ليست جزيرتي تبران وصنافير، ومعهما الجسر البري الذي تقرر إنشاؤه بين مصر والسعودية هو المصدر الوحيد للجدل والصخب الذي اقترن بزيارة خادم الحرمين الملك سلمان لمصر، وهي الزيارة التي حظيت باهتمام مصري وسعودي، بل وعربي وعالمي واسع، خاصة وأنها كانت أول زيارة دولة «زيارة رسمية» للعاهل السعودي خارج السعودية، وامتدت لنحو خمسة أيام، وشهدت الكثير من الفعاليات والأنشطة، وتمخضت عن إبرام العديد من الاتفاقات، وتضمنت لقاءات ملفتة للانتباه، كان من بينها لقاء خادم الحرمين مع البابا تواضروس، واستضافته مع شيخ الأزهر على مائدة عشاء الملك الذي أقامته السفارة السعودية. ولكن الجدل والصخب الذي اقترن بزيارة الملك سلمان لمصر، امتد أيضا لما يلمح إليه البعض حول تأثير توطيد علاقة مصر بالسعودية على معركتها ضد التطرف الديني وجماعاته وتياراته وسعي شعبها لإقامة دولة ديمقراطية مدنية عصرية. لقد ظل البعض طوال وقت ليس بالقصير مضي يعبر عن مخاوفه، وربما آماله من فتور العلاقات بين مصر والسعودية، بعد تولي الملك سلمان مسئولية الحكم بعد وفاة الملك عبدالله، ولكننا الآن بعد أن أثبت الملك سلمان عمليا أنه حريص على علاقات قوية وإستراتيجية مع مصر لحاجة السعودية لهذه العلاقة مع مصر التي لا تقل عن حاجة مصر أيضا، فإننا نواجه الآن بنفر يعبر عن مخاوفه، وربما آماله أيضا من أن تؤثر هذه العلاقة القوية على مسيرتنا التي تستهدف تحقيق دولة ديمقراطية مدنية عصرية أو غير دينية. ولكن فات هؤلاء أن مصر رغم رغبتها وسعيها بل وحاجتها أيضا لعلاقة قوية مع المملكة العربية السعودية لم تتخل عن رؤيتها الإستراتيجية تجاه القضايا العربية ومشكلات المنطقة.. فلقد تمسكت ومازالت بالحل السلمي لهذه المشكلات سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا ورفضها أو عدم اقتناعها بالحل العسكري أو التدخل العسكري الأجنبي فيها.. ولعل ذلك كان سبب رفضها التدخل بريا في اليمن. وفات هؤلاء أيضا أن علاقة مصر القوية مع السعودية لم تمنعنا من صياغة علاقات قوية مع روسيا، التي تشوب علاقاتها بالسعودية بعض الخلافات في مقدمتها الخلاف حول حل الأزمة السورية. أما الضحب والجدل فإنه لن يتوقف وسوف يستمر لأن هناك من لا يروق لهم وجود علاقة قوية مصرية سعودية، ومن لا يرتاحون لاستمرار المواجهة داخل مصر ضد جماعات وتيارات وقوي التطرف الديني، ومن لا يرغبون أن تمضي مصر إلى الأمام.