مع مطلع كل عام يتنبأ المنجمون بما ينتظر العالم. ويكتب المحللون السياسيون عن توقعاتهم. لكن الأمر يجب أن يختلف مع الذين يعيشون في منطقتنا وذلك بسبب فروق التوقيت بيننا وبين بقية العالم. فعندنا اليوم بسنة، ما يفعله غيرنا في يوم ننجزه نحن-إذا استعطنا- في سنة. أرجع مثلا إلي الخلف ستين سنة لعام 1948وأنظر لقضية فلسطين وماذا توقعنا وقتها، إذا كنا قد نسينا, يمكن أن تذكرنا الأناشيد وخطب الزعماء والنخبة عن زوال دولة العصابات المزعومة وقيام دولة الوحدة العربية الوشيكة. وعد ثانية إلي واقع اليوم لتدرك أن التوقعات وبالأصح الأمنيات لم تتغير. بل أن الأمل أصبح أكبر بعد الربيع العربي فنحن في سبيلنا للتخلص من بقية الطغاة الذين يحكموننا وإقامة الدولة الإسلامية وبعدها نتخلص من إسرائيل بالقطع. لكن لماذا لم نتخلص من حكامنا أولا؟ . هل كانوا من غير المسلمين؟ أو عملاء للأجانب؟. هل أجبرنا الأعداء علي اختيار هؤلاء الحكام؟ أو علي عدم مقاومتهم؟. أهي صدفة أم ظاهرة أنه بعد الحرب العالمية الثانية وجلاء الاستعمار تولى منصب الرئاسة أو منصب الزعامة في غالبية وطني حبيبي الوطن الأكبر ضابط عن طريق انقلاب عسكري إذا أفلت من انقلاب مماثل ضده وعاش, يورثه لضابط آخر؟. كم منا استطاع أن يتنبأ بأن العقود الستة التي مضت ستكون حروبا بين البلاد العربية؟. كم منا استطاع أن يتنبأ بأننا بعد نصف قرن سنكتشف أننا كنا نمشي من شارع الهرم إلي ميدان التحرير في وقت أقل من الوصول له بسيارة حديثة في عصر السرعة؟!. كتبت مرارا بأننا نعيش فى القرون الوسطي. كنا في مصر أول من وضع قدما في العصور الحديثة ثم توقفنا قبل أن ندخل بالقدم الأخرى. يبدو أننا اكتشفنا أنه كان يجب أن ندخل بالقدم اليمني قبل اليسرى!. والآن يبدو أننا علي أعتاب مرحلة جديدة سنصحح فيها أوضاعنا فندخل بالقدم اليمني هذه المرة ولكن إلي القرون الوسطي مجدداً. فالتيارات التي يسميها أصحابها بالدينية ونرددها خلفهم كالببغاء, في صعود لتتولي كرسي الخلافة في أنحاء الوطن العربي أو الإسلامي , وذلك بفضل ما أطلق عليه الأجانب تسمية (الربيع العربي) وصدقناهم. فيا فرحتاه.ها قد صحونا ونفضنا عنا غبار الأمية والجهل وتسلحنا بالوعي وبالعلم والثقافة الذي سقاه لنا مبارك لثلاثة عقود كي نخلعه وندخل العصر الحديث علي يد الإخوان والسلفيين!. ويطلع علينا بعض المحللين السياسيين ويسألون ببراءة: لماذا لا نجربهم ؟. ثم يسألون بغضب: أليست هذه هي الديمقراطية؟. كأننا لم نجرب هذه الديمقراطية التي اخترعوها هم ولا أحد غيرهم وحكمت المنطقة لأربعة عشر قرنا علي الأٌقل فوصلنا إلي ما وصلنا إليه. السؤال الآن هل ستبقي الدول الإسلامية متفرقة؟ أم ستتحد وتختار الخليفة القادم عن طريق صناديق الانتخابات الديمقراطية؟ أم ستتولى دولة منها غزو بقية الدول لتوحيدها بالقوة كحكم الدولة العثمانية الذي امتد لأربعة عقود؟. أترك الإجابة للمحللين السياسيين, فلست منهم.لكن المنطق والعلم وواقع الحال يقول إنه من المحال أن تنتصر العصور الوسطي علي العصر الحديث. وأري أن شعورنا بضعفنا بل انسحاقنا هو آخر حلقة في سلسلة هزيمتنا وليست نكستنا نعرف أن حجة التلميذ البليد مسح التختة وذلك كسبا للوقت لأنه لا يعرف الإجابة أما عندما ينتهي الوقت فهو ينقلب من تلميذ بليد إلي عبقري ويصرح بأن المشكلة في المدرسين فهم يدرسون له العلم، بينما كان يجب عليهم تدريس الدين. لكنهم لا يعرفونه لذلك يعلن أنه من الآن سيعلمه لهم. فهو شخصيا يعرفه أكثر من شيخ الأزهر أو مفتي الجمهورية.سيعلم هؤلاء المدرسين الدين علي المذهب السني (أو الشيعي لو كان شيعيا) وهذه ليست مشكلة فالله سوف ينصر من يشاء من بينهما علي الآخر. هذا ردنا علي تفوق الآخر وانسحاقنا الذي لا نعترف به وهو الرد الأخير وبداية النهاية للعصور الوسطي. ولست منجما لكني أتوقع أنه لن يستغرق أكثر من ثلاثين سنة علي الأكثر. ليس فقط لأن أغلبنا سيفيق من الوهم علي الحقيقة وإنما أيضا لأننا لا نعيش وحدنا في هذه القرية المسماة بالعالم.