في طفولتي كنت أذهب إلي الموالد في القرية وأري في هذه الموالد شيخا معمما بعمامة خضراء هو شيخ الطريقة الذي يلتف حوله المريدون وأتابع عن قرب كيف كانوا يحترمونه ويقدرونه ثم أري حلقات الذكر وأتابع ذلك بشغف عميق حتي ينفض الناس ويعود بعضهم إلي منازلهم ويتجه البعض الآخر لصلاة الفجر في المسجد وكنت أتوجه إلي المسجد يستغرقني الأذان في جوف الليل وأجد في نفسي صفاء وجمالا وجلالا لا أدري كيف يتسلل إلي أعماق نفسي وتمضي الأيام وتأخذنا معمعة الحياة ويظل في داخلي هذا الإعجاب بالصوفية وعالم الصوفية بهذه الكلمات قدم الكاتب مأمون غريب لكتابه الخامس والثلاثين »المسافرون إلي الله التصوف الإسلامي وأبرز أعلامه«.. يصف الكاتب عالم الصوفية بأنه شديد العمق وأنه أشبه بمحيط مليء بالأصداف والجواهر وأيضا مليء بالمخاطر لأن من يريد الإبحار فيه عليه التزود بالمعرفة في عالم الكتاب والسنة ويتمسك بهما حتي لايضل الطريق .. الصوفية هم من صفت قلوبهم وتابوا إلي الله توبه نصوحا لأن أول الطريق إلي الله هو التوبة الصادقة والعزم علي أن تصفو نفوسهم من صدأ الحقد والحسد والضغينة والتكالب علي الدنيا وهم يجدون في حياة رسول الله القدوة الحسنة شارحا أن الزهد كان مقدمة للتصوف من عهد الرسالة والرسول ([) الذي كان أكثر الناس زهدا وظل مثال الزاهد المتعفف حتي لو تحولت جبال مكة أو المدينة ذهبا ما تاقت نفسه إليه ومن بين الصحابة كثير من الزهاد منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبوعبيدة بن الجراح وبرز عدد من التابعين في البصرة والكوفة أبرزهم الحسن البصري ويتطرق المؤلف لقول الدكتور أبو الوفا التفتازاني إن رابعة العدوية كانت تمثل في القرن الثاني الهجري تيار الزهد القائم علي أساس حب الله تعالي في حين كان الحسن البصري يقوم زهده علي الخوف من الله ومن أبرز أعلام الصوفية الذين تناولهم الكتاب أبو سعيد الخراز الذي ولد ونشأ ببغداد والإمام أبو حامد الغزالي صاحب كتب إحياء علوم الدين والاقتصاد في الاعتقاد والمنقذ من الضلال وله شروح كثيرة في تفاوت الناس في الحب الإلهي مرورا بالحلاج ومحيي الدين بن عربي وصولا لعمر بن الفارض والحب الإلهي شديد الورع منصرفا عن الدنيا عاش حياته متأملا زاهدا عابدا وجاءت أشعاره كلها في حب الله ورسوله([). أما جلال الدين الرومي فهو أكبر شعراء الصوفية عند الفرس وهو صاحب الطريقة المولوية الذين يذكرون أصحابها علي أنغام الموسيقي التي تدفعهم أكثر إلي عالم الوجود ومؤلفاته كلها اقترن فيها الحب الإلهي بالمشاعر الإنسانية ومن أهم الطرق الصوفية التي تضمنها الكتاب الطريقة القادرية للشيخ عبد القادر الجيلاني وهو فقيه وعالم بالأصول والفروع واشتغل بالوعظ والشيخ أحمد الرفاعي وأحمد البدوي وأبو الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية والشيخ إبراهيم الدسوقي وتجيء الأحزاب والأوراد هي الباب الأخير بالكتاب الممتع القيم الذي يحلق قارئه مع أجمل ماقيل وكتب عن الحب الإلهي شعرا ونثرا.