لاشك أن تمسك مصر بكل ما أوتيت من قوة بسيادتها على مثلث حلايب أمر واجب، إعلاءً لقيمة أرض الوطن، لكن لا يمكن إغفال تمتع المنطقة ذاتها بالعديد من الثروات المعدنية المختلفة، مما كان سببا فى اشتعال الصراع بين مصر والسودان على الأرض الذهبية.. بلبلة كبيرة سادت فى الشارع السياسى والاقتصادى بعد تردد أنباء حول تأسيس جماعة الإخوان المسلمين شركة «شلاتين للثروة المعدنية» فى نوفمبر الماضى، للسيطرة على الذهب والثروات المعدنية بالمنطقة، من خلال اقتسام الجماعة لهذه الثروات مع السودان، وذكرت الأنباء أن الشركة تم تأسيسها برأس مال يقدر ب 10 ملايين جنيه، بما يخالف قانون تأسيس الشركات المعدنية الذى أوجب أن يكون رأس مالها على الأقل نصف مليار جنيه. وتعد منطقة حلايب وشلاتين كنزا من الكنوز التى تمتلكها مصر الآن، تحتوى فى باطنها على الكروم ومواد البناء والجرانيت واليورانيوم، والفوسفات والحديد والنحاس والفضة، فضلا عن اكتشاف البترول فى منطقة حلايب، وفوق كل هذا معدن الذهب الذى ينتشر فى أماكن متعددة من أهمها منطقة وادى ميسبة وغرب جبل أورجيم، كذلك المنجنيز الذى يتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، فى صورة عروق تمتد من الشرق إلى الغرب بطول كيلومتر تقريبًا، وبمتوسط عرض 100 متر، وعلى عمق يصل إلى 400 متر، ويتركز فى منطقتين: الأولى منهما فى جبل علبة، وفيها ستة مواقع، وحجم الاحتياطى بها يقدر بحوالى 60 ألف طن.. والثانية تشغل الروافد العليا لوادى دئيب ووادى دعيت ومرتفعات كوال أنكلوب والأيرونجاب. وقد ثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية، مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم، وهى ضرورية جدًّا لصناعة المنسوجات، كما تجرى حاليًّا دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الاستيراد، وكذا إنتاج الماغنسيوم الذى يستخدم بشكل كبير فى صناعة الأسمدة. ويتواجد خام الحديد فى وادى يودر، وفى أقصى الجنوب الشرقى ، وفى منطقة حمرة الدوم بالقرب من جبل كولا ناب، حيث يظهر فى هيئة عدسات ملتصقة بصخور الجابرو. فيما يحتكر أهل المنطقة الذهب الذى يتم استخراجه، من خلال جهاز لا تتجاوز قيمته 5 آلاف جنيه، ليبيعوا الكيلو ب 300 ألف جنيه، ولا يجرؤ أحد من خارج المنطقة على اختراق هذا «اللوبى»، وإلا حكم على نفسه بالقتل. الخبراء المتخصصون أكدوا أن هذه المنطقة واعدة، وتنتظر جذب الاستثمارات التى من شأنها إحداث تنمية حقيقية وشاملة تخدم الاقتصاد المصرى، من خلال استغلال الثروات الطبيعية الموجودة بها، شريطة صدور قانون الثروة المعدنية المنتظر، لأنه يعطى فترات أطول للمستثمرين فى عمليات البحث والاستكشاف، خصوصًا أن الاستثمار بمجال الثروة المعدنية «طويل الأجل» ويحتاج إلى أموال ضخمة، مشيرين إلى أن ما تم استغلاله بالفعل من ثروات مصر المعدنية حتى الآن لا يتجاوز 6%، وأن الباقى سيتم استغلاله بعد إقرار القانون الجديد، والذى ينص على أن تصدر تراخيص البحث والاستغلال للمعادن الثمينة بقانون، وعدم جواز تصدير الخامات المعدنية إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. واستحدث مشروع القانون بابا خاصا بالمحاجر، ونص على أنه لا يجوز أن تقل مدة ترخيص استغلال المحجر عن عام ولا تزيد على عشرين عاما، ويجوز بقرار من الوزير المختص التجديد لمدة لا تزيد على عشر سنوات مادام المرخص له قائما بتنفيذ التزاماته بالشروط التى سيتم الاتفاق عليها، مع إمكانية إعادة النظر فى قيمة الإيجار كل 5 سنوات، كما حدد 10% من إجمالى المبيعات إتاوة سنوية على المرخص لهم باستخراج مواد البناء وأحجار الزينة، وعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من استخرج خاما أو المواد المصاحبة أو الأملاح دون ترخيص، وتكون العقوبة السجن المشدد وبالغرامة التى لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد عن مليونى جنيه أو بإحدى العقوبتين إذا كان الفاعل من المرخص لهم بالبحث والاستغلال، ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الخام المضبوط والمواد المستخرجة والأدوات والآلات المستعملة فى الجريمة. من ناحيته.. أكد نائب رئيس شعبة المحاجر باتحاد الصناعات صفوت عبد البارى، أن الثروة المعدنية الموجودة فى منطقة حلايب و شلاتين جزء لا يتجزء من الثروة العظيمة بمنطقة الصحراء الشرقية، شمال خط عرض 22 درجة شمالا، وهى منطقة غنية بالعديد من الثروات المعدنية غير المستغلة وعلى رأسها المنجنيز والذهب. وكشف أن المنطقة تخضع لتشكيلات عصابية تستغل ثرواتها، باستخراج الذهب سطحيا بعيدا عن رقابة الدولة، مما يعد إهدارا لثروات مصر، موضحا أن التجار السودانيين يقومون بعد ذلك بشراء الذهب الذى تم استخراجه بهذه الطريقة العشوائية. عبد البارى طالبَ بضرورة إعادة المنظومة الخاصة بكيفية استغلال الثروات المعدنية المهدرة فى هذه المنطقة وغيرها، مشددا على ضرورة الأخذ بالخريطة الجيولوجية لمصر، ووضع إستراتيجية متكاملة للاستغلال الأمثل. وأضاف أن مصر الآن فى حاجة ماسة لقانون متزن، يوضح العلاقة بين الدولة والمستثمرين، فيما يخص كيفية الاستفادة من الثروات المعدنية، مؤكدا على أهمية عودة الاستقرار الأمنى لعودة الاستثمارات من جديد. وحذر من المساس بثروات حلايب وشلاتين المصرية 100% طبقا للخرائط الموضوعة لتقسيم الحدود، حتى ولو كان للسودان الشقيق. رئيس المجلس التصديرى للصناعات التعدينية حمدى زاهر، أشار إلى أن منطقة حلايب وشلاتين غنية للغاية بالذهب والخامات الإستراتيجية التى تحتاجها مصر، مؤكدا أن هذه المنطقة لم تستغل بعد، حيث توقفت مجهودات الدولة عند وضع هيئة الثروة المعدنية لأبحاث عن الثروات المعدنية فى هذه المنطقة، ولكن دون أى تحركات لاستغلالها بقدر ما تمتلكه من ثروات عظيمة. زاهر أضاف أن الجميع يعلق الأمل على القانون الجديد، الذى بمجرد الانتهاء منه، سيبدأ النظر فى التراخيص، والبدء مباشرة فى عملية التعدين خلال الفترة القادمة، لافتا إلى أن هناك خطة متكاملة لاستغلال الثروات بالمنطقة، لأننا ندرك جيدا أن عدم استغلال هذه الموارد خسارة كبير للدولة. ووصف الحديث عن رغبة الدولة فى التنازل عن مثلث حلايب وشلاتين للسودان ب «الكلام الفارغ»، ولن يحدث أبدا، ولا يمكن تصديقه بأى شكل من الأشكال، مؤكدا أن القوات المسلحة تسيطر على المنطقة، بإقامتها العديد من مشروعات البنية التحتية و تنقية المياه.