بركة رمضان يا جماعة، لقد توصلت لاكتشاف مهم قد يمثل بداية لموضوع بحثى سأتبرع به لمن يهتم دون قيد أو شرط. فمثل فرحة نيوتن إثر هبوط التفاحة فوق دماغه، أنا كمان بينما كنت أقود سيارتى فى طرق العذاب القاهرية والسيارة تطير وتهبط بعد أحد المطبات جاءنى إدراك شبيه بإدراك نيوتن لقانون الجاذبية. لقد فتحت لى مطبات شوارع القاهرة، الصناعى منها والطبيعى، بابا لرؤية التحولات التى طرأت على الشخصية المصرية فى العقود الأخيرة. لقد لاحظت أنه حتى بعد إزالة مطب بعينه (بشكل معجز غير مفهوم وهى بالطبع حالة نادرة)، أن سائقى السيارات كلما اقتربوا من مكان المرحوم المطب تفادوا نفس البقعة والتفوا حولها. ويمكننا ملاحظة نفس السلوك فى حياة المصريين، فمثلا عندما يضرب الأمن المتظاهرين فى مظاهرة أو اثنتين تختفى المظاهرات من الشوارع ونقعد فى بيوتنا فى انتظار معجزة تخلصنا من العيشة الهباب. والموظف لو تعرض للقهر من رئيسه لسبب ما يقرر الابتعاد عن الهم والغناء له، والزوجة التى ينغص عليها زوجها العيشة لسبب بعينه تقرر أن تلتف حول هذا السبب لتفاديه كما نفعل مع المطب. قد يختفى سبب القهر كأن ينسى الزوج موضوع الخلاف، أو ينسى الرئيس السبب الذى جعله ينكل بالموظف، لكننا جميعا نأتى عند تلك المنطقة التى كانت يوما مطبا، ونلتف بعيدا. تشير المطبات أيضا بما لا يدع مجالا لأى شك إلى أننا شعب صبور حمال أسية. فتعالوا مثلا نتأمل صبر المصريين على ما لا يحصى من مطبات فاغرة أفواهها، متأهبة لابتلاع الفريسة القادمة. ويبقى المطب على حاله أياما وشهورا قد تطول إلى سنوات بينما نحن على أتم استعداد لتحمل ازدياد عدد المطبات والالتفاف حولها أو السقوط فيها دون شكوى أو تذمر. يبدو أننا نتعامل مع المطبات تعاملنا مع القدر الذى لا مفر منه. حتى الكبارى الكبرى يا ربى لا تخلو من مطبات قد يكون سببها أن سيارة تحمل الأسمنت قد أسقطت كبشتين من حمولتها على الأرض فتكلست وصنعت مطبا سرياليا ينافس أعمال سلفادور دالى. ويتجلى نفس الجلد والقدرة على التحمل مع العيشة فى مصر عموما. فتلغى وزارة التعليم الابتدائية ثم تعود بها وقد تفكر فى إلغائها ونحن صامدون. نضطر إلى الدروس الخصوصية ونمتنع عن الطعام حتى نوفر مصاريفها. ترتفع مصاريف المدارس الخاصة بالآلاف المؤلفة فنقوم بعمل جمعيات لنتدبر الأمر. تخبرنا المطبات أيضا أن البلد اللى مفيهوش حكومة يتيح لنا حرية لا مثيل لها فى فرض قوانيننا على باقى المواطنين ولنا فى المطبات اليدوية التى يخلقها البعض أسوة غير حسنة. فأمام البيت حيث يلعب العيال يقرر الأب الحانى أن يقيم مطبا كى يضمن إبطاء السيارات حتى لا يصيب العيال مكروه، ومع المطب نضع حجرين دبش لضمان مكان خصوصى لركن السيارة. ولو ظهر بالصدفة عسكرى غلبان يتساءل عما يحدث فالباقى معلوم بالطبع، نظبط العسكرى وأهو كله فى نطاق الكفالة الاجتماعية. إن ظاهرة إنشاء مطب خصوصى إنما تدل على مبدأ «حقى بذراعى ولا الحوجة لحكومة» الذى استشرى فى الآونة الأخيرة. إن مجرد فكرة التأقلم مع مطبات الشوارع التى ترقى أحيانا إلى مستوى كارثى إنما هى إشارة على مدى تأقلمنا مع سوء الأوضاع بصفة عامة. ألقوا نظرة واحدة طويلة على سائقى السيارات فى شوارع القاهرة ستجدون أنه بينما السيارة ترتفع وتسقط فى مطب على الدائرى مثلا الأستاذ حنفى لا يزال يستكمل وصلة تعنيف مدام حنفى حول سبب ما، وأن تامر لا يزال يحب شوقية ويتأمل عينيها الجميلتين رغم أن باطن سيارته قد انشق نصفين إثر حفرة متخفية تحت «بركة مجارى»، وأن الأستاذ محمد لا يزال يقود سيارته متجهما (ليس بسبب المطب طبعا) ولكن لأسباب مصاريف دروس ومدارس وعلاج نزلت على رأسه كالصاعقة. تلك هى سيكولوجية المطبات التى بدأت التأصيل لها. وتعيشوا وتاكلوا مطبات.