أسرار استقالة نائب رئيس الوزراء الأسبق.. ولماذا رحل «حمزاوى» في الأيام الأولى لتأسيس الحزب ؟! أزمة ال 18 ألف يورو تفتح ملف التمويل الخارجي «أبو الغار» قدم استقالته هربا من «صداع الأزمات».. و«زهران» استلم مهام منصبه محاصرا بالمشكلات قبل أن تقرأ.. اللعب في الأحزاب إقامة حياة ديمقراطية سليمة كان واحدًا من أهداف ثورة يوليو عام 1952م عندما قرر مجلس قيادة الثورة اغتيال النموذج التعددى في ذلك الوقت.. مضت السنوات تهضمها سنوات دون أن تقام حياة ديمقراطية سليمة وتحت وطأة الحرب لم يستطع أحد أن يذكر الثوار بما قطعوه على أنفسهم حتى جاء السادات إلى سدة الحكم. بعد انتصار أكتوبر المجيد كان الرئيس السادات قد فكر وتدبر وقرر أن يعيد التعددية إلى الحياة السياسية بتحويل المنابر الثلاثة إلى كيانات حزبية.. حزب مصر.. حزب التجمع.. حزب الأحرار.. هكذا عادت الحياة الحزبية قبل أن تطوى السبعينيات صفحاتها بثلاث سنوات وهكذا ولدت التجربة التعددية الثانية من رحم النظام.. ولدت مبتورة تشوهها عيوب خلقية بدت واضحة عندما قرر صاحب التجربة التعددية الثانية إقالة رئيس تحرير الأحرار مرددًا: "أنتم صدقتم ولا إيه؟"!! عبد الناصر اغتال التجربة الأعمق في تاريخ البلاد.. السادات قرر تصفية حزب مصر بتكوين الحزب الوطنى الديمقراطى.. مبارك وضع أصول اللعب الأمني في الأحزاب وعندما احتاج إليها بعد أيام من 25 يناير لم يجد إلا سرابا وتيارات ظلامية استطاعت أن تسيطر على الأرض وبدا أن محاصرة الأحزاب كان لحساب الإخوان وقوى الإسلام السياسي الأخرى عن جهل من النظام أو عمد، فكانت ثورة 25 يناير إشارة بدء النموذج التعددى الثالث والذي بدا واضحًا أنه ليس بعيدًا عن فكرة التفخيخ باستخدام نفس السيناريوهات القديمة التي ابتكرها مبارك وحافظت عليها الدولة العميقة.. ظهر ذلك جليًا في عدد من الأحزاب حيث تم استدعاء نفس الأساليب المباركية. اللعب في الأحزاب حلقات ترصد بدقة ما جرى في بحر السياسة منذ أيام السادات وحتى عهد السيسي. مَثلت ثورة الخامس والعشرين من يناير بوابة رئيسية لكل من أراد أن يخوض غمار السياسة بشيء من الاحترافية والممارسة الفعالة والمباشرة في الحياة الحزبية، ووضعت 25 يناير حدا للمسار الثوري، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الحياة السياسية في مصر، لذا سارعت العديد من التكتلات السياسية التي لم تكن تعمل تحت غطاء سياسي واضح المعالم إلى تدشين أحزاب تتحدث باسمها وتتبنى أفكارها وتحقق أهدافها تحت مرأى ومسمع من الجميع. ورغم حالة الضبابية التي سادت في الفترة التالية للثورة وعدم وجود خارطة طريق واضحة المعالم للمستقبل تلاقت أفكار عدد من النخب السياسية حول تأسيس حزب ليبرالي يعبر عن نهجهم السياسي والاجتماعي، ويكون أداة لتحقيق أهدافهم في عالم مثالي ديمقراطي حر، وقاد الدكتور محمد أبو الغار السياسي البارز والمعارض الشرس لنظام مبارك مجموعة من السياسيين لوضع اللبنة الأولى في تأسيس الحزب المصري الديمقراطي معبرا عن تطلعات نحو دولة ديمقراطية حديثة. الخطوات الأولى لتأسيس الحزب المصري الديمقراطي بدأت بعدد من الاجتماعات ضمت أسماء لها وزنها السياسي والمجتمعي كان من بينها الجراح المرموق الدكتور محمد غنيم والمخرج دَاووُدَ عبد السيد والدبلوماسية ميرفت التلاوي، والاقتصادي زياد بهاء الدين، والفقيه الدستوري محمد نور فرحات ورجل الأعمال مكرم مهنى، والناشر فريد زهران والدكتور إيهاب الخراط والصحفي هاني شكر الله، وكذا أستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي، إضافة إلى الدكتور محمد أبو الغار وعدد آخر من السياسيين. في تلك الاجتماعات اتفق الجميع على عدد من المبادئ والأسس التي سيبنون عليها أسس حزبهم الوليد، وتمثلت أولى مبادئ الحزب الذي دشن في 23 مارس 2011، على العدالة الاجتماعية والتي تضمن تكافؤ الفرص بين المواطنين في كافة مناحي الحياة سواء صحية أو تعليمية.. إلخ. كما شملت المبادئ الأساسية سرعة العمل على التنمية الاقتصادية من خلال اقتصاد السوق الملتزم بالعدالة الاجتماعية وقيام الدولة بدورها في منع الاحتكار وتوفير مناخ المنافسة، وكذا الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي كركيزة أساسية لتقدم مصر، ومن ثم تفعيل الديمقراطية وأن تكون السلطة للشعب وتضمن حقه في اختيار الحكومة وممثليه، مشددين على إيمانهم بالمواطنة وأن يتساوى كل المواطنين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو الثروة أو الانتماء السياسي أو الحزبي، كافة تلك المبادئ لا تجد عاقلا يرفض أيا منها أو يشعر بغضاضة في قبولها، وتوقع له المراقبون أن يمثل حجر الأساس للفكر الليبرالي في الحياة الحزبية. ورغم النجاحات الكبيرة التي حققها المصري الديمقراطي مع انطلاقه في عالم السياسة والتي تم ترجمتها إلى عدد لا بأس به من المقاعد حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2012 إلا أن الخلافات عرفت طريقها مبكرا إلى أروقة الحزب الليبرالي واشتعلت الكواليس بحكايات عن غياب الشفافية وانفراد القيادات بالقرار دون مشورة بقية الأعضاء. شرارة الخلافات طفت على سطح الأحداث وتصدرت المشهد منذ الأيام الأولى لتأسيس الحزب ووقع الصدام بين المؤسسين وأعلن عمرو حمزاوي أحد الأعضاء المؤسسين انسحابه، مرجعا ذلك لاعتراضه على البيان الذي أصدره المصري الديمقراطي بشأن ما شهده ميدان التحرير في أحد الأحداث المتتابعة عليه، إذ طالب "حمزاوى" وقتها بحذف الإشارة إلى "المؤسسة العسكرية" إلا أن أحدا لم يلتفت لمطلبه، ليتخذ قراره فورا بترك الحزب معللا ذلك بغياب الشفافية والمشاركة. خاض الحزب أول انتخابات برلمانية منذ تأسيسه "برلمان 2012"، متحالفا مع حزبي المصريين الأحرار والتجمع، وعرف التحالف باسم "تحالف الكتلة المصرية" وحصد الحزب آنذاك 16 مقعدا في الانتخابات، ومثلت أول انتخابات داخلية للحزب، والتي أجريت في سبتمبر 2012 لعنة لاحقت المصري الديمقراطي حتى فرغته من كوادره، إذ كان أول الغيث قطرة وتقدم عدد من أعضاء الحزب، بأمانة المعادى باستقالات جماعية، بالإضافة إلى استقالة 27 آخرين، بأمانة دار السلام بجنوب القاهرة، مبررين استقالاتهم بفشل الحزب في الالتزام بكل الوعود، التي قدمها يوم الاجتماع التأسيسي، والذي كان من مبادئه الشفافية والعلنية، زاعمين وجود فساد داخلي فضلا عن سيطرة المصالح على الحزب، بالإضافة إلى رفض الحزب الفصل بين أمانة دار السلام والبساتين، لتبدأ سلسلة من الانهيارات تضرب الحزب، وتبدأ الجبهات بالاستعداد لخوض غمار معركة السقوط. بعد محاولات شد وجذب من أطراف الصراع وخصوصا المستقيلين بدا أن الهدوء غلف الحزب من الداخل إلا أنه سرعان ما بدأ يتطاير شرر الانقسامات من جديد مع اقتراب انتخابات الرئاسة 2014، ودخلت جبهتان من الحزب في صراع شرس للغاية فيما بينهما، الأولى "جبهة المرصد" التي أعلنت وقتها وبوضوح تأييدها للمرشح الرئاسي آنذاك عبدالفتاح السيسي وضمت تلك الجبهة عددا كبيرا من ممولي الحزب، بالإضافة إلى شخصيات بارزة داخل المصري الديمقراطي من بينهم السياسي البارز عماد جاد إضافة إلى أيمن أبو العلا وهاني نجيب، أما الجبهة الثانية أو ما أطلق عليها "جبهة اليسار" فاختارت الانحياز إلى المرشح المنافس للسيسي زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي، وضمت تلك الجبهة أسماء لها ثقلها داخل المصري الديمقراطي ومن بينهم «باسم كامل» و«فريد زهران» و«مجدى عبد الحميد» و«أشرف حلمى» الذي يعتبر العقل المدبر للجبهة. ونتيجة الانقسام الحاد والخلاف المحتدم بين الجبهتين ظهرت "الاستقالات الجماعية" من الحزب وسط تلميحات وإيماءات أن هناك تدخلات أمنية لتفخيخ المصري الديمقراطي من الداخل، خصوصا أن هناك قيادات بارزة داخل الحزب كانت تغذي فكرة الاستقالات والانسحابات الجماعية للأعضاء والانضمام إلى أحزاب سياسية أخرى. انتهت الانتخابات الرئاسية بفوز كاسح ل"السيسي" وهزيمة ساحقة ل"صباحي" وهدأت الأوضاع بعض الشيء بين الجبهتين المتصارعتين لكن الشيء المقلق للجبهتين كان وجود جبهة ثالثة تمثل "الفكر الوسطي"، ويطلق عليهم داخل الحزب "العقول المدبرة"، وهم "محمد أبو الغار" الذي كان داعمًا للسيسي على المستوى الشخصي، و"نور فرحات" و"إيهاب الخراط" و"زياد بهاء الدين"، كانوا مع فكرة أن يتركوا للأعضاء حرية الاختيار، وهو موقف وصفته جبهة «المرصد» بالميوعة فتقدموا باستقالتهم، رافعين شعار "السيسي يا بلاش واحد غيره ما ينفعناش". موجة الاستقالات الجماعية أرجعها قياديون بالحزب إلى تدخلات من جهات أمنية وبعض القيادات داخل الحزب التي تحاول التقرب إلى النظام الحاكم. وكانت اللائحة التي أعدها وقتها محمد أبو الغار بخصوص موقف الحزب من الانتخابات الرئاسية، والتي اشترطت أن تكون نسبة التصويت على دعم الحزب لمرشح ما 75% من إجمالي أعداد المصوتين، بمثابة الفتيل الذي أشعل الأزمة والتي انتهت بالاستقالات الجماعية، عندما تم التصويت الداخلي للهيئة العليا للحزب على الموقف من الانتخابات، وجاءت نسبة التصويت 78 عضو تأييد «السيسي»، 16 عضو تأييد «صباحي»، و75 عضو «حرية الاختيار»، ولم يكن أمام «أبو الغار» سوى الالتزام باللائحة السابق ذكرها، مما جعل الأمر يزداد صعوبة أمام أعضاء الحزب المؤيدين للسيسي، وانتهى بهم المطاف داخل الحزب بتقديم استقالاتهم. وفي شهر مايو 2014 قدم نحو 108 أعضاء من أعضاء الحزب بالمنوفية، استقالتهم للدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب، مشيرين إلى أن سبب الاستقالات يعود إلى التخبط السياسي داخل الحزب وطريقة الإدارة التي تتسم بالعشوائية والتخبط، كما تقدم أيضًا 20 عضوا بالإسكندرية باستقالة جماعية، وأكد الموقعون على بيان الاستقالة أن ذلك جاء لوجود خلافات دائمة بين الأعضاء، وعدم استغلال إمكانياتهم لمصلحة الحزب، مع عدم وجود أي دعم مادي للأفكار البناءة، الأمر الذي تسبب في حالة من عدم الاستقرار والزعزعة داخليًا. بعد الاستقالات الجماعية التي ضربت الحزب في أبريل 2014، أكمل المصري الديمقراطي مسيرته السياسية بمن أطلق عليهم مجموعة العقلاء أمثال «أبو الغار» و«نور فرحات» و«إيهاب الخراط»، إلى أن ظهرت مجموعة جديدة من الشباب من قيادات حزب الدستور الذين رحلوا عن حزبهم وانضموا للمصري الديمقراطي وقادت تلك المجموعة معركة من قيادات الحزب. وفي 3 سبتمبر 2015، قرر الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب تقديم استقالته بشكل رسمي من منصبه، وجاء في نص استقالته: "اتضح لي بعد تحمل مسئولية صعبة في ظروف صعبة في مصر، أن تصوري لكيفية تقدم الحزب على أن تكون أيديولوجيته الواضحة، هي الديمقراطية الاجتماعية، وأن يكون حزبًا كبيرًا له شعبية ويكون له تمويل ذاتي معقول أصبح مستحيلًا في ظل الخلافات المحتدمة"، إلا أن الهيئة العليا للحزب اجتمعت وأقرت بالإجماع رفض استقالة "أبو الغار" من رئاسة الحزب. رضخ أبو الغار لرغبة الهيئة العليا وبقي على رأس الحزب 7 أشهر أخرى حتى أجريت الانتخابات وخلفه في منصبه الدكتور فريد زهران الذي فازت قائمته في الانتخابات التكميلية بإجمالى أصوات 331 مقابل عدد أصوات 327 لقائمة الدكتور محمد نور فرحات وذلك من إجمالي حضور 662 وإجمالي الأصوات الصحيحة 658. ومع بدايات عهد زهران عرفت الأزمات طريقها من جديد للحزب، فبعد أيام قليلة من انتخاب زهران فجر الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس وزراء مصر الأسبق، مفاجأة من العيار الثقيل وألقى في وجه زهران قنبلة سياسية بإعلانه استقالته من الحزب، ورغم أن بهاء الدين قال إن سبب الاستقالة رغبته في تكريس المزيد من الجهد والوقت للنشاط الذي يقوم به من خلال جمعية أصدقاء والده الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين في محافظة أسيوط، وكذلك نشاط جمعية شراع للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن العالمين بمواطن الأمور داخل الحزب أكدوا أن استقالة بهاء الدين نتيجة الخلافات الكبيرة في وجهات النظر بينه وبين رئيس الحزب الجديد فريد زهران إضافة إلى ارتباطه الكبير بمؤسس الحزب الدكتور أبو الغار. ولم تكد أزمة استقالة بهاء الدين تنتهى حتى انفجرت أزمة ال"18 ألف يورو" التي قيل إن الحزب حصل عليها من مؤسسة دولية لتدريب شبابه، ووفقا للمعلومات التي نشرت منسوبة لجهات رقابية فإن إحدى الجهات المانحة أرسلت مبالغ مالية للحزب على فترات متقاربة، وكان آخرها مبلغ 18 ألف يورو أرسلتها إلى الحزب كمنحة لتمويل مشروعات وأنشطة تدريبية لأعضائه لدعم الحياة السياسية وإثرائها، لكن المفاجأة التي كشفتها الجهة الممولة أنها لم تنفذ المشروعات المتفق عليها مع الحزب، وهو ما جعلها تتشكك في مصداقية ونوايا الحزب، وأن تلك الأموال صرفت بطرق غير مشروعة.