منذ سنوات طويلة وبمجرد تخرجى من الجامعة التحقت بإحدى المدارس الابتدائية للتدريس بالحصة – وياريتها دامت – ومع أول يوم لى فى المدرسة اكتشفت – بناء على كلام مديرة المدرسة – أن الشرح وتوصيل المعلومة للأولاد ليس مهما بقدر أهمية ترتيب دفتر التحضير والكتابة على السبورة بصورة منظمة ولائقة تحسبا لمرور مفاجئ من أى موجه للمادة. واكتشفت أيضا أننى لا يجب أن أضيع وقتى ووقت الحصة مع الطلبة الذين لا يفهمون شيئا بل أوجه شرحى فقط لهؤلاء الذين يرغبون فى التعليم فعلا و أن مستوى الطالب العلمى لا يهم بقدر أهمية كراسة المادة وتنظيمها واستكمال كل الدروس فيها أيضا تحسبا لأى موجه. وأن فى حال حضور موجه – وهو ليس مفاجئا كما كنت أظن – فيجب توزيع الطلبة المتفوقين على الفصل كله بحيث يجلس بعضهم فى الصفوف الخلفية وليس الأمامية فقط. وأن الطلبة الذين يذهبون للمديرة لأخذ دروس خصوصية يجب أن ينجحوا فى الدرجات التى أملك أن أضعها لهم مثل النشاط والتنظيم وغيرها مهما كانت درجة بلادتهم. وفى الأسبوع الأول أيضا اكتشفت أن الطالب يضع كلتى يديه أمام وجهه بمجرد اقترابى منه خوفا من أن أضربه على وجهه بعنف كما تعود من باقى المدرسين هؤلاء كانوا فى الصف الخامس الابتدائى وقتها وحين بدأت فعليا فى التدريس لهم اكتشفت أن معظمهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة وعندما شكوت لمديرة المدرسة قالت إن هذا ليس شأننا فالمهم هو مستوى نتيجة المدرسة وليس مستوى الطالب وإنهم سوف يغادرون المدرسة قريبا فليفشلوا فى مرحلة أخرى. وكان ذلك نهاية علاقتى بالتدريس فى المدارس عموما بالقياس على ما حدث منذ بضع وعشرين عاما..لو أن أحدا من هؤلاء الأطفال قد استكمل تعليمه وتخرج من الجامعة فكيف ستكون شخصيته الآن؟ بالتأكيد سوف يعانى من الازدواجية فى حياته.. فكل ما يهمه هو المظهر العام أمام من هم أعلى منه فى السلم الاجتماعى بينما فى داخله لا يهم إذا ما أدى دوره الحقيقى أم لا. هل تعتقد أن مثل هؤلاء يمكن أن يحمل ضميرا يؤرقه نتيجة تقصيره فى أى واجب؟؟ هل الضمير صفة وراثية شخصية تولد مع إنسان وتكبر معه ولا تتأثر بما حوله من مشاكل؟ أم أنه صفة مكتسبة يمكن زرعها او اقتلاعها من شخصية البشر؟ كلنا سمعنا وتناقلنا حكايات - زفة الزيارات – أى رصف المكان الذى سيزوره المسئول ووضع أصص الزرع وجعله صالحا للاستخدام الآدمى وقد رأيت ذلك بعينى منذ عدة سنوات حين كان من المفروض أن تفتتح سوزان مبارك مكتبة الطفل فى مدينتنا فقام المسئولون برصف الطريق المؤدى إلى المكتبة فقط وتركوا باقى الشارع مكسرا وأيضا عند زيارة مبارك أثناء الانتخابات الوحيدة التى أجراها حين أزالت البلدية كل المطبات الصناعية المخالفة للمواصفات من طريقه حتى تلك المطبات التى تسبق وتلى الكبارى العلوية وتمنع العديد من الحوادث ما أدى إلى تزايد الحوادث بعد زيارته لأن البلدية لم يكن لديها ميزانية لإعادة تلك المطبات مرة أخرى. هذا هو حالنا للأسف فى كل مجالات الحياة فتجد الطالب لا يذاكر ويعتمد على درجات أعمال السنة لأنه يأخذ دروسا خصوصية لدى مدرس الفصل أو يعتمد على الغش وتجد البنت تسيئ معاملة والدتها فى المنزل ثم تكتب على الفيس بوك اللهم اجعل والدتى من سيدات الجنة .. وتجد الرجل يحرص على صلاة الجمعة فى المسجد الذى يجتمع فيه كل أهل الشارع بينما لا يصلى فى منزله ولا يداوم على الصلاة وتجد الأم تطلب من ابنها أن يغش فى الامتحان مثل أصحابه حتى تكون درجاته جيدة وتجد رئيس الجمهورية يدعو لحوار وطنى ويجلس مع الأحزاب التى تمثل نفس التيار الذى يمثله هو وحكومته أو يذهب ليفتتح مصنعا تم افتتحه من فترة وتجد المعارضة متفرقة لأن كل شخص فيهم يريد مجده الشخصى وليس مصلحة الوطن . المشكلة الأساسية هنا أن الجميع مقتنع أن ما يفعله طبيعى للغاية. هل يمكن أن تتقدم دولة لديها ازدواجية فى الشخصية؟؟ نتكلم هنا عن أجيال كاملة عاشت وكبرت وتزوجت وربت أولادها على نفس المشكلة. فما هو الحل؟ الحل أن نجبر الجميع على العمل بجدية وبدون تزوير. ومن أين نبدأ؟ من المدارس أم من الوظائف الحكومية أم من المواطن الذى لا يجد وظيفة ثابتة؟ البداية لابد وأن تكون من الأسرة . من الأم والأب .. يجب أن يعرفوا كيف يعدلوا من سلوك الأولاد ليكون لهم شخصية واحدة ليس فيها نفاق أو ازدواجية لأن إصلاح المدرسة وحده لا يكفى ولا إصلاح الوظيفة وحده يكفى. يجب أن تكون هناك خطة متكاملة لإصلاح شخصيات الناس أولا قبل التفكير فى مشروعات نهضة أو تقدم بالوطن لأننا فى حالتنا تلك سوف تكون كل مشاريعنا مجرد هياكل إدارية وقشور جميلة الشكل فارغة الجوهر المهم أن نبدأ بسرعة.