حرص حسن البنا منذ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين على تربية الإخوان على السمع و الطاعة المطلقة له، ثم لمن يأتى من بعده فى منصب الإرشاد ، ولا شك أن البنا دعم منهجه بآيات من الشرع الإسلامى كما فهمها هو و تقبلها اتباعه دون نقد او تمحيص ، و تحفل أدبيات الإخوان بالعديد من المواقف التى كان السمع و الطاعة فيها يسبق التفكير الذى لا يأتى أبداً وعلى رأسها بالطبع أوامر القتل والاغتيال التى صدرت ونفذت بالفعل من التنظيم الخاص الذى أسسه البنا ايضا. فعلى سبيل المثال فى بداية الجماعة، وحينما قرر حسن البنا النزول الى القاهرة لمباشرة الدعوة فى نطاق اوسع ، مما كانت عليه فى الاسماعيلية ، و كان نقله الى مدرسة السبتية بالقاهرة نشب الخلاف على من يخلف البنا فى قيادة الجماعة بالاسماعيلية ، حيث اراد البنا ان يخلفه شخص لم يوافق الاعضاء الباقون عليه ، وهنا امتص البنا غضب المعترضين ولاينهم حتى ظفر بما اراد ، فما كان من المعترضين إلا انهم ابلغوا النائب العام ضده باختلاس وتبديد اموال الجماعة ، وقام النائب العام بالفعل بالتحقيق معه، وانتهى التحقيق الى لا شيء نظرا لعدم توافر الادلة على الاتهام ، فقرر المعترضون ان يبلغوا ادارة المدرسة الجديدة التى نقل اليها البنا كما اسلفنا لتحذير الناظر من الشيخ واعوانه ، وعندما حضروا الى القاهرة تلقاهم اتباع الشيخ، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح حتى لا يعودوا مرة اخرى!! و القصة ليست من عندنا او رواها احد أعداء الجماعة ، بل حكاها حسن البنا نفسه فى مذكراته ، ويكمل القصة مستنكرا اسلوب الاعتراض على قراراته قائلا الواقع ان هذا المظهر كان جديدا و غريبا على اوضاع الاخوان التى لم تعرف الا الوحدة الكاملة والاندماج الكامل ، فرأى احدهم هو رأى جميعهم ، ويوضح ان المخالفين قد تلبسهم الشيطان وزين لهم سوء اعمالهم ، ثم يصل الى ذروة الصدام معهم ،ويطلق عليهم الخوارج الواجب قتالهم، ويقول ما نصه «إن من يشق عصا الجمع ، فاضربوه بالسيف كائنا من كان!!» ويتأسف لاختلاط وتلوث عقولنا بالمفاهيم المرذولة الغربية التى تقول بالديمقراطية والحرية الشخصية!!! هكذا وضع البنا الاسس العامة للجماعة ، وفى كل مؤتمر عام للجماعة منذ مؤتمرها الثالث كان المجتمعون يفوضون المرشد العام فى ادارة الجماعة بطريقة مطلقة وله وحده تحديد اختصاصات الإدارات المختلفة داخل الجماعة ومن يترأسها ، وعندما قام البنا بتشكيل مكتب الإرشاد حرص ان يكون من بين أخلص اتباعه من ناحية وقلة عددهم (12 عضوا) من ناحية اخرى ليسهل السيطرة عليهم. و يروى صالح عشماوى -عضو مكتب الارشاد ونائب المرشد العام حسن البنا- حكاية لها دلالة قوية على ديكتاتورية البنا فى ادارة الجماعة، حيث يقول: فى بداية تكوين مكتب الارشاد كان الاصل ان يكون بمثابة مجلس للشورى الى جانب البنا ، وهنا اثيرت قضية الشورى وهل تكون ملزمة للمرشد العام ام له ان يخالفها ، وكان رأى البنا ان الشورى غير ملزمة للإمام و له ان يأخذ بها او يخالفها وفقا لرؤيته الخاصة ، هكذا كان رأى حسن البنا فى الشورى وهو ما صار عقيدة فى فكر الاخوان من بعده!! و لم يكن غريبا ان نسمع من اعضاء الجماعة حتى الآن مصطلحات السمع والطاعة ، وان يكون كل فرد طوع بنان القائد يوجهه كيف يشاء ، ونقرأ فى رسالة التعاليم لحسن البنا ان على العضو ان يثق بالقائد العام ثقة عمياء وله عليه الطاعة و السمع فى المنشط والمكره و فى العسر واليسر. ويرجع الباحثون فكرة السمع و الطاعة الى اصولها الاولى التى اعتمد عليها البنا وصاغ فكرته على اساسها الى حديثين لرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اولهما : «من مات و ليس فى عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية». اما الحديث الآخر فيقول : من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ونازعه فاضربوا عنق الآخر. و يلاحظ ان الحديثين وردا فى كتابات ابو الاعلى المودودى التى تمثل الاساس لفكر حسن البنا ، وسيد قطب من بعده ، ويرى المودودى ان الشورى غير ملزمة للامام ،و ان رأى الفرد ربما كان اصوب من رأى الجماعة ، و يلاحظ ايضا ظهور لفظ الجاهلية التى كانت اساس فكر سيد قطب فى كتابات حسن البنا و المودودى ، و اعتقد ان الاساس الاول الذى استقى منه الاثنان الاخيران هو فكر محمد بن عبد الوهاب الذى ظهرت كلمة الجاهلية فى كتاباته و انتقلت بعد ذلك الى الجميع ، و معروف ان حسن البنا سار على نهج محمد بن عبد الوهاب الذى حالف الدولة السعودية الاولى بقيادة محمد بن سعود لفرض فكره على الجزيرة العربية وما وراءها باعتبار ان الجاهلية قد عادت لتطل من جديد وجهادها واجب وفرض عين على الجميع ، و لهذا نرى حسن البنا يحاول دائما استمالة ولى الامر لفكره ، بداية من الملك فؤاد حيث حاول اقناعه بقبول فكرة الخلافة و السعى الى احياءها فى شخصه ، و تأتى المرحلة الثانية التى ارادها بعد ذلك لفرض فكر الاخوان بعد تطويع الملك الخليفة، وهو ايضا ما حاوله مع الملك فاروق وكلنا قد رأى صور الملك عندما اطلق لحيته وامسك بمسبحة تمهيدا لاحياء الخلافة، ولكن حسابات السياسة فى المنطقة كانت تعارض هذا الاتجاه ، على اى حال هذه قصة اخرى ، و لكن ما نريد التأكيد عليه هو بذور فكر حسن البنا و التجارب التى كانت حاضرة فى فكره عندما كان يؤسس للجماعة الاولى فى العالم العربى.