«مواطن مصرى لا أنتمى لأى حزب.. أعيش أفراح وآلام الوطن من خلال الغوص فى أعماق التاريخ والآثار كإنسان يحترم الإنسان بصرف النظر عن دينه ووطنه وفكره, وعلاقتى بالمسيحية عروتها الوثقى الحب, والود عن علم وعن دراسة متعمقة للآثار المسيحية حيث كان عنوان موضوع الماجستير «دراسة أثرية حضارية للآثار المسيحية بسيناء» والدكتوراه عن الآثار الإسلامية والمسيحية بطور سيناء» هكذا بدأ الدكتور عبد الرحيم ريحان -مدير عام البحوث والدراسات الإسلامية والنشر العلمى بالوجه البحرى وسيناء بوزارة الآثار حديثه ل«فيتو»، لافتا إلى أنه عمل فى مجال الآثار بسيناء مرافقاً ومشرفاً على أعمال بعثة آثار ألمانية بوادى فيران.. وأوضح إنه عاش داخل دير البنات - مقر إقامة البعثة فى ذلك الوقت- وهو أقدم موقع مسيحى متكامل مكتشف بمصر وتعود آثاره المسيحية للقرن الرابع والخامس والسادس الميلادى, وكانت علاقته بالراهبات داخل وادى فيران تستند على التآخى زاد منها أنهن كن ينصتن جيداً لحجرته المقابلة لكنيسة الدير فى منتصف الليل ليستمعن له أثناء قراءة القرآن وقد أبدين إعجابهن بشخصه المتواضع والملتزم بدينه وتعاليمه السمحة وخلق الإسلام فى التعامل داخل الدير. ويتذكر ريحان شهر رمضان فى ذلك الوقت داخل الدير, فالراهبات كن يحرصن على تهيئة كل الظروف للصيام وإعداد طعام الإفطار والسحور, حتى إنهن أرسلن فى طلب شراء الزبادى خصيصاً له من القاهرة لعدم توفره بالدير. مضيفا: حتى أفراد البعثة من الأجانب كانوا يناولون الطعام بعيداً عنى رغم إخبارهم بأن تناولهم الطعام أمامى لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لى وكانوا يتعجبون من سحر هذا الصيام عندما لاحظوا أنى أعمل أكثر منهم فى الحرارة الشديدة دون تناول الماء ودون كلل لدرجة أن أحدهم كان يصر على تناول طعام الإفطار معى ليشاركنى فرحتى بالصيام وكان يقول بأن هذا أفضل طعام تناوله فى حياته وأن له مذاقا خاصا. مواصلا سرد ذكرياته, يشير ريحان إلى أنه عندما سافر لدراسة الآثار البيزنطية بجامعة أثينا وكانت إقامته داخل دير سانت كاترين هناك, كان يؤدى الصلاة داخل الدير ويقرأ القرآن بصوت مسموع ثم انتقل للإقامة فى شقة راهب دون مقابل, فقد أهداها له الراهب حتى تنتهى إقامته باليونان وكانت تزين جدران الشقة الأيقونات وهى صور دينية مسيحية وفى هذه الشقة ختم ريحان القرآن عدة مرات. ولم يخف ريحان احتواء مكتبة دير سانت كاترين علي 200 وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين عموماً يسوق منها أمثلة للرد بها على من يجهلون التاريخ الإسلامى وقيمة حضارته وإسهاماتها فى الحفاظ على كل رموز وآثار الحضارات والديانات السابقة وبالمكتبة مجموعة من الوثائق العربية الصادرة من ديوان الإنشاء بمصر فى عهد الفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين إلى الدير ورهبانه تلقى الضوء على طبيعة العلاقات بين رهبان الدير والمسلمين من قاطنى سيناء وبينهم وبين السلطات المسئولة فى مصر. وتكشف هده الوثائق عن سياسة التسامح التى سارت عليها السلطات العربية الإسلامية حيال أهل الذمة (المسيحيون واليهود) والتى أوضحت بجلاء أن رهبان طور سيناء كانوا يعيشون فى ديرهم هادئين مطمئنين وتميز المسلمون بسعة صدورهم وتسامحهم الصادق فى أمور الدين والحريات الشخصية. ريحان مشيرا إلى وثيقة أمان من الخليفة الحاكم بأمر الله الذى تولى وزارته أربعة من المسيحيين وكان طبيبه الخاص مسيحيا وأعطاهم حرية دينية كاملة واكتنزوا فى عهده الثروات الضخمة واكثروا من بناء الكنائس والأديرة, يكشف ريحان عن عهد أمان من الخليفة الحافظ لدين الله بمعاملة القسيسين والرهبان معاملة طيبة وشمولهم بالرعاية وعهد أمان للخليفة الفائز طوله 488سم يتضمن رعاية شئون الرهبان وتأمين سلامتهم وأموالهم ومنشور الخليفة العاضد طوله 10م يتضمن كل المزايا السابقة إضافة لتسهيل مطالب الرهبان وإصلاح أمورهم وفى العصر الأيوبى 567-648ه 1171-1250م انتهج حكام الأيوبيين سياسة التسامح فكانوا يعنون بالدفاع عن حقوق الرهبان, ويتضمن منشور الملك العادل أبو بكر أيوب حمايتهم مع إقرار المميزات السابقة وفى العصر العثمانى 922-1213ه 1517-1798م ازدهر الدير وحصل على أملاك عديدة فى كريت ورومانيا وبنى السلطان سليم الأول عدة حصون لتأمين طريق الحج المسيحى وأصدر سلاطين العثمانيين وعلى وجه الخصوص سليم الأول وسليمان القانونى العديد من الامتيازات التى أعانت الدير على أن يصبح قوة اقتصادية كبيرة. منتقلا بحديثه إلى عهد محمد على 1805-1848م يقول ريحان إنه تم تخصيص نسبة من إيراد الجمارك التى تحصل بالقاهرة لصالح الدير, وسادت روح التسامح فى عهد أسرة محمد على فقد فتحت الأديرة أبوابها للزوار الأجانب وتمت دراسة بعضاً من مخطوطات الدير ومن الوثائق المهمة فى هذا العصر فرمان السلطان مصطفى الأول بن محمد 1618م الذى منحه للدير فى عهد المطران غفريل الرابع ويتضمن الاعتراف بكل المميزات السابقة وكذلك حرية السفر للرهبان لأى مكان خارج مصر وإعفاء بضائع الدير من الرسوم الجمركية وعدم التدخل فى أى ممتلكات أو مواريث خاصة بهم وحق الامتلاك بطريق الوقف فى أديرتهم وكنائسهم ومزارعهم وبيوتهم وحقولهم وبساتينهم وسائر ممتلكاتهم داخل وخارج مصر. دكتور ريحان يشير إلى أن عمرو بن العاص حين فتح مصر أعطى قبطها عهد أمان جاء فيه (هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شيء ولا ينتقص) وكان دائما يوصى فى خطبه المسلمين بمراعاة الأقباط والمحافظة على حسن جوارهم قائلاً لهم (استوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً) ذكر المؤرخ الكنسى ساويرس بأن عمرو بن العاص رضى الله عنه أرسل لبطريرك الأقباط اليعاقبة بنيامين (609- 648م) الذى كان هارباً من الحاكم البيزنطى قيرس حيث بعث رسالة إلى سائر البلاد المصرية يقول (فليظهر البطريرك مطمئناً على نفسه وعلى طائفة القبط جميعهم التى بالديار المصرية وغيرها آمنين على أنفسهم من كل مكروه) .