هذه أول مرة تسافر فيها حارة درب المهابيل إلى خارج البلاد المصرية ، إذ أنني قررت أن آخذ الحارة بأهلها وناسها وحانتها لكي نذهب إلى لندن ، نعم لندن أم العواصمالغربية.. كانت الفرصة مناسبة فالصيف قد هل ، والأولاد أخذوا أجازة من مدارسهم ، لذلك قررنا نحن أهل الحارة أن نأخذ أجازة طويلة نشاهد فيها متاحف العالم .. هل تسألني من سيكون مرشد الرحلة ؟ طبعا لن يكون مرشد الرحلة هو مرشد الإخوان !! ولا مرشد المباحث !! ولا مرشد السفن في قناة السويس ، ولا هو المرشد السياحي ( ألا تلاحظ أن البلد كلها مرشدين !! ) , لكن المرشد في هذه الرحلة هو أنا ، نعم أنا أبو يكح الجوسقي ، فمحسوبك خبير في المتاحف والتحف والأنتيكات ، هل تسألني ما هي علاقة لندن بالمتاحف ؟ سأقول لك يا سيدي العزيز إن لندن نفسها تحفة معمارية ، وفوق هذا فإن أهميتها الثقافية تكمن في متاحفها ، خاصة متحف مدام توسو الشهير بمتحف الشمع ، تسير في أرجاء هذا المتحف فتقابلك معظم الشخصيات الشهيرة في العالم فتظن أنها حقيقية فتهرع إليها كي تصافحها فإذا بها شمع لا حياة فيه ، فتعاود أدراجك وأنت تجرجر أذيال الدهشة. أخذت الحارة كلها وسافرنا إلى لندن، وهناك وعلى أطراف لندن نصبتُ لأهل الحارة خياما وجعلتها مأوى لنا، وكأننا فصيلة من فصائل الغجر، وما أن اطمأن قلبي على أهل حارتي حتى تركتهم يستريحون من عناء السفر وذهبت إلى متحف الشمع كي أتعرف عليه وأحفظ دروبه ومسالكه وردهاته وتماثيله ، فأنا الآن مرشد ، ويجب أن أكون « الشاطر» من بين كل أهل الحارة ، وسبحان الله ، ما أن وصلت إلى المتحف حتى أيقنت أنه « بديع « في كل شيء، ولكن كانت هناك مفاجأة في انتظاري، فالمتحف يغلق عند الغروب وقت وصولنا تماما، هل من حيلة لدخول المتحف ؟ الإنجليز مواعيدهم مضبوطة ليس فيها هزار ، فماذا أفعل ؟ فتح الله لي فرصة قد لا تتكرر، فقد وجدت بابا خلفيا مفتوحا ولم يكن عليه حارس ، فدلفت إلى الداخل ، وبعدها وجدت من يصك الباب خلفي !! أنا الآن وحدي داخل المتحف ، بدأت أمشي الهوينا ، وفجأة وجدت أمامي صالة مكتوب على لافتة بها ( جماعة الإخوان ) ياااه ، هل صنع المتحف تماثيل شمع لحسن البنا !! فلأدخل إذن ، ها ، إنها مفاجأة ، ما هذا التمثال الذي أراه أمامي ، إنه تمثال للمرشد الأول الشيخ حسن البنا ! التمثال الذي بعده للمرشد الأخير محمد بديع ، اقتربت من تمثال بديع، سبحان الله ، كأنه هو، يكاد ينطق من فرط دقته ، ما هذا التمثال المنصوب خلفه ، أها ! إنه تمثال خيرت الشاطر، وبجواره تماثيل لعدد من أعضاء مكتب الإرشاد الأخير للجماعة ، محمود عزت ومحمد مرسي وسعد الكتاتني ورشاد البيومي ، فجأة سمعت صوتا يقول لي : إيه اللي جابك هنا ؟ عدو ولا حبيب ، تعجبت من الصوت وقلت: يا لطيف اللطف يا رب، أنا لا عدو ، ولا حبيب ، ولا حتى محمد حبيب ، أنا أبو يكح الجوسقي، من أنت أيها المتحدث ؟ . رد الصوت : أنظر خلفك ، أنا محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين . قلت له : أنت بشحمك ودمك ؟! قال : لا يا شاطر ، أنا محمد بديع بشمعي ، أنا تمثال الشمع . قلت متعجبا : وكيف نطقت ؟ قال : أنطقني الله الذي أنطق كل شيء، أتكفر بقدرة الله تعالى ؟ قلت: لا يا سيدي ، أنا مؤمن . وإذا بصوت آخر يقول لي : أنت مؤمن إذن أنا كنتاكي . تلفت حولي وأنا أقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليكم ، من أنت أيها الكنتاكي ؟ قال : أنا خيرت الشاطر ، التاجر الأريب الفطن . قلت : ما شاء الله ، ما الذي جاء بالإخوان إلى متحف الشمع . رد تمثال خيرت الشاطر : انتهت مدة صلاحيتنا في الحياة السياسية والدينية في مصر فقلنا نستريح من عناء الشهور السابقة ، وها نحن ذا نقف مثل الخفر في متحف الشمع ، ثم أضاف متأففا : لعن الله من أحضرنا هنا . قلت : ولكن هذه سمعة طيبة لكم كجماعة مشهورة ، شيء جيد أن يصنعوا لكم تماثيل في متحف الشمع . رد تمثال المرشد محمد بديع : لا يا شاطر ، هم صنعوا لنا تماثيل الشمع هذه لأننا دخلنا التاريخ . قلت : وما الذي أدخلكم التاريخ ؟ قال تمثال خيرت الشاطر : شوف يا أستاذ ، أنا دخلت الاتحاد الاشتراكي ودي كانت نهاية الاتحاد الاشتراكي ، ثم دخلت الحزب الشيوعي التروتسكي ودي كانت نهاية التروتسكية في مصر ، ثم دخلت فرقة الإخوان المسلمين ، ودي كانت نهاية جماعة الإخوان . أضاف تمثال المرشد بديع : وأنا دخلت التنظيم القطبي ، ودي كانت نهاية التنظيم القطبي ، ثم دخلت بالجماعة إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير ودي كانت نهاية الثورة . نطق تمثال سعد الكتاتني قائلا : وأنا دخلت بالجماعة للبرلمان ، ودي كانت نهاية البرلمان ، وقمنا بتشكيل لجان تقصي حقائق ، ودي كانت نهاية الحقائق ، وقمنا بتشكيل الهيئة التأسيسية للدستور ودي كانت نهاية الدستور . وإذا بتمثال محمد مرسي يقول : وأنا أصبحت رئيسا لحزب الحرية والعدالة ودي كانت نهاية الحزب ، ودخلت انتخابات رئاسة مصر ودي كانت نهاية انتخابات الرئاسة . وهنا قال محمود عزت وهو يصطنع الوقار ويتحدث بتؤدة : يعني يا أستاذ نحن تخصص تقفيل حركات سياسية وجماعات وأحزاب وانتخابات ولجان ، لذلك نحن الذين « جبنا درف جماعة الإخوان « فحق لمتحف مدام توسو أن يصنع لنا هذه التماثيل . قلت لهم : وهل هناك أمل أن تعود الحياة لجماعة الإخوان بعد هذه النكبات والنكسات ؟ رد تمثال خيرت الشاطر : حياة مين يا أستاذ ؟! حياة دي تبقى خالتك ولا مؤاخذة ، نحن تخصص شمع ، والشمع لا حياة فيه ، ولكننا نطمح في شيء آخر . قلت له : وما هو هذا الشيء الآخر ؟ قال تمثال الشاطر : نريد أن ندخل متحف التاريخ ، نحب أن نرى على أبواب متحف التاريخ لافتة تقول : كانت هناك جماعة اسمها جماعة الإخوان أنشأها حسن البنا وقضى عليها محمد بديع وخيرت الشاطر، سيكون هذا سبقا تاريخيا لنا، لاشك في هذا. ومن بعيد رأيت تمثال مدام توسو يصيح قائلا بعربية فصيحة : يا ويلتاه ، يا ويلتاه ، اخرجوا من متحفي ، لا تمكثوا فيه دقيقة واحدة بعد الآن . قال تمثال خيرت الشاطر متعجبا : ولما يا سيدتي ؟ قال تمثال مدام توسو : دخلتم إلى كل الكيانات فأغلقتموها وقضيتم عليها ، ولا أريد أن أسمعك ذات يوم وأنت تقول : ثم دخلنا متحف مدام توسو للتماثيل الشمعية ودي كانت نهاية المتحف والشمع والتماثيل !!