المجتمع المصرى يعانى يوما بعد يوم من تدهور المنظومة التعليمية التى بدورها تخرج لنا الأمية المتعلمة التى لا تجد مكانا لها فى سوق العمل. ويكشف الدكتور ضياء الدين زاهر أستاذ التخطيط التربوى والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس ورئيس المركز العربى للتعليم والتنمية الأسباب الحقيقية وراء تدهور المنظومة التعليمية وكيف يمكن إصلاحها في هذا الحوار. كيف ترى إصلاح منظومة التعليم فى مصر؟ التعليم هو جزء من قاطرة التنمية ولذلك لابد أن يكون مشتقا من فلسفة وإطار مشروع النهضة الخاص بالمجتمع، وإذا كان هناك مشروع لحركة التقدم فى المجتمع بشكل أو بأخر واضح ومحدد ومبرمج فى هذه الحالة نستطيع أن نقول إن حركة إصلاح التعليم سوف يكون لها سندها الحضارى والمجتمعى، إذا كنا نتكلم عن حركة إصلاح ونهضة فنحن نتحدث عن المستقبل ولابد أن تكون هناك حركة إصلاح قائمة على أسس ثورية ولا تقوم على الأساليب التقليدية المعروفة وما هى الأساليب المستخدمة فى الإصلاح؟ لابد أن يكون هناك تطوير فى التخطيط الاستراتيجى للمستقبل التعليمى متوسط وطويل الأجل وذلك برسم سياسات لا تتغير بتغير الوزراء أو الحزب الحاكم مثل باقى دول العالم، بالإضافة إلى اشراك المعلمين فى رسم السياسات التعليمية واستشارة أهل الخبرة والعلم. لابد أن تكون هناك رؤى ثورية تتناسب مع عظمة ثورة 25 يناير، أيضا لابد أن ينسف ديوان الوزارة لأنه تقليدى ورجعى ويعطل عملية التخطيط. وما هي معايير ضبط العملية التعليمية؟ هناك معايير تم وضعها لضبط العملية التعليمية بالفعل ولكنها مغالية لأنه تم استيرادها من مجتمعات أخرى ولم تأخذ فى حسبانها مشكلة التكيف مع البيئة الواردة عليها، أيضا الكوادر التى تقوم بتنفيذها هى فى الأساس غير مؤهلة وهذا يؤدى إلى عدم اتمام العمل بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى عدم وجود محاسبية وبالتالى حدوث تسيب فى العملية التعليمية والحصول على نتائج غير مرغوب فيها، بالإضافة إلى ضعف التمويل المخصص لتنفيذ هذه البرامج، وينظم المركز العربى للتعليم والتنمية مؤتمرا دوليا تحت رعاية وزارة التعليم العالى فى ديسمبر القادم لمناقشة كيفية التخطيط الاستراتيجى لقضايا التعليم العام والعالى ووضع أجندة مستقبلية، ومشكلة التعليم الحقيقية هى انفصال التعليم الأساسى عن الجامعى مما أدى إلى تخلفهما تدريجيا. كيف نواجه ظاهرة الدروس الخصوصية؟وكم حجم إنفاق المصريين عليها خلال العام؟ الدروس الخصوصية هى إشكالية يعانى منها المجتمع المصرى ولكنها فى التحليل النهائى تحتاج إلى إعادة نظر من جديد ومن أهم أسبابها هو انخفاض رواتب المعلمين وعدم وجود إطار محاسبي وأخلاقى فهناك شركاء للمعلم فى هذا العمل ابتداء من مدير المدرسة ووكلائه حتى المعلم الصغير، هنا لابد من وضع نظام رقابى جيد والعمل على إعداد المعلم من جميع الجوانب المعرفية جيدا مع تحقيق الحياة الكريمة له، بالإضافة إلى خلق بنية أخلاقية أساسية للتعليم والمؤسسة نفسها توفر الميزانية التى تحقق لها الحد الأدنى لتوفير أساسيات العملية التعليمية، مع رفع الدافع تجاه التعلم الذى هدمه الإعلام والنظام السابق الذى كان يعتمد الواسطة والمحسوبية في التوظيف. وقد أثبتت الإحصائيات أن المصريين ينفقون حوالى من 35-40مليار جنيه فى العام الدراسى الواحد على الدروس الخصوصية وشراء الكتب الخارجية وملابس المدرسة وهذه ميزانية موازية لميزانية التعليم. هل تتمكن «تكنولوجيا الفقراء» من حل مشكلة الدروس الخصوصية؟ هناك تعريفان لتكنولوجيا الفقراء فإذا كانت البرامج التعليمية التى تذاع على القنوات التليفزيونية هى أحد الأساليب الممكن استخدامها ولكنها ليست التكنولوجيا المطلوبة فالتكنولوجيا لابد أن تنسحب على أشكال التعلم داخل المدرسة فمن الممكن أن يتكون الفصل الواحد من 4 مستويات مختلفة، وقد طبقنا هذا فى العام الماضى وانتشرت فى 7 محافظات على مستوى الجمهورية تحت اسم«مدارس ملائمة للبيئة» وكانت عبارة عن تبرع بالأرض لصالح بناء مدرسة بسيطة أو ينقسم الفصل لعدة فئات حسب المرحلة التعليمية، ولكن التكنولوجيا الإعلامية دورها أقل بشدة لأنها غير منظمة وغير مخططة وغير منسجمة مع المناهج التى يدرسها الطالب وعلى خلاف ذلك يتم استقطاب أساتذة غير أكفاء فى عملية التدريس، أيضا لا تأخذ هذه البرامج ما يسمى بالإبداع فهى تسير فى اتجاه تقليدى مثل الكتاب المدرسى وتخنزل المعرفة فى مجموعة من الأسئلة ويجوز أن نطلق عليها "التكنولوجيا المسممة" لأنها تدمر العملية التعليمية. تقييمك لحال التعليم المصرى الآن؟ الوضع سيئ للغاية فليس هناك تسهيلات لإدارة العملية التعليمية،المعلم غير معد إعدادا جيدا، أيضا انتهازية الإدارة وسطحية المناهج وسلقها للمضامين، وهذا أدى إلى عدم قبول الخريجين المصريين فى سوق العمل الدولى نتيجة تدنى مستوى التعليم وهذه كارثة فالتعليم فى مصر«تم إجتزاله فى» واقع مر ومستقبل مجهول. ما رأيك فى تجربة المدارس الفرنسية والأمريكية والكندية فى مصر؟ أنا ضد التوسع فى مثل هذا النموذج من المدارس لأن هذا عبارة عن سحل للهوية الإسلامية والخصوصية العربية، فلا يوجد تدريس للغة إلا بثقافتها وهذا يؤدى إلى توجيه انتماءات الأبناء إلى هذه الدول الغربية عن طريق غرس ثقافة جديدة من خلال الزى المدرسى وطريقة التفكير وترتب على وجود مثل هذه المدارس تدهور كامل فى اللغة العربية، وأخر تقرير لأدبيات الأممالمتحدة يقول إن اللغة العبرية فى السنوات القليلة القادمة سوف تفوق مكانة اللغة العربية .