بين حماس الثورة وفوران الشباب يقبع المربع الذي يحيط بمبنى البورصة المصرية بمقاهيه الواقعة بين شارعى علوى باشا والقاضى الفاضل التى يتجاوز عددها اثنتى عشرة مقهى، روادها فى الغالب الأعم شباب متمرد على الواقع يرفض الاستكانة والرضوخ للأوامر، يثور على كل شيء لا يرغبه بما فى ذلك الأعراف والتقاليد التى لم تسلم من تمرد فتية يؤمنون بأن الحياة مع الروتين موت أكيد.. أقدم مقاهى تلك المنطقة هو مقهى عم فتحى فقد أنشيء فى الستينيات من القرن الماضى، يليه فى العمر نادى الشباب الذى تجاوز الأربعين سنة، ويأتى ثالثا فى الأقدمية من حيث الزمن مقهى زيزو،كما تنتشر فى مربع البورصة مقاهى: سبورت كافيه، طيبة، سهر الليالى، الأصدقاء، شانتيه، كاظم باشا، فرافيش، البورصة، الركن الجنوبى، الإذاعة، ساعة صفا، وثرى إم. كانت منطقة البورصة مجرد مكان عادى جدا، وكانت المقاهى الموجودة بها تؤدى خدماتها لموظفى البورصة والبنوك المحيطة بالمكان، ورواد منطقة وسط القاهرة، لكن تحولت تلك المقاهى إلى ملتقى للسياسيين والشباب الثورى مع إنشاء مقهى الأصدقاء على يد الناشط السياسى عصام الشريف مع بداية عام 2000، وقد استطاع الشريف جذب أصدقائه من النشطاء السياسيين والشباب الثورى إلى المكان، حتى تحولت منطقة البورصة إلى مركز لتفريخ الشباب الثورى، وكان إضراب 6 إبريل عام 2008 بمثابة الميلاد الثانى للحالة الثورية لتلك المقاهى، لأنه تم إلقاء القبض على عدد من الشباب الذين شاركوا فى هذا الإضراب من على تلك المقاهى، ومن هذا المكان انطلقت حركة شباب 6 إبريل تعلن التمرد والعصيان على نظام ديكتاتورى قمعى، وتضع منطقة البورصة بمقاهيها على أعتاب مرحلة أخرى من تاريخها. عبدالرحيم الشريف صاحب مقهى الأصدقاء يؤكد أن اضراب 6 إبريل عام 2008 وما تبعه من إلقاء القبض على الشباب الثورى كان البداية الفعلية لتحويل مقاهى البورصة إلى ملتقى للشباب الثوريين حتى قيام ثورة 25 يناير، وبعد اشتعال الثورة تحولت تلك المقاهى إلى ملتقى لشباب المحافظات القادم للمشاركة فى الثورة مع النشطاء السياسيين والصحفيين المهتمين بالشأن السياسى، ويشير الشريف إلى أن الثورة ضد حكم العسكر خرجت من مقاهى البورصة، مؤكدا أن النقاشات كانت تحتدم بين النشطاء السياسيين على تلك المقاهى بعد الثورة، وأنه كان يجرى تحليل وتفسير كل الإجراءات والممارسات التى كان يمارسها المجلس العسكرى يوميا. أضاف الشريف أن مقاهى البورصة تحولت فى السنوات الثلاث الأخيرة من عمر حكم مبارك إلى صداع فى رأس النظام، وذكر أن الدكتور على الدين هلال قال إن المربع اللى حوالين البورصة ده احنا ممكن نولع فيه, مؤكدا أن جماعة الإخوان المسلمين تحاول تكميم أفواه النشطاء السياسيين كما كان نظام مبارك يفعل بالضبط، واصفا القرار الذى اتخذه محافظ القاهرة بغلق المحلات والمقاهى فى العاشرة مساء بالقرار السياسى الذى يستهدف أماكن تجمع الشباب الثورى، مؤكدا أن كل تلك المحاولات لن تجدى شيئا، مشيرا إلى أن الشباب الذى أنهى حكم مبارك يرفض أيضا حكم المرشد ويرفض حكم الديكتاتور. سامى عبدالكريم صاحب مقهى الإذاعة بمنطقة البورصة, أكد أن الثورة كانت تدار من على تلك المقاهى، مشيرا إلى أن النشطاء السياسيين وشباب الثورة كانوا يذهبون إلى الميدان ويعودون إلى مقاهى البورصة لمتابعة الأخبار على القنوات الفضائية، وأكد أنه خلال أيام الثورة لم تكن المقاهى تكفى عدد الرواد، مشيرا إلى أن منطقة البورصة شهدت صداما عنيفا بين قوات الأمن المركزى والمتظاهرين فى ليل الخامس والعشرين من يناير عام 2011 مؤكدا أن مدير أمن القاهرة الأسبق اللواء إسماعيل الشاعر هاجم تلك المقاهى بقواته، وكان يقطع الطريق على المتظاهرين من ناحية شارع علوى باشا، وقال إن مقاهى البورصة كانت تقدم دعمها للثوار أثناء اعتصامهم بميدان التحرير من خلال توفير لمبات الإنارة والبطاطين والخيام، وأكد أن البعض كان يستغل حالة الانفلات الأمنى خلال أيام الثورة ويدير بعض الأعمال القذرة من مقاهى البورصة مثل الاتفاق على بيع المخدرات والدعارة، موضحا أنه ألقى القبض على اثنين يتفقان على ممارسة الدعارة فى الميدان فقام بطردهما من على المقهى. يتذكر سامى يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية ونجاح الدكتور مرسى، ويسخر من موقف مجموعة من الأشخاص المحسوبين على التيار الإسلامى والذين مروا بمقاهى البورصة بعد إعلان النتيجة وبدأوا فى سب الفتيات الموجودات بالمقاهى، وقالوا لهن "مرسى جالكم عشان يلمكم"، مؤكدا أن أصحاب تلك المقاهى وروادها عانوا فترة من الوقت بعد نجاح الدكتور مرسى من أفعال مثل هؤلاء، مضيفا أن تلك الممارسات دفعت بعض أصحاب مقاهى البورصة إلى التسلح للدفاع عن أماكنهم فى حالة تعرض المحسوبين على التيار الإسلامى لمقاهيهم وروادها بأى سوء. من الذكريات التى لا ينساها تلك المرة التى جاءت فيها حفيدة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وجلست على مقهى الإذاعة وكانت تداعبه بأن جدها أول من افتتح الإذاعة المصرية، كذلك أيضا يتذكر سامى ابن الفنان الراحل شفيق جلال والذى كان زبونا للمقهى، لكنه لم يعد يتردد على المقهى، من المشاهير أيضا الذين يرتادون مقاهى البورصة الناشطة السياسية جميلة إسماعيل وزوجها السابق الدكتور أيمن نور وهناك عدد من مستشارى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يرتادون مقاهى البورصة، إضافة إلى أنها تمثل مقرا شبه دائم لرؤساء مباحث القاهرة، كما أنها مركزا لكبار المستثمرين فى البورصة، هى كانت أحد المقرات التى كانت تشهد اجتماعات أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، كما كان مقهى زيزو تحديدا بمثابة غرفة عمليات لرجب هلال حميدة وقيادات حزب الغد فى انتخابات 2005، و2010، ومن الفنانين كان الراحل أحمد زكى يفضل الجلوس على مقاهى البورصة، والفنان محمد صبحى كذلك، أما جيهان فاضل وأحمد عبدالوارث، وماجد الكدوانى، وأشرف عبدالباقى فهم من زبائن تلك المقاهى.