شوارع مصر مليئة بسيارات التاكسي الأبيض لدرجة أنك على مدى اليوم عندما تشير إلى تاكسي من الممكن أن تجد أكثر من سيارة تقف لك بكل سهولة وسيارات معظمها حديثة وجيدة جدا.. إذن كيف لشركات خاصة ذات طبيعة وفكرة أجنبية الدخول للسوق المصري بكل هذه السهولة وتحقيق مكاسب هائلة في فترة زمنية قصيرة لدرجة جعلت سائقي التاكسي الأبيض يستغيثون بوسائل الإعلام والحكومة ثم يعترضون ويتظاهرون لمنع استمرار هذه الشركات بداعي التأثير على رزقهم.. وما هي المميزات التنافسية التي جعلت المواطن المصري يفضل هذه الشركات الجديدة برغم بذل مزيد من الجهد في تحميل تطبيق على تليفونه والدخول عليه قبل أي مشوار لطلب سيارة ثم انتظارها ثم كتابة تقييم عن الرحلة والسيارة وسلوك السائق بعد الرحلة..
برغم أنه غير مضطر لفعل كل هذا إذا قرر أن يركب التاكسي الأبيض فهو فقط يقف في الشارع ويشير بيده لأحد هذه التاكسيات المنتشرة بكثافة في الشوارع ولكن السؤال هنا لماذا يفضل الكثيرون هذا النظام ؟ الإجابة هي الإدارة الواعية المحترفة القائمة على تقييم الأداء والعدل واحترام الآدمية وسياسة تطبيق المنهج الرباني والذي تعبر عنه الآية الكريمة( من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وهو الثواب والعقاب وهذا المنهج هو أحد أسباب نجاح أي دولة أو مؤسسة ناجحة في العالم والذي لا يعرف العشوائية والنصاحة والفهلوة والخداع.. فهذه الشركات درست جدًا السوق المصري والمشكلات التي تقابل راكب التاكسي الأبيض وهي: السائق يسأل الراكب على المكان المراد الذهاب إليه ليقبل أو يرفض طبقا لمزاجه.. السائق هنا هو شخص غير معروف بالنسبة للراكب ولا يستطيع حماية نفسه منه أو محاسبته إذا تجاوز في حقه أو سرقه أو اعتدى عليه بأي صورة.. كما يتم التلاعب في العداد أو عدم الاعتراف به من سائق التاكسي في الكثير من الأحيان ونادرًا ما تتدخل الدولة لحماية الراكب.. كثيرا لا يحصل الراكب على باقي حقه من المال بدعوة عدم إيجاد فكة أو بلطجة باعتباره حق مكتسب أو بقشيش وأحيانا يستغل سائق التاكسي وجود فتاة أو امرأة مع الرجل ويبالغ في الأجرة لاعتقاده أن الراكب لن يجادل في الحصول على حقه احتراما لمن معه.. ليس هذا فقط بل لا توجد طريقة مثلى ليعرف الراكب إن كان سائق التاكسي مخمورا أو مدمنا أو مدخنا أو حتى مجرم أو بلطجي.. ولا توجد طريقة للتواصل مع سائق التاكسي بعد النزول في حالة فقدان أي من ممتلكات الراكب ونسيانها في السيارة..
أحيانا سائق التاكسي يقحم نفسه في الحديث مع الراكب بحوارات لا يريدها الراكب.. كثيرا ما يصدر من السائق سلوك يزعج الراكب مثل التحدث في التليفون أو تشغيل راديو السيارة أو الكاسيت وسماع محتوى قد يغضب الراكب أو تلفظ بألفاظ نابية أو القيادة بطريقة مسرعة أو خاطئة.. هذه كلها نماذج موجودة في الكثير من سائقي التاكسي الأبيض وليس جميعهم لأن في النهاية هم بشر منهم الصالح ومنهم الطالح ولكن العمل داخل منظومة مراقبة ومحكمة تفيد كل الأطراف.. جميع هذه المشكلات تلافتها هذه الشركات الجديدة.. بالإضافة أنها فتحت أبواب رزق لشرائح من الناس سواء من لم يجد عمل أو لزيادة دخل من يعمل بمرتب لا يكفي حاجته واستغلال أوقات فراغه في عمل آخر.. وأيضا على الجانب الآخر شجعت فئة من من لديهم سيارات خاصة أن يتركوها ويستخدموا هذه الخدمة الآمنة والمريحة والمحترفة.. أما حكومتنا الرشيدة وخاصة وزارة الداخلية فهذا الوضع لم يرضها فكيف تظهر خدمة تحترم آدمية المصري وتحقق له الأمان والراحة وتعمل باحترافية ومنظومة علمية خاصة وهي لا تستطيع أخذ منها الإتاوة فقررت فجأة تفعيل مادة في القانون تمنع تعامل السيارات الملاكي في نقل الركاب أو البضائع نظير أجر.. علما بأن نفس هذه الحكومة هي من سمحت لهذه الشركات بإشهارها قانونا واستخراج سجل تجاري لها. الغريب أن الحكومة تترك أغلب السيارات السوزوكي الفان التي يطلق عليها لفظ (ثمناية) والتي تنقل بضائع وركاب بأجر وبترخيص لوحات ملاكي وأيضا تترك التكاتك تعمل في مناطق كثيرة بأجر وتنقل ركاب وبضائع وبدون لوحات.. ومواقف الميكرباص التي على الدائري وسيارات النقل والتريلات التي تتسابق على الدائري والتي أغلب سائقيها متعاطو مخدرات ( إحصائيات رسمية من عينة موثقة ) ونماذج أخرى كثيرة لا تتذكر الحكومة تطبيق القانون عليها.. ولكن مع أول احتجاج فوضوي من بعض سائقين التاكسي الأبيض وغلقهم لبعض الشوارع وثورتهم ومخالفتهم لقانون التظاهر، تذكرت الحكومة قانون المرور ولم تتذكر قانون التظاهر بل خضعت لضغط هؤلاء السائقين.. وبدأت محاولة لتهدئتهم والقبض والتضييق على سائقي هذه الشركات الجديدة وذلك محاولة لتجنب الاحتجاجات والاعتصامات، بدلا من وجود حلول تقنن بها عمل هذه الشركات والاستفادة من هذه الفكرة الرائعة التي أسعدت المصريين وحازت على رضاهم وساهمت في تقليل الفوضى في الشارع المصري، وأيضا مساعدة سائقي التاكسي الأبيض المحترم منهم على تكوين منظومة مماثلة تحميهم وتلفظ غير المحترم وتكشفه وتطيح به خارج المنظومة الذكية والمراقبة.. وبعد ضغط الرأي العام على الحكومة قررت الحكومة تعليق الأمر وتكوين لجنة لدراسة الأمر وتكوين لجنة- وهو مصطلح مقزز غير مبشر عند المصريين ويدل دائما على التسويف والمماطلة وعدم القدرة على اتخاذ القرار- وأخيرا أحب أن أختم مقالي بجملة للعبقري د زويل وهي: الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، لكن نحن نحارب الناجح حتى يفشل [email protected]