كان شعاره «حرية .. عيش.. عدالة اجتماعية» عمر بن الخطاب ليبرالي من أيام الرسول رسم «دستوره» فى خطاب تولى العرش قدس الحريات الفردية.. وأول من اهتم ب «حقوق الحيوان» أصاب«مخمور» وأخطأ ابن الخطاب كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أبيض البشرة تخالط بشرته حُمرة ، وحين حمل هم الخلافة وأصبح أميرا للمؤمنين وأجهد نفسه فى القيام بأعباء الدولة ،تغير وهزل ، وحين أصابت الدولة مجاعة عام الرمادة عافت نفسه الطعام ، فاسمر وجهه ،وغارت عيناه ،، كان طويل القامة أصلع الرأس، له لحية مقدمتها طويلة، إلا أنها تخف عند العارضين ، وكان عمر يطيل شاربه على خلاف ما يفعل المتسلفون فى زماننا ، فقد كان شاربه طويلاً من أطرافه وكان من عادته أن يفتله بأصابعه . عمر صاحب الهيبة والمكانة كان حكيم هذه الأمة ، كتب العقاد عن عبقريته ، فهل عرفنا ليبراليته ؟ دستور ليبرالى نعم كان عمر ليبراليا ،تعلم الليبرالية وعاش بها وفيها، من القرآن قرأ عمر(إنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ ) فكانت الأمانة هى الحرية ، حرية الإنسان فى الاختيار ، حرية الإنسان فى الاعتقاد ( لا إكراه فى الدين) والكفر ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) حرية الفكر والتعبير والاختلاف فى الرأى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) ثم قوله ( ولذلك خلقهم ) وغير ذلك كثير . كانت خطبة عمر يوم تولى الخلافة هى دستوره فى الحرية ، ومفهومه لها، وبعد ذلك ألزم نفسه بما اعتقده ، كان هذا هو عهد عمر الفاروق مع نفسه ، فقد كان رضى الله عنه لا يحفظ السورة من القرآن حتى يعمل بها ثم ينتقل لغيرها ، فى خطبته قال عمر : (لست أدع أحداً يظلم أحداً أو يعتدى عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمى على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإنى بعد شدتى تلك لأضع خدى أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهل العفاف ) يا الله ، .. ، كل الناس عندك سواء يا عمر ، لن تترك ظالما يعتدى على أحد، إلا إذا وضعت خده على الأرض وأخذت لصاحب الحق حقه ، كائنا من كان من اعتدى وظلم ، وكائنا من كان من وقع عليه الظلم ، فحرية الإنسان فوق كل اعتبار ، هذا هو العهد الذى فهمته يا عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعته على نفسك ، ولذلك خرجت كلمته تصك آذان الظالمين فى كل عهد وتسفع خدودهم " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " نعم متى استعبدتم الناس ، ويشاء الله أن تكون هذه القصة ، لتكون هذه العبرة ، أظن أنكم تعرفونها ، وأظن أن دعاتنا يحفظونها عن ظهر قلب ، إلا أن العلم له مراتب ، مرتبة الظاهر ، وهذه يحصلها أصحاب العقول الحافظة ، ومرتبة الباطن وهذه يحصلها أصحاب القلوب الواعية . الجميع سواسية جاء مصرى ، غير مسلم ، إلى الخليفة عمر ، شد الرحال إليه وقطع الفيافى باحثا عن حريته التى أهدرت ، دخل على عمر خالعا عمامته رافعا صوته ، مستغيثا : يا أمير المؤمنين عائذ بك أنا من الظلم ، ألستم تزعمون أنكم تحفظون للناس حرياتهم ، كل الناس ولو خالفوكم فى الدين.. قال عمر بصوت خفيض وهو يطرق إلى الأرض : عذت معاذا يا رجل ، قل ما عندك ، قال المصرى وهو يحكى شكايته : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فغضب واقتادنى وجعل يضربنى بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين ،..، شق ذلك على عمر ، أفى عهده وخلافته يُظلم الناس وتضيع حرياتهم ؟ أين أنت يا عمر من الإسلام ومن العهد الذى تعلمته من النبى صلى الله عليه وسلم فقطعته على نفسك ؟ استضاف عمر الرجل فى المدينة معززا مكرما وكتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالقدوم على أن يحضر ابنه معه ، ولم يكن أمام عمرو إلا الانصياع لعمر فقدم كما أمره ، دخل على عمر وهو يُقَدِم قدماًٌ ويؤخر الأخرى ، ويلك يا ابن العاص ، ما الذى أغضب عليك عمر ؟ وفى حضرة عمر كانت المحاكمة الإنسانية التى تحض على العدالة والمساواة ، وحين صدر الحكم قال عمر: أين المصري؟ هاأنذا : قالها المصرى واجفا مرهفا لا يصدق ما يراه ، استطرد عمر : خذ السوط فاضرب ابن الأكرمين ، خذ حقك ، لا تقبل أن يستعبدك أحد ، كل الناس أحرار ، حريتك مقدمة على دين عمرو ودين ابنه ، فجعل المصرى يضربه بالسوط ، وعمر يستحثه قائلا: اضرب ابن الأكرمين. هذا هو عمر الذى طأطا رأسه أمام امرأة جادلته فى المهور فقال : أصابت امرأة وأخطأ عمر ، هذا هو عمر الذى تفصَّد جبينه عرقا.. وهو يقول لأحد المسلمين: كل الناس أفقه منك يا عمر ، كل الناس أفقه منك يا عمر ، كان هو الأفقه ، وقفوا هم المتسلفون عند الكلمة وغاص هو فى الحكمة ، فالعلم يصل بالناس إما إلى درجة الكلمة وإما إلى درجة الحكمة ، فمن وقف عند تحصيل المظهر أتقن الكلمة ، ومن غاص فى الجوهر وصل إلى حقيقة الحكمة ، والحكمة فى الحرية ، ومن الحرية المساواة ، ومن كلاهما فهم الغرب عنا ، فتقدموا ، وأقاموا ليبراليتهم بما يتناسب مع ثقافتهم وأعرافهم ، ونحن دخلنا فى متاهة القهر والطغيان والحكام المستبدين ، فخلعنا من ديننا مفاهيم الحرية ، وعشنا فى فقه العبادات دون أن نمد يدا لفقه الحريات ، واعتبرنا الليبرالية من الشيطان ، مع أن القاعدة الأصيلة فى الليبرالية هى أن لكل مجتمع ليبراليته التى تتناسب مع أعرافه وثقافته وأخلاقه . إلا أنت يا عمر لا فرق عندك بين حر وعبد ، بين سيد ومسود ، قرأ عمر رضى الله عنه من القرآن (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتقَاكُم ) عرف أن الخطاب موجه من رب الناس إلى كل الناس على اختلاف عقائدهم ومشاربهم ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، والتقوى محلها القلب ، الكل سواسية " لافرق بين عربى ولا أعجمى إلا بالتقوى " والتقوى يعلمها الله ، ولكن الناس عند الحاكم وأمام الحكم سواء ، يقف الناس أمام عمر حاكم الدولة الليبرالية على مسافة واحدة ، لا ينظر إلى دينهم أو مالهم أو حسبهم ونسبهم ، ذهب قوم غرباء عن المدينة إلى عمر بن الخطاب ، فاستضافهم ، فصنع له أحد الصحابة طعامًا يكرم به الأغراب ، فجاء الخدم يحملون مائدة الطعام ، فوضعوها بين يدى القوم ليأكلوا ثم قام الخدام وانصرفوا ، تعجب عمر ، فما حدث يخالف فطرته فقال عمر للصحابى : ألا تشرك خدمك فى الطعام !! أترغبونه عنهم؟ فقال أحد الصحابة : لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نؤثر أنفسنا ، فالطعام لا يكفينا ، فغضب الفاروق عمر غضبًا شديدًا، ثم قال للخدم: اجلسوا فكلوا، فقعد الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين . فى أحد التعريفات لليبرالية قالوا إنها منهج يقوم على تقديس حقوق الناس وحرياتهم الفردية ، فهل كانت عند عمر إلا ذلك ، أعلى مقاصد الشريعة عند عمر رضى الله عنه كانت فى الحرية والمساواة ،وبالمعنى العصرى كانت فى الليبرالية ، لم يقل عمر إن الإسلام هو الحل ، فقد كان يدرك أن الإسلام ليس هو دين الشعارات ولا دين النظريات ، ليس الإسلام نظرية ، إنما الفهم الصحيح للإسلام هو الحل ، الحل فى العمل ، الحل عند الرجال لا فى المقال ، وعمر يدرك الحرية والمساواة ، أو بالأحرى قل إن المساواة والحرية أدركتا عمر ، فحين جاء الدولة مال فى عهده جلس أمام بيته يقسم المال بين الناس ، فازدحموا عليه ، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، سعد بن أبى وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة ، الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم متفاخرا « هذا خالى فليرنى امرؤٌ منكم خاله» سعد صاحب الفتوحات يزاحم الناس ليصل إلى عمر حتى يأخذ نصيبه ، ولكن عمر الذى سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الشريف (وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) استشرف الحكمة من الحديث ، فلم يكن منه إلا أن علاه بالدّرّة ، ضربه بدرته الشهيرة لأنه أقبل متخطيا من سبقه فأراد عمر أن يعلمه قيمة المساواة . كل الناس أفقه من عمر لك عند عمر الحرية يا من تدخل فى زمرة الناس أى ناس . حتى حرية الخطيئة ، لا تثريب على من وقع فى الخطيئة طالما أنه لا يعتدى بها على حريات الناس ، هكذا هى الحرية ، وتلك هى الليبرالية ، وعمر كان يضرب فى كل يوم مثلا ، ذات يوم والظلام حالك ، والقمر غائب خرج عمر يتفقد أحوال الرعية ، فإذا به يسمع صوت رجل يغنى ، كانت كلمات الأغنية ساقطة وفاحشة ، اقترب عمر من الصوت فإذا هو يخرج من بيت ثاوٍ على جانب من الطريق ، أنصت عمر لما يقوله الرجل الذى يغنى حتى تبين الأمر ، لم يكن الرجل يتغنى بالفاحشة فحسب ، ولكنه كان سكران ، يعب الخمر عبا ، فتسور عمر سور البيت ، وقفز فى صحن الدار ، فرأى الجريمة ماثلة أمام عينيه ،فقال للرجل الذى أفاق من سكرته من هول المفاجأة : يا عدو الله ، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته ؟ فقال صاحب الخطيئة : لا تعجل عليَّ يا أمير المؤمنين ، فأنا وإن أكن عصيت الله فى واحدة ، فقد عصيت أنت الله فى ثلاث ، أنت أهدرت حريتى يا عمر ، حريتى التى كفلها لى القرآن فقد قال تعالى « ولا تجسسوا » وقد تجسست عليَّ ووضعت أذنك على جدار بيتى ، فاخترقت حاجز خصوصيتى ، وقال الله عز وجل «ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها» وقد تسورت عليَّ ، ودخلت عليَّ من ظهر البيت بغير إذن ، وقد قال الله عز وجل : «لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها» وقد دخلت بغير سلام لعل عمر رضى الله عنه وقتها قال فى نفسه : كل الناس أفقه منك يا عمر ، أصاب الرجل وأخطأ عمر ، ألم يقل من قبل أصابت امرأة وأخطأ عمر ، ترك عمر الرجل ولم يقم عليه الحد ، ليس كما يدعى البعض أن عمر اعتبر أن هذه بتلك ، أو أن واحدة بواحدة ، ولكن لأن الاعتداء على حريات الناس فى كشف الجريمة يسقط الحد ، لم يجعل الله الرسل متسلطين على قلوب الناس " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " " وما على الرسول إلا البلاغ " .عفوا ، فقد ارتقى عمر إلى أعلى من ذلك ، لم يعط عمر الناس فحسب الحرية ، ولكنه أعطاها أيضا للحيوانات ، ألم يقل " لو أن شاة عثرت تعثرت ووقعت على شاطئ الفرات لسألنى الله عنها يوم القيامة لما لم تمهد الطريق لها " كل الخلق أمام عمر على مسافة واحدة ، يبحث عن صالحهم ومصالحهم ، يبحث عن حريتهم وأمنهم ، حين سمع بكاء طفل صغير قال لأمه : ما الذى يبكى غلامك ؟ قالت وهى لا تعرفه : عمر لا يفرض نفقة للصغار إلا لمن أتم الفطام ، وأنا أحاول فطامه حتى يستحق النفقة من بيت المال، بكى عمر، وكأنه قال فى نفسه : يالقسوتى ، ثم أمرها أن ترضع الصغير وفرض النفقة لكل مولود ،. ذات يوم رأي عمر شيخا كبيرا يسأل الناس فيعرف أنه من الذين يدفعون الجزية ، يرى حال الرجل فيعرف فقره وقلة ماله ، فيقول له : والله ما أنصفناك أيها الشيخ الكبير ، فقد أكلنا شبابك وأفنيناك، ثم أضعنا كبرك وشيخوختك ، ثم أسقط عنه الجزية وأمر له بنفقة من بيت المال ، بيت المال عند عمر هو بيت مال الدولة ، هو لكل أهلها على اختلاف دياناتهم ، الكل يقف أمام عمر على مسافة واحدة ، العبد والحر، السيد والخادم ،المسلم وغيره ، ولكلٍ الحق فى حرية الخطأ والخطيئة والكفر طالما أنه لن يضر (أنت حر ما لم تضر) . نعم كان عمر مسلما وكان ليبراليا ، وكانوا هم سلفيين وإسلاميين، فانظر عمن تأخذ دينك.