هناك صفة يتصف بها المصريون دون غيرهم ولا ندري من أين اكتسبها الشعب، وهو حبهم الشديد للباب الخلفي في كل شيء والغريب أن كثيرين منهم يفخرون بهذا ويطلقون عليه أسماءً مختلفة مثل الفهلوة أو النصاحة أو الشطارة، فمثلًا عندما تجد طابورًا في مكان ما دائمًا ترى أحدًا يبتكر حججًا في سرقة دورك في الطابور، أما ادعاء أنه سوف يسأل فقط على شيء أو عنده ظرف طارئ يجعله لا ينتظر (معلش ابني في المدرسة ولازم أجيبه بسرعة علشان واقف في الشارع) أو(معلش البوتاجاز نسيته والع) أو(معايا حد مريض ومش قادر يستنى) أو( معلش حاجز في القطر وهيفوتني)، هذا طبعًا بالإضافة إلى أصحاب المعرفة والواسطة الذين لا ينتظرون أدوارًا باعتبار أن معرفتهم بالقائم بالعمل يعطي لهم الحق الطبيعي في عدم الانتظار.. أما قمة الابتكار والإبداع هو من يدفعون أموالًا للقائم بالعمل لتسهيل الإجراءات أو التحايل لأخذ حق ليس حقهم المدهش في الموضوع أنه لا أحد من هؤلاء يعتقد أنه يفعل شيئًا خطأ أو حرامًا لا سمح الله، ولكنه إما أن يكون فهلوة أو نصاحة أو حتى إتاوة حلال شرعًا لأنهم مجبرون عليها في هذا الزمان وليست رشوة.. يحدث هذا على جميع الأصعدة ومع كل المستويات في المصالح الحكومية وطوابير العيش وحجز التذاكر وعند زيارة الطبيب حتى في انتظار إشارة المرور أو الانتظار الخطأ أو السير عكس الاتجاه. الشيء المحير في هذا أن كل ما يحدث قد يفسره البعض بأنه مضطر لهذا للتغلب على فساد الحكومة والموظفين الحكوميين وضغوط الحياة وضيق الوقت والكثير من المبررات، ولكن عند التدقيق في سلوكيات المواطن المصري تجد أن هذه الأسباب ليست هي الدافع وراء مخالفة القانون والبحث دائمًا عن الباب الخلفي، ولكن السبب الحقيقي هو عشق المصري للباب الخلفي، بدليل أن هذا يحدث في أمور عجيبة ليست لها أي أهمية مثل دفع رشوة مثلًا لموظف المرور للحصول على نمرة سيارة مميزة أو البحث عن واسطة للحصول على نتيجة الامتحان من الكنترول قبل ظهورها الطبيعي ولو بساعات أو عند الدخول للسينما تجد الشخص يدفع أيضًا ليحصل على كرسي مميز، حتى زيارة المريض في المستشى يدفع أيضًا ليدخل في مواعيد غير مواعيد الزيارة.. هذه العادة تتوارثها الأجيال على مر العصور مع تغيير المصطلحات وتبرير الخطأ بل التفاخر به أيضًا، فالفساد والرشوة والإتاوة وقلة الضمير والظلم وعدم الإتقان في العمل والفوضى والعشوائية ومخالفة القانون، أصبحت مصطلحات قديمة بالية وتحولت إلى "فهلوة وإكرامية وحلاة وشاي" وأخيرًا (ابقى راضي الرجالة).