"الصحفيين" تتلقى ردًا من النواب حول ملاحظات النقابة على "الإجراءات الجنائية" -(تفاصيل)    أول رد فعل من ناصر عبدالرحمن بشأن صورته المتداولة مع صلاح التيجاني    مدبولي: حددنا 5 مناطق سنطرحها للاستثمار على البحر الأحمر منها "رأس بناس"    نصر الله: التصعيد الإسرائيلي "سيزيد من تهجير السكان ويبعد فرصة عودتهم" إلى الشمال    استشهاد وإصابة 7 فلسطينيين جراء اقتحام قوات الاحتلال لجنين بالضفة    بحضور 53 أميرا وأميرة واحدة.. محمد بن سلمان يثير تفاعلا بكلمة مجلس الشورى    "حالته حرجة".. أخر تطورات الأزمة الصحية لفهد المولد لاعب الشباب السعودي    انفجارات هزت الجيزة.. 30 أنبوبة غاز فتحت بوابة الجحيم في مصنع طوب    موجة مسيئة للقرآن.. الأزهر يحذر من ظاهرة" التغني بالقرآن"    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    ورشة للمخرج علي بدرخان بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وجندى فى استهداف بصاروخ مضاد للدروع على الحدود مع لبنان    «الأروقة» تعيد الحياة العلمية للجامع الأزهر ..الطلاب ينتظرون الشيوخ على الأبواب.. ومشروع للتوثيق المرئى    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي ضمن احتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    محافظ كفرالشيخ يوجه بالتيسير على المواطنين في إجراءات التصالح على مخلفات البناء    مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما يُكرم «هاني رمزي» في دورته السابعة    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    القوات البحرية تنجح في إنقاذ مركب هجرة غير شرعية على متنها 45 فردا    الأزهر للفتوى الإلكترونية يعلن الإدعاء بمعرفة الغيب يؤدى إلى الإلحاد    زراعة الغربية تبحث الاستعدادات للموسم الشتوى    تقرير يُكشف: ارتفاع درجات الحرارة بريء من تفجيرات " البيجر " والعملية مدبرة    استطلاعات رأي تظهر تعادل هاريس وترامب على المستوى الوطني    رسميا.. موعد صرف معاشات أكتوبر 2024 وطريقة الاستعلام    محافظ بني سويف: إزالة 272 حالة بحملات المرحلة الثالثة من الموجة ال23    "صحة أسوان": لا يوجد بمستشفيات المحافظة حالات تسمم بسبب المياه    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فيلم عاشق على قمة شباك تذاكر السينما في مصر.. تعرف على إيراداته    الحكومة تستعرض الخطة التشريعية خلال دور الانعقاد المقبل لمجلس النواب    بنك إنجلترا يبقى على الفائدة عند 5 %    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    أول ظهور لشيرين عبدالوهاب بعد أنباء عن خضوعها للجراحة    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    أخبار الأهلي: بعد تعاقده مع الأهلي.. شوبير يعلن موعد بداية برنامجه    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر لويس دياز    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "بيوصل خمور لأمها وعاشرها مرة برضاها".. مفاجأة في اعترافات مغتصب سودانية بالجيزة    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    لبحث المشروعات الجديدة.. وفد أفريقي يزور ميناء الإسكندرية |صور    خبير سياسي: إسرائيل تريد مد خط غاز طبيعي قبالة شواطئ غزة    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    جامعة الأزهر تشارك في المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    «لو مش هتلعبهم خرجهم إعارة».. رسالة خاصة من شوبير ل كولر بسبب ثنائي الأهلي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالقادر الجيلانى.. صاحب الكرامات

يقول الجيلانى: أقمت في صحاري العراق وخرابها خمسا وعشرون سنة متجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفونني وكانت الدنيا وزخارفها وشهواتها تأتيني في صور عجيبة فيحميني الله من الالتفات إليها وأقمت زمانا في خرائب المدائن ومكثت سنة آكل المنبوذ وما كنت أعرف إلا بالجنون والبله، فهكذا عاش الجيلاني متقشفا زاهدا لائما لنفسه وكأنها تعيش في رخاء حتى يبتعد عن كل متع الدنيا ويكتفي بذكر الله وعبادته، وارتقت عبادة الجيلاني بعد ذلك من كونه ملاماتيا إلى درجة أعلى في الزهد والتصوف
عُرف عند الناس بمحي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلاني مع أن اسمه لم يكن محي الدين ولكنه لقب بهذا الاسم حينما كان مارا على شخص مريض متغير اللون ونحيف الجسم فقال له: السلام عليك يا عبد القادر، فرد عليه السلام ، فقال له اقترب مني، فاقترب عبد القادر وهو متخوف منه ، فقال له أتعرفني؟ فأجاب عبد القادر بأنه لا يعرفه، فقال له: أنا الدين وكنت من أشباه الميتين حينما رأيتني لكن الله أحياني بك فأصحبت أنت محي الدين، ولقب عبد القادر بالجيلاني نسبة إلى مولده بجيلان ، ويعتبر لقب ( باز الله الأشهب ) هو أكثر ألقاب عبد القادر الجيلاني شهرة حتى إنه كان يحبه ويحب أن ينادى به ودلل على ذلك في أبيات شعرية: أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها .. طربا وفي العلياء باز أشهب .
اختلف المؤرخون حول ميلاد عبد القادر الجيلاني فمنهم من قال إنه ولد في عام 470 هجرية وهذا رأي المؤرخ الشطنوفي أحد أهم المؤرخين الذين أرخوا حياة الجيلاني ، وهناك من المؤرخين أمثال ابن الجوزي وابن تغري من قالوا إنه ولد في عام 471 هجرية لكن يظل في النهاية أن الرأيين متقاربين في حساب مولده وهذا لم يؤثر على تأريخ حياة الجيلاني في شيء ، ويرجع نسب عبد القادر إلى سيدنا علي بن أبي طالب وذكر المؤرخون أنه نشأ يتيم الأب ولهذا تولى تربيته جده الشيخ أبو عبد الله الصومعي أحد كبار زهاد ومشايخ جيلان وكانت له مكانة روحية متميزة بين الناس حتى أنهم نسبوا له العديد من الكرامات ووصف بأنه مجاب الدعوة وأنه إذا غضب على أحد انتقم الله سريعا لغضبه وكان كثير العبادة رغم كبر سنه وضعف قوته وكان يخبر بالأمر قبل وقوعه وهكذا اجتمعت فيه صفات الزاهد الصوفي الذي أورثها لحفيده عبد القادر ، وكانت والدته أم الخير فاطمة بنت عبد الله سيدة تقية عملت على أن تؤهل ابنها ليصبح عابدا ومصلحا وزاهدا للدنيا ، كما أنه كانت عمته أم محمد عائشة بنت الاشراف مشهورة ومعروفة بالإصلاح والتقوى وأيضا روي عنها أنها من الزهاد المتصوفين ذوات الدعاء المستجاب ، فتلقى الجيلاني وسط هذه العائلة المتدينة علوم القرآن والحديث والسيرة منذ صباه وكانت لهذه العائلة تأثيرها عليه في غرس نفحات الصوفية وآداب الزهد به فأصبح فيما بعد من كبار الصوفيين في العالم الإسلامي .
ودائما ما كان الجيلاني يحلم بالسفر إلى بغداد ويتأرجح شوقه كلما رأى قوافل جيلان ترحل إليها ، فكان يحلم بأولياء وعلوم بغداد وظل على حاله حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره فأفصح لأمه عن رغبته في الذهاب لبغداد فقالت له : يا ولدي اذهب فقد خرجت عنك عز وجل فهذا وجه لا أراه إلى يوم القيامة ، فرحل الجيلاني إلى بغداد وكانت أمه قد خاطت له في جيب تحت ثيابه أربعين دينارا، وأثناء الرحلة خرج على القافلة قطاع طرق وسرقوا كل شيء منها وجاء أحد اللصوص يسأل الصبي الصغير وقال له : هل معك شيء ، فأجاب الجيلاني : معي أربعون دينارا ، فقال اللص : أين هم ، فأجاب الجيلاني : مخاطين تحت ثيابي ، فظن اللص أنه يستخف به فأخذه إلى زعيمهم ودار بينهما نفس الحوار فتعجب الزعيم من أمر الجيلاني الصغير خاصة بعدما أخرج له النقود فسأله الزعيم : لماذا تفعل ذلك وكنا لن نؤذيك لو قلت إنه ليس معك شيء ، فقال الصبي : لأنني عاهدت أمي قبل خروجي على الصدق وأنا حافظ لعهدي معها، فاعتصر قلب الزعيم وقال : هذا الفتى يحافظ على عهده لأمه وكاد يتعرض للنهب والقتل وأنا أخون عهد الله وأنهب وأقتل، فرد ما سلبه من القافلة وأعلن توبته أمامهم وكذلك باقي اللصوص.
تعلم الجيلاني في بغداد علوم الفقه على يد أربعة من كبار مشايخ عصره وهم أبو الوفا بن عقيل، وأبو الخطاب الكلوداني، وأبو الحسن الفراء وأبو المخرمي، واعتنى بالفقه خاصة الفقه الحنبلي وأصبح زعيما لفقهاء الحنابلة ببغداد ثم درس الحديث النوبي وأصوله وسمع من كبار المحدثين أمثال أبي غالب الباقلاني، وأبي سعد بن خنيش وغيرهما، كما درس أيضا الأدب وعلوم اللغة على يد زكريا التبريزي، حتى أصبح من كبار الزهاد والمتصوفين في بغداد .
وظهر قوم في خراسان يسمون بالملاماتيين وهم أهل من الطريق الصوفي تعاهدوا بأن يظلوا يلومون أنفسهم لوما شديدا في كل وقت يعيشونه ، وكان الإمام الجيلاني في هذه المرحلة ملاماتيا بكل ما فيه عاش فيها وسط الخرابات والبوادي خمسة وعشرين عاما من حياته زاهدا عن الدنيا ومتعها ، فكان يقول : أقمت في صحاري العرق وخرابها خمسا وعشرون سنة متجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفونني وكانت الدنيا وزخارفها وشهواتها تأتيني في صور عجيبة فيحميني الله من الالتفات إليها وأقمت زمانا في خرائب المدائن ومكثت سنة آكل المنبوذ وما كنت أعرف إلا بالجنون والبله، فهكذا عاش الجيلاني متقشفا زاهدا لائما لنفسه وكأنها تعيش في رخاء حتى يبتعد عن كل متع الدنيا ويكتفي بذكر الله وعبادته، وارتقت عبادة الجيلاني بعد ذلك من كونه ملاماتيا إلى درجة أعلى في الزهد والتصوف فأصبح ( مجذوبا ) وروي عن هذه المرحلة من حياته أنه أصبح مجنونا فاقدا عقله يظل يذكر ربه وينبطح على الأرض فيظن الناس أنه مات ولكنه يكون في هذه الحالة يعيش حياة أخرى مع ربه لا يشعر بما يدور حوله وعرف بين الناس بالجنون ، لكنه بدأ يخرج بعد ذلك من الإيمان الذاتي والجذبة الروحية إلى التكلم مع الناس وجذبهم إلى خالقهم ووعظهم وتنويرهم بالدين، فروي الجيلاني أنه لم يكن يخرج من إيمانه الذاتي إلى نشره بين الناس لولا أن جاءه نداء رباني وظهر النبي عليه السلام يطلبان منه ذلك ، فأخذ يجتمع بالناس في المساجد يعظهم ويعلمهم أمور دينهم واهتم بتهذيب نفوسهم وإصلاح أحوالهم حتى ذاع صيته وأصبح يأتي إليه عدد هائل من الناس من كل الأنحاء.
واتخذ الجيلاني طريق التوبة ليفتح بها الباب على مصراعيه أمام كل الناس في بغداد وظل يحكي عنها لكل من يحضر إليه في مجلسه ويرسخها في قلوبهم ووجدانهم أنها واجب على كل إنسان لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ومحتاج للتوبة ، وما إن جاء إليه أحد يبلغه أنه يريد التوبة إلا وقال له كلاما رقيقا ليطمئن روحه حتى إنه قيل إن عدد الذين تابوا على يده مثلوا الغالبية العظمى من أهل بغداد وأسلم على يده أكثر من خمسمائة فرد من اليهود والنصارى ، فظل الإمام على هذا الحال لفترة أربعين سنة .
وكان عبد القادر من كبار أهل الإفتاء في بغداد ولكنه اختلف عن أي مفتي لأنه جمع بين وعي العقل وهدي القلوب وظهر ذلك حينما جاءه رجل غني من التجار معه بعض المال وسأل الإمام : من يستحق هذا المال فأعطيه له ؟ ، فقال له الجيلاني : أعطه لمن يستحق ومن لا يستحق يعطك الله ما تستحق وما لا تستحق، فكانت فتواه تعطي سائلها المعلومة وفي نفس الوقت تهدي قلبه .
وللجيلاني كتب عديدة في التصوف والعبادات مثل كتب فتوح الغيب، والفتح الرباني والفيض الرحماني ، وجلاء الخاطر في الظاهر والباطن، والرسالة الغوثية، وسر الأسرار في التصوف وغيرها من الكتب الكثيرة في الزهد والأخلاق والتصوف .
وتوفي الإمام الجيلاني بعد أن بلغ من العمر 91 عاما بعد صراع مع المرض دام عدة أيام تاركا 49 من الأبناء الذين عملوا هم والمحبون له على إحياء ذكراه, واستمرت الطريقة القادرية مئات الأعوام على نفس نهج عبد القادر الجيلاني وانتشرت في العالم الإسلامي إلى أن صارت أكبر الطرق الصوفية انتشارا في العالم الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.