ذات يوم أراد الرئيس محمد مرسى أن يصطحبنى فى رحلة خلوية، وقبل أن نبدأ الرحلة اشترط أن يأتى معنا مرشد جماعة الإخوان المدعو محمد بديع، إذ قال لى مرسى وهو يتثاءب: لا أستطيع أن أفارق بديع لحظة يا صديقى أبو يكح، فالمرشد هو الذى سيصحح لى الكلام والحديث، وهو الذى سيضبط عباراتى، فقد عاتبنى الإخوان لأننى تكلمت عن القرد والقرداتى، والحاوى والثعبان والحمامة والأصابع ، لذلك اشترطوا علىّ أن لا أسير وحدى فى أى مكان، بل يجب أن يكون معى المرشد شخصيا حتى يكون رقيبا على ألفاظى وعباراتى، ثم استطرد قائلا: وإن جيت للحق يا خويا يا جوسقى أنا بسبب المرض الذى تثاقل علىّ والأدوية التى آخذها بكميات كبيرة أثرت على إدراكى وكلامى".. انتهى كلام مرسى.. وأصدقكم القول إننى رحبت بهذه الرحلة الخلوية، فهى فرصة لى لاصطحاب الرئيس وكفيله المرشد فى رحلة لا يقاطعنا فيها أحد، ويكفى أننى فى هذه الرحلة سأتعلم أشياء كثيرة، وأعدكم أننى سأحكى لكم عنها بالتفصيل. تحركنا من مقر الإخوان بالمقطم، وتوجهنا إلى صحراء القطامية، ويالها من ليلة ليلاء كأنها ليلة "كربَّلاء".. لحظة من فضلك، هذه العبارة ليست من كلامى أنا، ولكنها فى الحقيقة كلمة المرشد محمد بديع، هذا الرجل لم يسكت لحظة عن الكلام ، وكنا نستمع فقط، فإذا أردنا أن نتدخل ونتكلم فشلنا، ولكن لأن قصة رحلتى معهما كانت مثيرة فإننى سأكتفى بأن أحكى لكم ما قاله محمد بديع لنا فى الرحلة.. قال بديع حينما جلسنا فى مخيم تم إعداده لنا لنقضى فيه ليلتنا: يا لها من ليلة ليلاء وكأنها ليلة كربلاء، ثم نظر لى وقال: وكربلاء هذه إن لم تكن تعرف أيها الأستاذ كلمة واحدة، مكونة من مقطعين.. المقطع الأول هو "كرب"، والمقطع الثانى هو "بلاء"، وقد تقول لى وأنت ترمقنى بعينك: أنت ها تتفلسف وتتناصح علينا يا حضرة المرشد، لماذا جعلت من حرف الباء حرفين مرة فى كرب ومرة فى بلاء مع أن الباء حرف واحد، لم يرد إلا مرة واحدة فى كربلاء!!.. وقتئذ سأقول لك : حلمك علينا يا سيدنا، فأنا أعرف اللغة العربية من ساسها لرأسها وأحفظ ألفية ابن مالك رحمه الله، فقد كان صديقا لوالدى السيد بديع، وقد أخذت دكتوراة البيطرى أولا ثم أخذت بعدها دكتوراة أى إجازة عُليا بالنحوى مثل صلاح ذو الفقار فى فيلم الأيدى الناعمة، حينما أخذ دكتوراة فى "حتى"، أما أنا فأخذتها دون فيلم ولا يحزنون فى حرف "الباء" بجلالة قدره، فهو حرف يساعد بعض الأفعال على التعدى كما يقول النحاة، وأنا لا أحب التعدى ولا المتعدين، ولا الذين يساعدون على التعدى، ألا تلاحظ أننا جماعة مسالمة جدا يا أستاذ؟!!. وحين حاولت أن أقاطع المرشد أسكتنى مستكملا: حرف الباء من حروف القلقلة، ويا خوف قلبى من القلقلة واضطرابها، فنحن فى الإخوان لا نحب القلقلة وسنينها ، فقد ينتج عن القلقلة قلقلتنا عن كرسى الحكم وهذا شىء غير محمود، ومحمود هذا يا أستاذنا هو الأخ محمود عزت، وطبعا لا نستطيع أن نتكلم إلا إذا كان الأخ محمود حاضرا معنا ولو بالسيرة. فتحت فمى لأتكلم فقال المرشد بديع: وفوق هذا يا أستاذنا الفاضل، فإن حرف الباء هو حرف إذا تم تشديده بالشدة المغلظة، فإنه وأيمان الله التى لا أحلف بها كذبا، يتم نطقه مرتين، وهو طبعا أى حرف الباء كما تعرف جاء فى كربلاء مشددا لذلك، فإننى نطقته مرتين والأجر والثواب عند الله. لم أفتح فمى هذه المرة، ومع ذلك فإن المرشد استمر فى الكلام قائلا: هه ماذا تقول ؟، ما الذى سمعتك تتكلم؟. لم أنبث ببنت شفة، فإذا المرشد يستكمل وهو يخاطبنى: ما الذى أدخل زعيط فى معيط ؟!! هه أأنا فى نظرك "نطاط الحيط"؟!!، اتقِ الله يا أستاذنا فى أخيك المسكين بديع، وعلى العموم الله يسامحك. نظرت إلى المرشد متعجبا ثم قلت له وأنا أنظر لمحمد مرسى، الذى وجدته قد دخل فى حالة نوم عميق: لن أدخل معك فى مناوشات وسأقول لك وجهة نظرى على داير الحرف الواحد، يا سيدى كربلاء هذه كانت موقعة حربية حامية الوطيس وكان المتحاربون فيها كلهم يرفعون راية الإسلام، وكان معظم من يرفع الراية يقصد المُلك والحُكم والذى منه، فكانت هذه المعركة على ما فيها من القلقلة والاضطراب وما فيها من الشدة ( بكسر الشين) والتنطع، ما يجعلها معركة كرب ومعركة بلاء وما زلنا إلى الآن نكتوى بنارها ونار فتنتها رغم بعد الشقة بيننا وبينها. عاد بديع يتكلم وكأنه يواجه شبحا لا نراه : ماذا تقول؟، تتهمنى بالرغى وكثرة الكلام، تقول إننى لم أشرح لك ما هى تلك الليلة الليلاء التى بدأتُ بها كلامى!!، والله عندك حق، فرغم أننى المرشد العام وحكيم عصرى وأوانى، إلا أننى فاتنى من كثرة الأوجاع أن أحكى لك عن تلك الليلة الرهيبة، لا تؤاخذنى يا سيدى الأستاذ على هذا الرغى، ولكن بعض الحكمة تأتى من الرغى، ألم تسمع الشاعر الذى قال عنى: يرغى ويزيد بالقافات تحسبها *** قصف المدافع فى أفق البساتين ومع ذلك فأنا لا أرغى ولا يمكن أن يصفنى أحد الخبثاء بكثرة الرغى والذى منه، ولكن وعهد الله حدثت لى حادثة عجيبة هى من عجائب الدنيا السبع بل أنقح، هل تريد أن تعرف ما هى هذه العجيبة..عجيبة لماذا لا ترد علىّ؟، ألست من مقامك؟، نعم نعم عرفت.. أصابك الصداع.. هذا شىء عادى خاصة فى هذه الأيام التى تكثر فيها الهيصة، الدنيا هيصة يا أستاذ، أنا أراك تستمع لى بشكل جيد، شاطر يا أستاذ ، طبعا خيرت الشاطر هو أعظم شخصية فى مصر، بل فى العرب، بل فى المسلمين جميعا، بل فى العالم كله، يكفى أنه هو الذى ينفق علينا ويدبر الاتفاقات مع قطر. ثم استطرد: معلهش يبدو أننى قضيت على البقية الباقية من صبرك، ولكن أنا واثق من أنك ستتحملنى حتى تسمع قصتى العجيبة التى لم يمر بها بشر من قبل، فهى قصة من المستحيلات، قصة ولا فى الخيال يا بك، حتى أن ألف ليلة وليلة التى كانت تحكيها الأخت شهرزاد للأخ شهريار تعجز عن الوصول إلى خيال قصتى والذى منه. لا لا انتظر.. هى ليست قصة من الخيال ولكنها قصة من الواقع، ولكنها رهيبة أى والله رهيبة، حتى يظن الغافل من غرابتها أنها خيال وما هى من الخيال، لا يا أستاذ .. حِلمك يا شيخنا.. واحدة واحدة يا أفندى.. طيب أعطنى كفك أضع فيه كفى.. عهد من هذا؟، طب وعهد الله وعهد الله وعهد الله لقد حدثت لى القصة التى سأحكيها لك بحذافيرها.. اصبر يا أستاذنا لا تتعجل فإن العجلة من الشيطان.. والموتوسيكل من أنثى الشيطان.. هههه معلهش القافية تحكم ونحن أولاد بلد مثل بعض والذى منه.. حاضر يا سيدى سأترك الهذر وأتكلم فى الأمر الجلل الذى حدث لى، وسأحكى لك قصتى، ولكن عن طريق "الفلاش باك " بالتعبير السينمائى... يا لها من ليلة ليلاء وكأنها ليلة كربلاء.. تعرف ما هى الليلة الليلاء يا أستاذ، الليلة الليلاء هى يوم أن أصبح مرسى رئيسا لمصر، هى قصة ولا فى الخيال، هى قصة غريبة، هى قصة مذهلة، أصدقك القول يا سيدنا، وعهد الله وعهد الله، وحياة ربنا الذى جعل مرسى الآن نائما يأكل رز مع الملائكة.. أنظر إليه وهو يشخر، عليه شخرة يا أستاذ أطربت العالم عندما سمعها فى مؤتمر قطر، كان نائما نومة سرمدية، والنوم سلطان، لكن مرسى رئيس، نأتى لتلك الليلة الليلاء، الليلة التى أصبح فيها مرسى رئيسا، هى قطعا من أعجب ليالى التاريخ، سيحكيها الشعراء والأدباء والمؤرخون، ومع ذلك فإن مرسى لا يحكم، أنااااا يا أستاذ الذى يحكم، أناااا المرشد!!!. نفد صبرى فقلت له: لم أفهم شيئا من كلامك، ما الذى تريد قوله فى حكايتك؟.. قال المرشد وهو يبتسم ابتسامة عريضة: مرسى لا يحكم، ولكنه يتجمل.. ثم سكت المرشد، فقلت له: لم أفهم شيئا، هل هذه هى قصتك التى تريد أن تحكيها ؟!!. وهنا استيقظ الرئيس مرسى من النوم وهو يقول: لن تفهم شيئا من المرشد، سيأتيك من حيث تترفع أنت من أن تتدخل معه. وهنا أدركت أن مصر يحكمها سكان مستشفى المجانين بالخانكة، فأخذت ذيلى فى أسنانى وهربت، اهربوا معى.. اجرى يا مجدييييييييى .... أبو يكح الجوسقى..