لا غنى لنا بالتأكيد عن مصالحة وطنية شاملة يتم من خلالها دمج كل المصريين في العملية السياسية، بحيث تجد كل قوة سياسية مكانًا ودورًا لها في هذه العملية.. لكن إذا كنا نبغى مصالحة حقيقية فلابد أن يكون لهذه المصالحة شروط بدونها لن تنجح هذه المصالحة، وإلا كنا نصر على أن نلدغ من ذات الجحر مرتين وثلاث وعشر مرات! أهم شروط هذه المصالحة الحقيقية والجادة هو الإقرار بسلمية التنافس السياسي من كل القوى والتيارات السياسية.. وهذا يعنى أنه لا مصالحة مع من يمارس العنف، أو يتحالف ويتعاون مع من يمارس العنف، أو يحرض على ممارسة العنف، أو حتى يسكت على من يمارس العنف ويدعو للإرهاب.. هؤلاء لا مكان لهم بيننا ويتعين أن ننبذهم بل ونتعقبهم ونحاسبهم على ما يقترفون من جرائم في حق بلدهم وشعبهم.. فكيف نمد أيدينا للزيدى التي لطختها دماء الأبرياء؟ وكيف نفتح قلوبنا مع من يتربص بنا ويتحين الفرصة لقتلنا باسم الدين؟ لذلك كان أمرًا له مغزاه أن تبلغ قيادة المؤسسة العسكرية واشنطن أنها إذا كانت تؤيد عدم إقصاء أحد إلا أنها ليست مع منح ضمانات خاصة لأحد.. الجميع أمام القانون سواء، ومن ارتكب خطأ يحاسب بالقانون.. فهذا ما يريده الشعب الذي احتشد في طوفان بشرى غير مسبوق يوم 30 يونيو، والقوات المسلحة التي انحازت للشعب تدرك ذلك ولا تستطيع تجاهل هذا الطلب الشعبى.. فلا مصالحة «تطرمخ» على الجرائم الإرهابية أو على من تورطوا في ممارسة العنف.. المصالحة تكون فقط مع الذين يقبلون بمبدأ سلمية التنافس السياسي والذين ينبذون العنف، ولا يحرضون عليه بأنه صورة من الصور وذلك سيفرض بالضرورة أن نستفيد من أخطائنا السابقة والتي كان أبرزها السماح بدخول أحزاب دينية حلبة السباق والتنافس السياسي.. فمن بين هذه الأحزاب خرج من حرض على العنف ومن مارسه.. هذه الأحزاب هي التي تفرخ لنا الإرهابيين الآن، ورغم أنها تدعى الاعتدال إلا أنها تعاونت وتحالفت مع الجماعات الإرهابية لتساعدها في تحقيق أجندتها.. وهذا ما بدا بشكل صارخ جدًا بعد أن عزل الشعب وجيشه الرئيس السابق محمد مرسي، لدرجة دفعت قياديا بجماعة الإخوان هو البلتاجى لأن يعلن أن الهجمات الإرهابية في سيناء لن تتوقف إلا بعودة مرسي إلى الحكم. الساحة السياسية يجب أن تكون مفتوحة للأحزاب السياسية فقط.. أما التكوينات الدينية فإن مجالها وعملها خارج الحلبة السياسية حيث تقوم بالإرشاد الدينى والدعوة الدينية.. لا مجال إذا كنا نريد تصحيح أخطائنا التي وقعنا فيها خلال عام 2007 لهذا الخلط المتعمد ما بين الدين وما بين السياسة، والذي خلف لنا جماعة نصف سرية تعمل في إطار تنظيم دولى، تقود وتدير وتحرك حزبا سياسيا ثم صارت بعد أن وصل مرشحها إلى القصر الرئاسى وتولى منصب رئيس الجمهورية تدير كل شئون البلاد وتمارس هي الحكم.. تصدر لرئيس الجمهورية القرارات وهو يوقعها ويعلنها لأنه لا يستطيع أن يعصى لها أمرًا ويرفض لها طلبًا.. وهكذا أوقعنا ذلك في مأزق شديد حيث صرنا محكومين من جماعة ليست مصرية بحكم انتمائها لتنظيم دولى وفوق ذلك سرية! إن رفض الأحزاب الدينية يجب أن يكون واضحًا في أي مصالحة سنعمل من أجل التوصل لها.. نحن لدينا أكثر من حزب دينى.. لدينا حزب للإخوان وآخر للجماعة الإسلامية ولدينا حزبان للسلفيين وحزب الوسط.. وحتى الآن تورط على الأقل ثلاثة أحزاب منها في ممارسة العنف لأن قادتها اعتبروا ما يقولون قولا مقدسا غير قابل للنقاش أو المراجعة وبالتالى نظروا لمن يعارضونهم على أنهم كفار أطلقوا النفير لجهادهم وحربهم.. وأحاديث السجن والرش بالدماء واقتحام المؤسسات وقتل قادة الجيش كان أصحابها قادة في هذه الأحزاب الدينية. وهكذا المصالحة الحقيقية لا مكان فيها لمثل هذه الأحزاب الدينية تفاديًا لأخطاء الماضى القريب، وحماية لمجتمعنا من التحريض على العنف استخدمت فيه هذه الأحزاب.. وحتى نضمن استمرار وبقاء هذه المصالحة فعليا على أرض الواقع.. وإذا كان هناك من يريدون العمل في مجال الدعوة الدينية ونشر الأخلاق الحميدة فأهلًا وسهلًا بهم إذا كان عملهم يتم في النور وتحت رقابة القانون. فلم يعد مقبولًا أن يعمل البعض بدعوى الحرية في الظلام أو سرا وبدون شفافية لأن أول شروط أي عمل أهلي سليم وسائب هو أن يتم علنا وبشكل قانونى.. ولتبقى الأحزاب للعمل السياسي. إن ذلك هو الكفيل وحده لوقفه استثمار الدعاية الدينية في الانتخابات واستخدام الشعارات الدينية لكسب أصوات الناخبين ولتذهيبوعيهم باستغلال الدين.. إنها لحظة مصارحة أنفسنا حتى لا نكرر أخطاءنا.