المثل الشهير بيقول (حجة البليد مسح التختة).. ولو قمنا بإسقاط هذه المقولة على الواقع الحالى لبلادنا فسنجد أنها قريبة جداً من الحقيقة، فلو اعتبرنا أن (التختة) هى السنوات الماضية من حكم النظام السابق والمكتوب عليها بحبر فاسد أضر بمقدرات الوطن لثلاث عقود كاملة من الزمن. وال (حجة) هى هذه الأعمال المحفورة على تخته الوطن والتركة الثقيلة التى وجدناها كما هى على افتراض أننا ليس لنا دخل فيها. السؤال هنا من هو إذاً (النظام البليد) الذى لا يستطيع مسح هذه الذكريات من فوق ( تخته ) الوطن؟! لو رجعنا بالذاكرة للوراء قليلاً لنقرأ فى تاريخ مصر الحديثة على الأقل منذ بداية الجمهورية فيها حتى لا أطيل على حضراتكم، فسنجد أن كل رؤوس الأنظمة والرؤساء الذين حكموا مصر بداية من محمد نجيب وحتى محمد حسنى مبارك كان لهم الكثير من الأعداء والمعارضين الأشداء وورثوا جميعاً (تختة) الوطن مثقلة بالأحبار صعبة الإزالة. فمثلاً الرئيس جمال عبد الناصر استلم (تخته) الوطن وأمامه حروب فى اتجاهات عدة فكان أمامه حرب مع فلول الملكية من الباشوات والإقطاعيين وأصحاب الرفعة والسمو الذين انهارت إمبراطورية سلطتهم بسبب ثورة 52، بالإضافة لحرب شعواء ضد أفكاره من جماعة الإخوان المسلمين، وعلى صعيد آخر كان هناك تركة ثقيلة بوجود الحماية البريطانية على مصر والاحتلال العسكرى للدولة المصرية، فهل تحجج عبد الناصر بثقل التركة التى وجدها على (تخته) الوطن وظل مكانة محارباً أعدائه مهدداً لهم رافعاً اصبعاً تلو الأخر لهم دون حراك؟! كلا لم يفعل بل انتصر على الإقطاعيين وأخذ منهم محظياتهم الملكية ووزعها على فقراء الشعب، وانتصر على الإنجليز بدون حرب وتم الجلاء الكامل لبريطانيا عن مصر، وبنى المصانع وبنى السد العالى وأمم قناة السويس وغيرها الكثير من مسببات النهضة لمصر بعد احتلال فرنسى وإنجليزى دام لمئات السنوات. إذاً (لم يكن ناصر البليد الذى تحجج بمسح التختة) ومثال آخر فى الرئيس محمد أنور السادات فهو أيضاً استلم (تخته) الوطن محملة بالكثير من المعضلات التى قد تشعر أى مسئول باليأس والإحباط لصعوبة مسحها، فقد استلم مصر محتلة من العدو الصهيونى فى جناها الشرقى وبوابتها الرئيسة وأهم مصدر للدخل القومى وهو قناة السويس، بالإضافة لتركة من المتربصين به هو شخصياًَ من أصحاب النفوذ وقيادات مجلس الثورة ومراكز القوى بالإضافة أيضاً للتيارات الإسلامية واليسارية والناصرية التى كانت لا ترغب فى وجود السادات على رأس الحكم فى مصر. ورغم كل هذه الصعوبات التى وجدها السادات على (تختة) الوطن لم يتحجج أيضاً بها ولم يصمت ويظل مكتوف الأيدى ولكنه جاهد وفكر وقرر ونفذ أفكاره للمضى قدماً فى تحقيق أهدافه واستطاع تحرير الوطن من العدو الإسرائيلى بحرب عظيمة، واستطاع استكمال مسيرته ولم يوقف أحد تدفق افكاره وقراراته التى كان مؤمن بها حتى تم اغتياله والغدر به. إذاً (لم يكن السادات أيضاًُ بالبليد الذى يتحجج بمسح التختة) حتى مبارك عندما استلم الحكم من رئيس مغتال ومغدور به لم يقف مكتوف الأيدى ويتحجج بثقل التركة وسواد (التختة)، ولكنه استمر وحارب أعداءه ومشى فى طريقة ونفذ أفكاره الخاصة سواء جيدة أو سيئة ولكن لم يتحجج هو الآخر بمسح (التختة). من كل هذا يا سادة نكتشف أن رأس النظام فى الدولة لا يمكن أن تكون حجته هى مسح التختة، فأى حجج لرءوس الأنظمة بموروثات الماضى هى ضعف سواء كانت الأهداف المسعى إليها محمودة أو مذمومة فهذا أمر آخر، بمعنى أن رأس النظام سواء كان جيداً او سيئاً لا يجب أن يتحجج بتركة الماضى بأنها تعيق سعيه إلى تنفيذ أهدافه أياً كانت ماهية هذه الأهداف لأن، ( حجة البليد مسح التختة).