توضأت، وأسبغت الوضوء، وجلست آتلو القرآن وبعد أن انتهيت، رحت أتذكر قوله فى وصف «الثائر الحق» فالرجل هو الإمام، وأصارحكم بأننى تحيرت فى أمر هؤلاء الذين يتحدثون بلسان الإسلام ويمتطون ثورة لا تهدأ بعكس ما وصف الإمام. أغلقت باب حجرتى وأخذت أمارس موهبتى فى تحضير الأرواح وفجأة رأيت رجلاً يرتدى ثياباً بيضاء وعمامة خضراء.. عيناه لامعتان، واللون الأسود يغطى تحت جفنيه. قلت مرتبكاً: من الشيخ الجليل؟! .. قال: أتسأل وأنت من حضرت روحى أيها الفتى؟! قلت: عذراً مولاى لقد أربكتنى طلعتك البهية.. فأنا أعلم أنك إمام العصر ومفسر القرآن.. أعلم أنك الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى وما كان سؤالى إلا لزيادة اليقين من رؤى العين.. شرفت بلقائك يا شيخنا.. قال: علم تحضير الأرواح موجود فى كل زمان.. لكن لماذا طلبتنى أيها الشاب وأخذتنى من الجنان وعطلتنى عن ذكر الرحمن؟!! قلت: لا تؤاخذنى مولاى فأنا مثل كل شباب مصر «حيران» .. فأنت لا تعلم أننا بعد أن وافتك المنية قمنا بثورة ضد النظام .. قال: ومن قال لك إننى لا أعلم .. أنا أعلم كل ما يدور على أرض المحروسة وكلنا هنا أبناء الوطن فى العالم الآخر نتابع ونتعجب ونفرح ونحزن لكم يا بني.. وهل تنسى أننى تنبأت بثورتكم هذه وأعلنتها أمام الجميع فى حضرة المخلوع مبارك عقب حادث أديس أبابا وقلت بالحرف الواحد: أيها الشعب.. أيتها الرعية.. قدر الله لا يأتى إلا بخير.. وسترون قريباً آثار هذه الهزة حكماً شديداً راشداً آخذاً بيدنا إلى منهج الله.. قلت: إذن سيحكمنا الإسلاميون يا مولانا؟!! قال: سيحكمكم الإسلام يا بنى ولكن من تلقبونهم ب«الإسلاميين» لا شأن لى بهم... لكن أنت أخذتنى فى الحوار بسرعة دون أن تقول لي: ما هى مسألتك التى من أجلها قمت بتحضير روحي؟!! قلت: مسألتى هى مسألة كل شباب مصر يا شيخنا؟! قال: ربنا يستر يا ابنى فبالتأكيد تريدون الحل «تيك أوي» كعادتكم فأنتم دائماً تتعجلون كل شيء.. قلت: كل الحكاية يا مولانا أننا قمنا بثورة وهنا قاطعنى الشيخ قائلاً: باستنكار: هل ستعيد القصة من جديد؟! يا ابنى ليس لدى وقت لهذا الجدل.. أذكر لى مسألتك «وخلصنا»!! قلت: ما رأيك يا شيخنا فى الإسلام السياسي؟!! .. قال: السياسة نجاسة والإسلام أطهر من أن يسيس .. قلت: وهل من الممكن أن نمارس النجاسة - أقصد السياسة- ثم نتطهر منها فى نفس الوقت؟!! قال: إذن أنتم تحتاجون للاغتسال كل لحظة لأن السياسة أخذتكم عن أمور دينكم وتفرغتم لها تماماً!! .. قلت: الإخوان المسلمين والسلفيون والجماعات الإسلامية كلهم يمارسون السياسة الآن يا مولانا وهؤلاء هم قدوتنا ... قال:هذه هى الطامة الكبرى يا بنى إن هؤلاء ممن تركنا أمور الدين أمانة فى رقابهم تركوها وتفرغوا للسياسة سعيا خلف أمور دنيوية .. قلت له: ألم تبشرنا بأن الدين هو الذى سيحكمنا يا مولانا ؟!! قال: نعم ولكن ليس على يد هؤلاء يا بني.. قلت: وهل تعلم أن محمد مرسى مرشح الإخوان قد وصل لمرحلة الإعادة وينتظر إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات الرئاسية؟!!.. قال: يا بنى مرسى عايز كرسي.. مرسى الاستبن لا يفكر فى الدين بقدر ما يفكر هو وإخوانه فى الحكم.. قلت: إذن الفائز هو شفيق يا مولانا؟!!.. قال: شفيق هذا لا يختلف عن مبارك فى شيء لكنه لم يتمسح فى الدين مثل مرسى ولهذا ستجده هو الفائز فى تلك الانتخابات حتى لو لم ينجح!.. قلت: كيف هذا يا مولانا؟!! قال: حاولتم عزله ولم تعزلوه .. حاولتم سجنه ولم تسجنوه.. تظاهرتم ضده وهو رئيس وزراء فجاءكم للرئاسة ولم تخرجوه!!.. قلت: وماذا نفعل يا مولانا؟.. قال: أنتم شعب مغلوب على أمره يحكمه مجموعة من أعدائه وينفذون فيكم خططهم لتأمين أنفسهم.. قلت: إذن نقف خلف الإخوان فهم من يمثلون القيم الدينية ولو جزئياً يا مولانا؟!! قال: انظر يا بنى إلى أسمائهم وأنت تعرف إذا كانوا سيحرصون الدين أم لا فكلهم إما شاطر وإما بديع وإما عريان وهلم جرا.. فهل ينتصر الدين على يد هؤلاء؟...ضاحكاً قلت: حيرتنى يا عم الشيخ.. قال: أنت الذى حيرتنى وأنا لا صبر عندى للصحافة والإعلام وككلم تعلمون هذا لأنكم مجادلون وأنا أكره الجدل لكنى سأكمل معك لأننى أحبكم أيها الشباب الثائر!!.. قلت: ثورتنا ستستمر يا مولانا حتى نطهر مصرنا من الفساد.. قال: آفة الثائر يا بنى أنه يظل ثائراً ولكن الثائر الحق هو الذى يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنى الأمجاد ويرد مظالم الناس.. قلت: لكننا نشعر بالقهر من جديد فالثورة تم سرقتها يا مولانا.. قال: فى المرة القادمة قوموا بثورتكم ثم ضعوها فى خزانة البنك الأهلى حتى لا تسرق! .. يا بنى لا يوجد سرقة للثورات وإنما يوجد تراخ للثوار عقب تحقيق أول نجاح وأنتم تراخيتم بمجرد أن تنحى مبارك دون أن تدروا أن هذا التنحى هو المخطط الأكبر لبقاء النظام الحاكم.. قلت: سيحكمنا الرئيس الجديد بدون دستور ولا برلمان يا مولانا.. قال: أنتم تستحقون ذلك لأنكم تراخيتم فانتخاب رئيس فى غياب دستور وبرلمان هو انتخاب لسلطان لا رقيب عليه ولا سلطان يتصرف فى الشعب كيف يشاء.. قلت: وماذا نفعل الآن يا شيخنا؟! قال: يا ابنى لقد انتخبتم الإخوان فى البرلمان نكاية فى الحزب الوطنى والآن انتخبتم شفيق نكاية فى الإخوان لدرجة أننا فى العالم الآخر احترنا فيكم.. قلت: وهل هذه نهاية طبيعية يا شيخنا.. قال: «إنها نهاية طبيعية للجهل والجهلاء.. يا ثورة ما تمت».. قلت: أراك متشائماً يا مولانا!! قال أتمنى لكم كل الخير يا بني!! قلت: أرى فى عينيك اسئلة حائرة يا شيخنا.. قال: السؤال يا بنى هو كيف سيحلف الرئيس الجديد اليمين بدون برلمان أو دستور.. أم أنكم ستصدقونه بدون «حلفان»؟ ضاحكا قلت: لا أدرى يا مولانا!!.. قال إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يا بني.. قلت: إذن أنت ترانا مهزومين فما هو السبب يا مولانا؟ قال: لأنكم تركتم الميدان وذهبتم لتجمعوا الغنائم فى الفضائيات والصحف والأحزاب وهذا هو سبب هزيمة المسلمين فى غزوة أحد أنهم تركوا الميدان وذهبوا ليجمعوا الغنائم يا ولدي.. قلت: وبماذا تنصحنا يا مولانا؟.. قال: لقد قال الشيخ الغزالى الذى يسكن بجوارى هنا فى العالم الآخر إن هناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته ويبلغ الحق فيها أقصى محنته والثبات فى هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول.. فاثبتوا يا بنى واعتصموا ولا تفرقوا فتذهب ريحكم وتعودوا كما كنتم.. اللهم لا تولى علينا من لا يخافك ولا يرحمنا!!.. وهنا استأذننى الشيخ الجليل فى الانصراف إلى عالمه لمواصلة عبادته والتمتع بما منحه الله من نعم الآخرة ورغم اشتياقى لإطالة الحوار إلا أننى ودعته وطلبت منه الدعاء لمصر والمصريين فرحل الشيخ واختفى النور الذى كان يملأ حجرتي!!