حالة من القلق والضبابية شهدها قطاع الطيران المدنى خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك على خلفية قرار شريف فتحى وزير الطيران المدنى بعقد صفقة تتضمن شراء طائرة من طراز بوينج 737/800 وإيجار 8 طائرات أخرى من نفس الطراز لمدة 12 عاما، بمبلغ 865 مليون دولار. البعض اعتبر صفقة "الشراء والتأجير" من "بوينج" صفقة مشينة ويجب محاسبة الوزير الذي اتخذ القرار، وقدم أصحاب هذا الرأى سببا يقوى جانبهم ويتمثل في أن سعر بيع الطائرة في المصنع يعادل 48 مليون دولار بينما بلغ سعر إيجار الطائرة الواحدة 96 مليون دولار وهو ضعف سعر البيع، ما يجعل الأمر مثارا للحيرة والقلق خاصة وإن الوزير التزم الصمت. تجدر الإشارة هنا إلى أن عقد الصفقة ذاتها نص على عودة الطائرات المؤجرة بعد 12 سنة بنفس حالتها وقت الاستلام، وهو ما يعنى إجراء "عمرة" للطائرات بما يعنى تكلفة جديدة على مصر للطيران تضاف إلى قيمة الإيجار رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الشركة الوطنية والتي كادت أن تعصف بها في مهب الريح بسبب الخسائر التي بلغت 15 مليار جنيه، وديونها المتراكمة والتزاماتها المالية لدى العاملين شهريا والتي تصل إلى نصف مليار جنيه، وأسطولها المتواضع والذي خرج نصفه من التشغيل بسبب عمره الافتراضى. المثير في الأمر هنا أنه في مقابل الأصوات التي خرجت لتشكك وتحذر من الصفقة –التي وصفها البعض بالمشبوهة- التزم وزير الطيران المهندس شريف فتحى الصمت تفاديا لمواجهة الأمر، واعتقاده أيضا أن الأيام من الممكن أن تدور دورتها الطبيعية ويدخل موضوع الصفقة برمته في "دائرة النسيان"، أو أنه يدرك أن موقفه قوى ولا يستحق أن يتكبد عناء الرد على كل ما يثار حول الصفقة. والمتعارف عليه أن "مصر للطيران" عندما تقرر شراء طائرات تبدأ بالحديث مع بوينج وإيرباص وميتسوبيشى والكندى والبرازيلي، وتحدد الطائرة والسعة التي تريدها، بعدها تبدأ الشركات في إرسال عروضها، ومن هنا يبدأ التفاوض للوصول إلى أفضل سعر وعندما تصل الشركة الوطنية لأفضل سعر يتم تسديد المقدم (العربون) وطبيعى أن سعر الطائرة أو الصفقة يختلف حسب مواعيد التسليم فسعر اليوم يختلف عن سعر الاستلام بعد عدة سنوات. عند دفع العربون يتم حجز الطائرة أو الصفقة وهنا تكون مصر للطيران قد قامت بالشراء وتم دفع العربون ثم تأتى بعد ذلك المرحلة الثانية سداد القيمة حسب العقد، خاصة أن الشركات الصانعة للطائرات تحصل على قيمة صفقاتها لشركات الطيران عند تسليم الطائرات. من هنا تأتى أزمة مصر للطيران فهى في حاجة ماسة لطائرات جديدة وفى الوقت ذاته ليس لديها سيولة مالية بمعنى أنها لا تمتلك مقدرة دفع تكلفة الطائرات نقدًا فتم مخاطبة البنوك المصرية والعالمية لتمويل صفقة الطائرات الأخيرة وتأتى العروض. تجدر الإشارة هنا إلى أن أفضل عرض تسلمته مصر للطيران كان من بنك BOC الصينى وكان في شهر مايو عام 2015 الماضي، وتم عرض شروطه على مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، وتمت الموافقة على كافة شروط البنك الصيني، ودفعت مصر للطيران العربون للبنك الصينى وقيمته 20 مليون دولار واستمر البنك يتفاوض مع مصر للطيران حتى شهر مارس الماضي. وكانت المفاجأة حيث أرسل البنك الصينى رفضًا بالتمويل وتم استرداد العربون، وهنا أدركت الشركة الوطنية أن الوضع الحالى ليس في صالحها والأمور تزداد تعقيدًا فهى في حاجة لصفقة الطائرات وإلا تنتهى هذه الشركة وليس لديها سيولة مالية ووضعها المالى في أسوأ حالاته. من جانبها لجأت مصر للطيران للتفاوض مع بوينج وهى في موقف صعب وضعيف وسددت العربون وقيمته 20 مليون دولار والبحث عن ممول للصفقة قبل شهر يونيو 2016، وجاء العرض من شركة دبى لصناعة الطائرات بمثابة طوق النجاة لمصر للطيران لإنقاذ صفقة الطائرات والذي يعد الأفضل من العرض الصيني. أيضًا يجب التنويه إلى أن الموقف المالى لشركة الطيران هو الذي يؤهلك إلى نوعية التمويل والذي يتضمن أولًا التمويل التجاري، وهو أن تقوم مصر للطيران بشراء الطائرة وتظل ملكيتها لك والبنك ليس له صلة بالطائرة، ويكون هذا النوع دائما إما بضمان حكومى أو أصول الشركة والفائدة متغيرة وميزة التمويل التجارى تتمثل في زيادة رأسمال الشركة، أما من عيوبه أنه يضع على الشركة ديون ويجعلها في وضع مالى حرج نتيجة لارتفاع الأصول والديون أعلى من ارتفاع الأصول. أما النوع الثانى فهو "التمويل الإيجاري" وهو أن تأخذ طائرة وتقوم بتسديد الأقساط وتتفق على أن الطائرة إما تشتريها أو تعيدها بحالاتها. وأخيرًا الإيجار التشغيلى وهو أن تقوم الشركة بدفع الإيجار ومصاريف الصيانة شهريا وهذا ما تم بالنسبة لصفقة الطائرات الجديدة، والتي لم تكن الأولى من نوعها في الشركة الوطنية حيث تم دعم الأسطول في عام 2012 ب6 طائرات جديدة من طراز بوينج 777 إيجار تشغيلى بتمويل من شركة جى كاس الأمريكية لمدة 10 سنوات. ووفقا لكل ما سبق علينا الاتفاق أن الموقف المالى لمصر للطيران في وضع سيئ وخطير ويجب وضع حلول سريعة لإنقاذ الشركة من الانهيار وفقدان تاريخ وريادة والشركة التي لا تملك قدرة في الشراء وإغلاق منافذ التمويل تصبح في حالة يرثى لها ولا بد من طوق نجاة، وكان لا بد من النهوض بالشركة قبل فوات الأوان، ولهذا فتم الاتفاق على شراء طائرة وتأجير 8 طائرات بنظام تمويل الإيجار التشغيلى سيتم استلام أولى الطائرات من الصفقة الجديدة منتصف ديسمبر المقبل وآخر طائرة في ديسمبر 2017 والطائرة تتضمن 154 مقعدًا بينهم 16 لدرجة رجال الأعمال والباقى للدرجة السياحية وقد تقرر تشغيلهم على خطوط أوروبا. يبقى أن نكشف أن أسطول مصر للطيران الفعلى حاليًا 54 طائرة فقط ويخدمهم 34 ألف عامل نفس العدد يخدم 200 طائرة، وشركات الطيران في دول الجوار والدول الأفريقية تتضاعف أعداد طائراتها بعضهم وصل إلى 300 طائرة للشركة الإثيوبية والتركية، ونحن ما زلنا نبحث عن ممول عند شراء أو إيجار طائرات. مصر للطيران لا بد من دخول أسطولها 20 طائرة جديدة في عام 2018 فهل تنجح في ذلك؟ وهل الطائرات الجديدة عن طريق التمليك أو الإيجار التشغيلي. على العموم لا تقوم شركة طيران على تأجير كامل، لا بد من وجود قوة في الأصول، وهذا ما افتقدته مصر للطيران في الوقت الحالى حيث كانت أصولها 26 مليار جنيه أصبحت الآن 6 مليارات فقط، وهذا يستلزم دفع الشركة الوطنية إلى الأمام حتى تستمر في سوق النقل الجوى وتكون قادرة على المنافسة.