عندما طبقت الحدود فى عهد الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» كان المسلمون يرون فيها تطهيرا من الذنوب، وكان المذنب يأتى إلى الرسول ليتطهر من ذنوبه، وليس ليقام عليه الحد، وكان الرسول يتلمس لهم الأعذار، ويؤخرهم لعل الله يقضى فيهم أمرا.. وفي السطور التالية نعرض أهم الحدود التي تم تطبيقها وتلك التي لم تطبق في عهد النبي صلي الله عليه وسلم: الحدود التى طبقت فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي: حد الزنى: طبقه النبي على امرأة من جهينة جاءت إليه وهى حبلى من زني وأخبرته بأنها زنت وقالت له اصبت حدا أى أنها قامت بعمل يستوجب اقامة الحد، فطلب الرسول وليها، وقال له اكرمها واحسن إليها حتى تضع مولودها ثم آتنى بها، ومضى زمن وجاء بها وليها، وقد وضعت فقال له اذهب بها حتى تنتهى من رضاعته رحمة بالمولود، ففعل ومضى زمن وجاء بها الى الرسول وقد انتهت من رضاعته فقال له اذهب بها حتى يستقوى الطفل بنفسه ومضى زمن وجاء بها وليها الى النبى (صلي الله عليه وسلم) فأمر بها النبى (صلي الله عليه وسلم) وشد عليها ثيابها واقيم عليها حد الرجم وصلى عليها الرسول الرحيم صلاة الجنازة بنفسه حتى أن عمر بن الخطاب قال له: يانبى الله اتصلى عليها وقد زنت؟! فقال له: ياعمر لقد تابت توبة نصوحة لو قسمت على سبعين من اهل المدينة لوسعتهم. وفى قضية «ماعز» من قبيلة «أسلم» الذى جاء إلى أبي بكر الصديق فى عهد الرسول، فقال إنى زنيت فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري فقال لا، فقال له أبو بكر فتب إلى الله واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فلم تقر نفسه فأتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فلم تقر نفسه حتى جاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فقال: يارسول الله إنى زنيت فأعرض عنه ثلاث مرات، حتى كثر على الرسول فبعث رسول الله إلى أهله فقال لهم: أيشتكي مرضا أم به جنون فقالوا يا رسول الله لقد فعلها فقال رسول الله: أبكرٌ أم ثيب فقالوا بل ثيب فأمر به رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فرجم فلما صلوا على «ماعز» ودفنوه، مر النبي على موضعه مع بعض أصحابه ،فسمع النبي رجلين يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلاب، فسكت النبي «صلى الله عليه وسلم» ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه،فقال صلى الله عليه وسلم: أين فلان وفلان على الرجلين ، قالا نحن ذا يا رسول الله، قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالا: يا نبي الله غفر الله لك.. من يأكل من هذا؟ فقال «صلى الله عليه وسلم» ما نلتما من عرض أخيكما ماعزا أشد من أكل الميتة لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لوسِعتهم والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها. وكان أول حد للزنى طبقه الرسول عندما مر برجل من اليهود مجلودا فسأل الرسول أحد أحبار اليهود هل هذا الحد تجدوه فى كتابكم التوراة فقال أجل فقال له الرسول انشدك بالذى أنزل التوراة على موسى هل هذا ماتجدوه فى التوراة فقال الحبر اليهودى مادمت حلفتنى فما نجده فى التوراة هو الرجم ولكن الزنى كثر فى اشراف اليهود فلم نستطع أن نقيمه عليهم ونتركه ورأفة بالفقير نجلده فرفع الرسول يده وقال «اللهم إنى اول من احيا امرك اذا أماتوه وأمر يرجم الزاني بعد أن عرف أنه محصن» وهو الحد الذى نزل فيه القرآن وقد نزلت آية كريمة تثبت موقف الرسول فى سورة المائدة « ياأيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم» ومن بعدها كان اليهود يحتكمون الي رسول الله فى عقوباتهم وكان الرسول الكريم يحكم بما أنزل الله فيهم ،فقال تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما». حد السرقة: طبقه الرسول «صلي الله عليه وسلم» على المرأة المخزومية فقد حدث أن امرأة من أشراف قبيلة «بنى مخزوم» سرقت في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فسارع قومها إلى أسامة بن زيد يتشفعون به لما له من قربى وحب وود الى قلب رسول الله وطلبوا منه أن يَتدخَّل لهم لدى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلما كلَمه أسامة فيها،تلون وتغير وجهه: أتُكلمني في حد من حدود الله فقال أسامة استغفر لي يا رسولَ الله وبعد ان فرغ الرسول الكريم من صلاة العشاء، قام رسول الله خطيبًا، فأثنى على الله بِما هو أهلُه ، ثم قال : أما بعد، فإنما أهلك النَّاس قبلكُم أنَّهم كانُوا إذا سرق فيهم الشريف تَركُوه ، وإذَا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نَفس محمد بيده ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ثم امر رسول الله بتلك المرأة، فقطعت يدها.. فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. وفى قضية عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس الذى جاء إلى رسول الله «صلَّى الله عليه وسلَّم»، فقال : يا رسول الله ، إنَّي سرقْت جملا لبني فُلان فأرسلَ إليهم النَّبي ليسألهم إن كان قد سرق منهم جملا فقالوا إنَا افتقدنا جملا . فأمر به النَبي «صلَّى الله عليه وسلم» فقطعت يده حتى ان ثعلبة قال اذا أنا نظرت الى يدى قلت الحمد لِلَّه الذي طهرني منك قبل أن تدخلي جسدي النار. وفى قضية اخرى سرق من صفوان بن امية ابل من «حرزة» فرفعه إلى النبي «صلى الله عليه وسلم» فأمر الرسول بقطع يد السارق فقال يا رسول الله قد عفوت عنه فقال له الرسول أفلا كان قبل أن تأتينا به فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحدود التى لم تطبق فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: حد شارب الخمر: وهذا الحد لم يطبقه الرسول بل خالفه وطبق الأيسر منه حيث جيء للرسول بأحد الاشخاص فى المدينةالمنورة قد شرب الخمر وذلك بعد نزول آية تحريم شربها وجيء به إليه يقتاده الصحابى عمر بن الخطاب حتى أقعده بين يدى الرسول الكريم وقال يارسول الله هذا الرجل قد شرب الخمر فما حكم القرآن فيه؟ فقال الرسول اضربوه فقام ابو هريرة فقال أيضرب بسوط أم بيدنا فأومأ النبى الكريم على أن يضرب باليد فقام الصحابة فمنهم من ضربه بيده ومنهم من ضربه بنعله ومنهم ومن ضربه بعصا «ثم قام الرسول خطيبا فى الناس وقال «من شرب الخمر فاجلدوه» وكان أول من أمر بجلد أربعين فى حد شرب الخمر هو ابو بكر الصديق «رضى الله عنه» اما عمر بن الخطاب فقد جعلها مضاعفة بثمانين جلدة» على التابعى قدامة بن مظعون الذي شرب الخمر فأمر عمر بن الخطاب بجلده فقال له أتجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله؟ فقال عمر وأي كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ فقال له إن الله تعالى يقول في كتابه «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين» فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، وقد شهدت مع رسول الله بدرا وأحد والخندق فنظر عمر الى الصحابة وقال: ألا تردون عليه ما يقول؟فقال ابن عباس «رضي الله عنهما» إن هذه الآيات نزلت عذرا للماضين وحجة على المنافقين؛ لأن الله تعالى يقول «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون»، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإن الله قد نهاه عن أن يشرب الخمر ،فقال عمر رضي الله عنه صدقت، ماذا ترون؟ فقال علي رضي الله عنه إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة. فأمر به عمر رضي الله عنه - فجلد ثمانين. حد الردة : وهذا الحد عرفه الرسول الكريم «صلي الله عليه وسلم» ولم يطبقه وقد حدث كثيرا فى عهده سواء كان كفرا صريحا ام ايحاء والآيات التى تدل على ذلك كثيرة منها ما نزل فى قوم من المسلمين جلسوا مع الكفار وهم يسيئون للاسلام فنزل قوله تعالى «قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون لاتعتذرو قد كفرتم بعد ايمانكم» وهذا كفر صريح نزل به القرآن فى هؤلاء القوم ولم يطبقه الرسول على هؤلاء, كما أن هناك حادثة أخرى وهى عندما زحف ثلث الجيش فى غزوة احد وولى الادبار والاسلام يرى ان تولى الادبار فى القتال من الموبقات السبع التى تخرج عن الملة إمن كان لديه خطة يسير عليها ولكن ثلث الجيش تولى الادبار وهو مهزوم وفى هذا خروج من الملة ولم يطبق فيهم الرسول حد الردة .