندت إليه مهمة «زعامة الأغلبية» بالمجلس بعد استبعاد على فتح الباب من هذا الموقع. خسائر العريان فى معارك الصعود داخل الجماعة لم يكن ممكنا لمراقب معها أن يرجعها لهيمنة الجناح القطبى بعد أن أظهرت تصريحات الرجل أنه «أكثر قطبية» من قادة هذا الجناح، فالرجل الذى تفرغ لإطلاق القذائف هنا وهناك على صفحته الخاصة بموقع فيس بوك، لم يترك أحدا من معارضى الجماعة إلا وهاجمه، وبينهم من كان العريان تحديدا شريكا له فى فعاليات حملت عناوين الإصلاح والتغيير قبل الثورة، ولم يترك «ثأرا» للجماعة، إلا وقدم نفسه على أنه صاحب مهمة الأخذ بهذا الثأر. وكشفت تصريحات الرجل أن شبح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لا يفارقه، ويسيطر على تفكيره ليل نهار، فالزعيم الراحل فى تصريحات العريان «كان صغيرا ومصر أكبر منه»، و«لم يكن يتبقى له سوى إعطائه جزءا من الصحراء الغربية ليستطيع إحكام سيطرته على وطن لم يكن على مقاسه، وكان أكبر منه فسعى إلى تقليص رقعته ﻷنه كان صغيرا ومصر أكبر منه».. وعبدالناصر -حسب العريان- ألقى بدستور أعده خمسون من القانونيين فى سلة القمامة»، والزعيم الراحل -الذى اعترف العريان بأن زعيما مصريا لم يحظ ما حازه من حب الشعب وتأييده له- «لم يثق بهذا الشعب أبدا، ولم يعرض نفسه على الشعب فى استفتاءات حرة نزيهة». العريان وضع نفسه فى موقف محرج حين أطلق على صفحته تصريحات طالب فيها بمحاكمة وطنية ودولية للدكتور محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس حزب الدستور متهما إياه بالتمهيد للغزو الأمريكى للعراق وهى تصريحات تلقفها نشطاء على الإنترنت لبث فيديوهات للقيادى الإخوانى وهو يصف البرادعى تارة بأنه «شمعة الأمل» التى أوجدت النور فى النفق المظلم، وأخرى بأنه أوقف قطار التوريث، وثالثة بأنه ألقى حجرا فى مياه النخبة المصرية الراكدة، «ورابعة» أن الناس أجمعت أنه -البرادعى- عاد لوطنه لدفع عجلة التغيير إلى الأفضل، فيما أكد فى تصريحات خامسة أنه «إذا أصبح البرادعى مرشح التوافق الوطنى فبالقطع سيصوت الإخوان له». لم يكن البرادعى وحده ممن خاضوا عملا مشتركا مع العريان قبل الثورة وفى فترات قليلة بعدها وصاروا هدفا له فيما بعد، فحمدين صباحى مؤسس «التيار الشعبى» وعبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب «مصر القوية»، هما فى رأى العريان: «لا يريدان شيئا سوى الرئاسة، لأنهما زعماء منذ حياتهما الطلابية». الإعلاميون بدورهم كانوا هدفا للعريان تارة بالهجوم عليهم فى مداخلات هاتفية -واقعة جيهان منصور واتهامها بتلقى أموال للهجوم على الجماعة- وأخرى بتصريحات تستهدفهم «أقول للإعلاميين إن الحبل الذى تستخدمونه ستشنقون به أنفسكم إذا لم تخاطبوا الشعب بالحقيقة».. وحدهم اليهود كانوا موضع التصريحات الهادئة للقيادى الإخوانى، فاليهود العرب والمصريون مرحب بعودتهم إلى بلادهم «لأن كل مصرى له حق أن يعود خاصة إذا كان سيفسح مكانا للفلسطينى». العريان ورط رئاسة الجمهورية فى واقعة الإعلان عن تسجيلها لمكالمات النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود، وقال إن «مرشد الإخوان محمد بديع لا وزن له بدون الجماعة»، وتسبب فى أزمة مع أهل النوبة بتصريحات نسبت إليه ووصفهم فيها بأنهم «غزاة مثل الهكسوس».. لتظهر تصريحاته تلك وبحسب مراقبين فإنه يحاول التغلب على أزمته السياسية منذ الثورة بالهجوم على كل الأطراف، وليطالب البعض حتى من داخل الجماعة بالضغط عليه للكف عن تصريحاته التى تحمل كل منها أزمة كبيرة، وليكتب له حتى بعض النشطاء الإخوان على مواقع الإنترنت «لتقل خيرًا أو لتصمت».