عرفت الهوى مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي عمن سواك وكنت أناجيك يا من ترى خفايا القلوب ولسنا نراك أحبك حبين حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاك فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواك وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراك كلمات شاعرة أحبت الله وخاطبته كأنها تحب رجل، تغزلت فيه وجماله مثلما تتغزل السيدة بزوجها، مما أثارت الكثير من الجدل. هي الشاعرة رابعة هي بنت إسماعيل العدوية العتكية القيسية البصرية، ولدت عام 95 هجرية، ومنهم من قال إنها ولدت عام 99 ه في كوخ خاو في أحد الأحياء الفقيرة، في البصرة زمن كان يجتاح البصرة قحط شديد وينتشر فيها اللصوص وقطاع الطرق والنخاسون من تجار الرقيق، وكانت المولودة هي الأنثى الرابعة التي يرزق بها والدها دون الذكور فسماها لذلك رابعة. توفي والدها وهي طفلة دون العاشرة ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل يعينهن على الفقر والجوع والهزال، فذاقت رابعة مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها من أسباب العيش لهن سوى قارب ينقل الناس بدراهم معدودة في أحد أنهار البصرة. كما أنها شاعرة عابدة مسلمة تاريخية وإحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب العشق الإلهي. واختلف الكثيرون في تصوير حياة وشخصية العابدة رابعة العدوية فقد صورتها السينما في فيلم سينمائي مصري والذي قامت ببطولته الممثلة نبيلة عبيد وفريد شوقي في الجزء الأول من حياتها كفتاة لاهية تمرّغت في حياة الغواية والخمر والشهوات قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته، في حين يقول البعض إن هذه صورة غير صحيحة ومشوهة لرابعة في بداية حياتها، فقد نشأت في بيئة إسلامية صالحة وحفظت القرآن الكريم وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمر الزهور، وعاشت طوال حياتها عذراء بتولًا برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلًا عن الحياة مع الزوج والولد. ويقول الفيلسوف عبد الرحمن بدوي في كتابه شهيدة العشق الإلهي أسباب اختلافه مع الصورة التي صورتها السينما لرابعة بدلالات كثيرة منها الوراثة والبيئة، بالإضافة إلى الاستعداد الشخصي، وكان جيران أبيها يطلقون عليه "العابد"، وما كان من الممكن وهذه تنشئة رابعة أن يفلت زمامها، كما أنها رفضت الزواج بشدة. اختلفت رابعة عن متقدمي الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق، يدفعها حب قوي دفاق، كما كانت في طليعة الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيده رغبة سوى حب الله وحده.