اختلفت الآراء في تحديد المكان الذي دفن به رأس الحسين -رضي الله عنه- بعد مقتله بمدينة كربلاء بالعراق، روايات عديدة تواترت على ألسنة المؤرخين بعضها قوي مستند إلى تحليل للأحداث لكنها لا تجزم بالصحة رغم قوتها ، وبعضها الآخر ضعيف لا يؤدي إلى حقيقة ، ومازال مدفن رأس الحسين مرتبطاً بهذه الروايات، وحتى الآن لا توجد معلومة مؤكدة . الرواية الأولى تقول إن رأس الحسين موجود بمدينة كربلاء ودفن بها مع جسده بعد مقتله ، وهذه الرواية هي المتواترة على ألسنة طائفة الشيعة الإمامية، الذين يعتقدون أن رأسه عاد إلى كربلاء مع أخته السيدة زينب بعد أربعين يوما من مقتله، ودفن مع جسده بعدما تم إرساله معها ليزيد بن معاوية خليفة دمشق ، وقيل في هذه الرواية إنه من المستبعد أن يعيد يزيد بن معاوية رأس الحسين مع السيدة زينب إلى كربلاء مرة أخرى حتى لا يثير حفيظة أهلها الشيعيين . وتقول رواية ثانية: إن رأس الحسين حينما وصل دمشق إلى يزيد بن معاوية مع السيدة زينب وآل البيت أمر بإرساله معهم إلى عامله في المدينة « عمرو بن سعيد» فكفنه وأمر بدفنه ب « البقيع» عند قبر أمه السيدة «فاطمة» وأخيه «الحسن» رضي الله عنهما، وبالرغم من أن الإمام «البخاري» يؤيد صحة هذه الرواية ووجود رأس الحسين بالفعل في المدينة ، إلا أن المؤرخ «المسعودي» اختلف مع هذا الرأي مدللا على ذلك بأن القبر مكتوب عليه « هذا قبر فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين ، والحسن بن علي بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين بن علي ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين» ، ومعنى ذلك أنه لو كان رأس الحسين مدفونا معهم لكتب اسمه بينهم . أما الرواية الثالثة فهي رواية تتواتر على ألسنة طائفة الشيعة الإسماعيلية وكثير من أهل السنة بأن رأس الحسين مدفون بدمشق بعد أن كان موجودا في خزائن سلاح الدولة الأموية. ومن الدلالات التي يؤكد بها أصحاب هذه الرواية وجود رأس الحسين بدمشق هي شهادة «المقريزي» في كتبه بأن رأس الحسين صلب لمدة ثلاثة أيام بدمشق ، ثم وضع في خزائن السلاح ، وهناك آراء تؤيد هذا الأمر مستندة إلى أن يزيد بن معاوية استقر بالرأس في دمشق بعد وصوله إليه من كربلاء، ولم يأمر بالطواف به في البلاد بقصد التشفي في الحسين كما يقال ، لأنه لو فعل ذلك لأدى لانقلاب الناس عليه من أنصار الحسين وأنصار يزيد نفسه لأنهم كانوا يحبون الحسين ويعظمونه ويأسفون على مقتله، بالإضافة إلى أن من مصلحة يزيد وقتها إخماد فتنة قتل الحسين ولهذا احتفظ برأسه في خزائن السلاح. ويحكي المؤرخ «الذهبي» رواية عن « أبي كرب» قال فيها«إنه كان من الذين سرقوا الخزائن ، ولما أخذ سرقته وهرب بفرسه بعيدا قام بفتحها كي يعرف نصيبه من السرقة فوجدها رأس الحسين ملفوفا بقطعة قماش ومكتوبا عليها «هذا رأس الحسين»، فقام بحفر الأرض بسيفه ودفنه ، فهذه الحكاية تعتبر دليلا على أن رأس الحسين كان موجودا بمخازن السلاح، ويقال أيضا في هذه الرواية إنه لما تولى «سليمان بن عبد الملك» الحكم أتى برأس الحسين من خزائن السلاح وهو عظم أبيض، ثم كفنه ودفنه في مقابر المسلمين . وتقول الرواية الرابعة إنه بعدما دفن سليمان بن عبد الملك رأس الحسين في مقابر المسلمين نبش في القبر، وأخذ رأس الحسين منه، ونقل إلى مدينة «عسقلان» بفلسطين، وهي الرواية المستندة على أن يزيد بن معاوية أمر بطواف رأس الحسين في البلاد، والتي يقال فيها إنه وصل من هذا الطواف إلى عسقلان واستقر ودفن بها . أما الرواية الخامسة فتقول: إنه لما دخلت عسقلان في حروب مع الفرنج اشتراها «الصالح طلائع بن رزيك» وزير الفاطميين بثلاثين ألف دينار، ونقلها إلى مصر، ثم وضعها في كيس حرير أخضر على كرسي من خشب الأبنوس وفرش تحتها المسك وبني عليها الضريح الموجود الآن بمسجد الحسين بالقاهرة ، وبنى لها مسجدا خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر المعروف بجامع «الصالح طلائع»، ويؤيد هذه الرواية جمهور كبير من المؤرخين مثل «القلقشندي» و«ابن ميسر» و«علي بن أبي بكر» و«ابن إياس» و« سبط الجوزي»، ويؤيدها أيضا الحفائر التي تمت سنة 1945 والتي كشفت عن وجود مبان بجوار الجهة الشرقية للواجهة البحرية لجامع الصالح طلائع عليها كتابات أثرية مثل «ادخلوها بسلام آمنين»، وأن هذه العبارة دليل على وجود رأس الحسين لأن مثل هذه العبارات تكتب عادة على مداخل المدافن، ولهذا تم ترجيح أن رأس الحسين كان موجودا بعسقلان ثم نقل إلى القاهرة . وهناك رواية سادسة تقول: إن رأس الحسين دفن بمسجد « الرقة » بالفرات ، وهي رواية أجمع المؤرخون أنها ضعيفة لأن مدينة الرقة التي فتحها العرب سنة 18 ه استمرت خاضعة تحت الحكم الإسلامي ولم يثبت أن أحدا من خلفاء بني أمية قد بنى مسجدا بمدينة الرقة ووضع به رأس الحسين . وتقول رواية سابعة- يرى المؤرخون أنها ضعيفة بأن رأس الحسين موجود ب « حلب» في وسط جبل « جوشن» وأن الملك الصالح بن الملك العادل نور الدين قد بنى عليه ، لكن لم يذكر متى وكيف جاء رأس الحسين لحلب وهذا ما أضعف صحة هذه الرواية . أما الرواية الثامنة فتقول: إن رأس الحسين يوجد بمدينة «مرو» بخراسان ، وهذه الرواية أيضا ضعيفة من وجهة نظر المؤرخين ولا تقبل الصحة لأن أبا مسلم الخراساني الذي قيل إنه نقل الرأس من دمشق إلى مرو وعندما استولى عليها لم يكن موجودا بالشام وقت فتحها، وكان موجودا بخراسان والذي فتح دمشق هو الخليفة « عبد الله بن علي بن العباس». تعليقا على هذه الروايات يقول الدكتور أحمد التوني- أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة المنيا- إن الروايات التي قيلت عن مكان رأس الحسين متضاربة ، مشيرا إلى أن الدكتورة سعاد ماهر أكدت فى كتابها «مساجد القاهرة وأولياؤها الصالحون» أن رأس الحسين ليس موجودا فى القاهرة، وإنما ارتباط القاهرة برأس الحسين يرجع إلى أنها كانت ولاية تابعة للدولة الأموية ، وتابع: إنه بعد مقتل الحسين أخذ رأسه وأطيف به في الأقاليم التابعة للحكم الأموي، حيث أرسله يزيد بن معاوية بهدف تخويف كل من يتبع آل البيت وإظهار قوة الدولة الأموية، بالإضافة إلى التشهير بمقتل الحسين، مؤكدا أن الرواية الأقرب إلى الصحة هي إما أن يكون قد دفن فى مدينة نجف أو كربلاء بالعراق ، مشيرا إلى أن هناك احتمالين وهما إما أن يكون الرأس الذي طاف الولايات الإسلامية مثل عسقلان والقاهرة هو رأس الحسين نفسه أو رأس أحد غيره وكما أن فكرة الطواف بالرأس والعودة به دون أن يفسد أو يتحلل ربما يرجع هذا الأمر لحفظ الله له، نظرا لأن الحسين من أهل البيت ومن أولياء الله الصالحين ، مستشهدا بقول الله تعالى فى كتابه العزيز «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ، وتابع التوني: من الصعب الحصول على رواية صحيحة تدل على الموطن الحقيقى لرأس الحسين وجسده ، وذلك لأن التاريخ الإسلامي كانت بداية كتابته فى عهد الدولة العباسية وبحكم الخلاف بينها وبين الدولة الأموية ربما قد كتبت وقائع مخالفة لما حدث فى عهد الأمويين، بالإضافة إلى الخلاف الدائر بينها وبين الخلافة الراشدة، حيث كان هناك معارك شديدة بين سيدنا علي وبين معاوية، فبعد انفراد الأخير بالحكم أراد أن يثبته وأخذ البيعة لابنه يزيد فمعظم ولايات الشام كانت موافقة ما عدا آل البيت ، وانتهى الخلاف باستشهاد الحسين فى كربلاء سنه 61 ه حتى يتم الضغط على باقى الولايات منها مصر والحجاز لأخذ الولاية بالقوة وكان الصراع بين العلويين والأمويين محتدماً. تقول الدكتورة نادية حسنى- أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: إن هناك العديد من الروايات التى اختلفت علي موطن رأس الشريف الحسين بن على رضي الله عنهما ، فمنها أن الرأس أعيد إلى الجسد بعد أربعين يوما ودفن معه فى كربلاء ، ومنها أنه دفن فى المدينة، وأنه دفن عند باب الفراديس بدمشق ثم نقل إلى عسقلان ومنها إلى القاهرة فى آخر العصر الفاطمي . وتؤكد الدكتورة نادية أن أقرب الروايات المنطقية للعقل أن الرأس أعيد إلى كربلاء بعد أربعين يوما، ودفن مع جسده الشريف، فبعد مقتله وذبحه تم حمل الرأس إلى الوالي، ومنها إلى الخليفة يزيد بن معاوية فى دمشق، ثم تم إعادته مرة أخرى ليدفن فى كربلاء، ولكن هناك أيضا بعض الروايات التي تدل على أنه استقر فى القاهرة فى مسجد الحسين الموجود بالقرب من خان الخليلي ، وهي روايات تحمل الصحة. الدكتورة نادية تشير إلى أنها شهدت العراقيين وهم يحتفلون بيوم إعادة رأس الحسين، وأن ذلك كان قبل مقتل الرئيس صدام حسين، حيث يوجد داخل مسجد كربلاء منطقة على شكل مثلث يقولون إنها تحتوى على الرأس والجسد، ومع كثرة هذه الروايات فليس لدينا دليل قاطع إلى أن تقوم الساعة. واختلف الشيخ عبد الخالق الشبراوى- شيخ الطريقة الشبراوية- مع هذا الرأى مؤكدا أن رأس الأمام الشريف الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما مدفون بمرقده بمسجد الحسين بالقاهرة،مدللا على ذلك بما وصل إليه الشيخ عبد الله الشبراوى فى كتابه «الاتحاف بحب الأشراف» فذكر الشيخ الشبراوى أن العلامة الشعرانى قال: إن الوزير طلائع بن رزيك أنفق 30 ألف دينار ليخلص رأس الحسين، ونقله إلى مصر وبنى عليها المشهد الشريف وخرج مع عسكره حفاة نحو الصالحية من طريق الشام يتلقون الرأس الشريف. وأشار عبد الخالق الي أن الشيخ الجليل الشبراوى ذكر أيضا فى كتابه انه كان يزور مسجد الحسين فى القاهرة كثيرا، وفى إحدى المرات حضر معه شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشلبى الحنفى، وكان الشلبى لا يعتقد فى هذا المشهد تبعا لأهل التاريخ، فلما جلس ثقلت رأسه ونام، فرأى خادما يخرج من الضريح وذهب ماشيا إلى الحجرة النبوية ،فوقف على رأس النبى صلى الله عليه وسلم وقال :يارسول الله أن عبد الوهاب وأحمد الحنفى عند رأس ابنك السيد الحسين يزورانه..فقال رسول الله تقبل الله منهما..ثم أفاق أحمد الحنفى صارخا، وهو يقول آمنت وصدقت أن رأس الحسين هنا وداوم على زيارته حتى توفاه الله. وتابع عبد الخالق قائلا: إن العلامة تقى الدين المقريزى ذكر فى كتابه «المواعظ والاعتبار فى الخطط والآثار» أنه فى شهر شعبان سنة 491ه خرج الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالى بعساكره إلى بيت المقدس، يطلب من الأتراك تسليمه رأس الحسين فلم يجبه أحد فهاجم الأفضل المدينة ودخل عسقلان، ووجد بها مكانا فيه رأس الحسين فأخرجه وعطره وحمله إلى مشهد بناه والده بدر الجمالى فى عسقلان،حيث حمله الأمير سيف المملكة تميم ومعه المؤتمن بن مسكين والى عسقلان والقاهرة فى يوم الأحد الثانى من جمادى الآخر سنة 548ه إلى أن وصلا إلى القاهرة واستقر الرأس فى مكانها بالقرب من حى الجمالية يوم الثلاثاء 10 من جمادى الآخر من ذاك العام. الشيخ عبد الخالق يقطع حديثه بإن كل من يدعى أن رأس الإمام ليس مدفونا بمرقده فى مسجد الحسين بالقاهرة هم من مشجعى عودة الدولة الأموية التى تعدت على آل البيت وأطاحت برأس الإمام. ---------------------------------------- المصدر: كتاب «أهل البيت-الحسين بن على» للدكتور توفيق أبو علم