أقبل عليَّ مهموما مطأطئ الرأس وبدا وقد تمكن منه اليأس.. فبادرته بالسؤال: ماذا بك؟ وماسبب مظهرك المرعب؟ قال: بلاش اقولَّك.. حالى يِدِلَّك.. هكذا كان ردُّه بذات النغمة الحزينة المؤلمة من مقام صبا الباكى كما غناها العندليب. قلت له مواسيا: الحال من بعضه ياصاحبي، ولا داعى لهذا المود الذي يودى بك إلى الرفيق الأعلى بسرعة الصاروخ. قال: أنا معك لكن كما يقول المصريون لوخيبة الناس السبت والحد، خيبتى أنا مش على حَد.. واستطرد قائلا: ياسيدي.. لى بعض المبالغ لدى التجار مقابل أعمال قمت بها، إذ أنك تعلم أننى أوزع بضائع للتجار بجانب وظيفتي.. قبل العيد طالبت بها، فإذا بالرد التاريخى المأثور "انت عارف أننا داخلين على عيد ومزنوقين والحالة طين". اضطر إلى التذَرَّع بالصبر إلى أن يمر العيد، ثم أعاود طلب حقي، فأصطدم بالرد الأزلى المعروف أيضا "انت عارف اننا خارجين من عيد ومزنوقين والحالة طين ".. أي أننى رحت في الكازوزة في دَخْلَة العيد وخَرْجَتِه، وصرت على حافة السقوط والغرق في بحر ارتفاع الأسعار الذي تلاطم أمواجه المطحونين أمثالي. قلت: كلنا في الهوا سوا.. قال: لا.. اصبر قليلا، ألم أقل لك إن الناس خيبتها السبت والحد وأنا خيبتى مش على حد؟ قلت: انت اكيد مليان وشايل.. احكى إيه اللى حصل؟ قال: الهانم عقدت العزم على قضاء إجازة قبل أن يمر الصيف في مصيف العين السخنة، وكان الحال قد بلغ بروحى إلى الحلقوم، ووصل إلى ما يستوجب التسول لهبوب عاصفة ارتفاع الأسعار، ومداهمة مباغتة للعيد وموسم المدارس، وأنا أدعو اللهم اسبغ علينا سترك، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا من حيتان الدروس الخصوصية.. فشلت كل محاولاتى لإلغاء فكرتها، أمام إصرارها بصورة وصلت إلى حد التهديد بالخُلع والثُّبور وعظائم الأمور. سلمت أمرى لله ووافقت، لكن ربك ألهمنى بفكرة في خطة جهنمية تجبرها على إلغاء المصيف، وقررت تنفيذها في وقت قاتل بحيث يجبر المفترية على إلغاء الرحلة. حانت ساعة الصفر وكانت لحظة ركوبنا أنا وهى والعيال ميكروباص خاص استأجرناه لتوصيلنا للعين السخنة.. وضعنا الحقائب وكل الأغراض في الميكروباص وصعد العيال وأمهم، ووقفت انا عند باب الميكروباص ألقى نظرة أخيرة للاطمئنان على الأغراض والعيال، وفجأة تظاهرت بأننى على وشك الدخول في حالة إغماء، وألقيت جسدى على الأرض كما لو كان جوال قلقاس سقط من عربة كارو مسرعة، ثم تظاهرت بأننى قطعت النَّفَس، فصرخ العيال هَلَعًا، ونزل سائق الميكروباص مسرعا نحوي، وهَمَّ بحملى قائلا لنذهب به إلى مستشفى عين الصيرة فورا، ابن عمى عامل نظافة هناك وهايخدمنا.. كانت زوجتى واقفة في شموخ وثبات يوحيان بأنها ستواجه الموقف بتعقل وتفكير صائب.. فقالت للسائق ولا ابن عمك ولا ابن خالك، شيله وحُطُّه في الميكروباص وعلى ما نوصل العين السخنة يكون فاق. انتهى من حكايته العجيبة، فوددت التخفيف عليه وقلت هون عليك ياعزيزي.. أزمة تفوت ولاحد يموت.. قال بضجر واضح: ياعم انت مش عارف حاجة انا مابقيتش قادر على استمرار العيشة مع المفترية دي، بقيت حاسس إنى عايش مع واحد صاحبى مش مع واحدة ست لطيفة رقيقة حنينة.. فقلت لابد أن تستمر الحياة.. فانتفض وصاح بغضب شديد: انت هاتعمل زى الشيخ اللى قالوا له الحَق يا مولانا هايقَنِّنوا زواج الرجالة الشواذ؟!! فقال ببرود شديد وماله يااخوانَّا مش أحسن مايعيشوا مع بعض في الحرام!