أظن أن هناك توجها عاما لدى الجماعة الوطنية لضرورة إجراء انتخابات الرئاسة قبل صياغة الدستور والاستفتاء عليه، وذلك بخلاف ما ارتآه وقرره المجلس العسكرى..صحيح كنا نتمى أن نبدأ بعد تنحية مبارك مباشرة باختيار جمعية تأسيسية لكتابة دستور دائم للبلاد كما فعل إخواننا فى تونس الشقيقة صاحبة الثورة الملهمة والموحية لكل الثورات فى المنطقة العربية..لكن قدر الله وما شاء فعل..أما وقد وصلنا إلى هذا الحال السىء والمتردى الذى وضعنا فيه المجلس العسكرى، فإن الأمر يستلزم توافر جميع الجهود والدفع نحو تسليم السلطة إلى سلطة مدنية، فى موعد أقصاه 30 يونيو القادم، كما أعلن المجلس العسكرى عن ذلك مضطرا عقب مذبحة محمد محمود ،وكما قرر أنه ملتزم به مهما كانت الظروف..إن الفترة المتبقية يستحيل معها كتابة دستور وإجراء حوار مجتمعى عام ثم استفتاء عليه..هذا يتطلب وقتا وجهدا، حيث من الضرورى والمهم أن يعرف الشعب ماهية وطبيعة الدستور الذى يستفتى عليه، اللهم إلا إذا كنا نريد أن يتم سلق الدستور، فيخرج إلى الدنيا كوليد مشوه. من المهم أن يتحرك المرشحون للرئاسة فى هذه الفترة القصيرة فى كل اتجاه وعلى جميع المستويات وفى كل المجالات والميادين، وأن يديروا حوارات مع الناس فى النجوع والكفور والقرى والأحياء والمناطق والمدن الصغيرة والكبيرة، وألا يكتفوا بالمناظرات التى تجرى عبر القنوات الفضائية..الناس يحبون أن يلتقوا بالمرشح للرئاسة وجها لوجه وأن يتحدثوا معه وأن يحملوا إليه همومهم وأحزانهم، وأن يشعروا بأنه يستمع إليهم ويتجاوب معهم، على الأقل من الناحية العاطفية والوجدانية..الناس يريدون من المرشح للرئاسة أن يكون قريبا إليهم، جزءا منهم، وأنه غير متعال عليهم..فى الوقت ذاته يريدون أن يروا فيه رجل الدولة القوى، الشجاع، القادر على الإمساك بزمام الأمور، الأمين على حياتهم وأمنهم واستقرارهم، الذى يكفل لهم أمور معاشهم من مسكن ومأكل وملبس وتعليم وصحة، الذى يحقق العدل بين الناس، لا فرق عنده بين غنى وفقير أوبين وزير وخفير. الناس يريدون حاكما يشعرون معه بآدميتهم وإنسانيتهم..فقد مضت عليهم عقود طويلة ذاقوا خلالها من القهر والقمع والبطش والتنكيل أشكالا وألوانا مما تقشعر منه الجلود والأبدان، وآن لهم أن يستردوا حريتهم وعزتهم وكرامتهم..هم لا يريدون أن يستبدلوا استبدادا باستبداد، وفسادا بفساد..الناس يريدون حاكما لهم لا عليهم..حاكما يحرص على المال العام، يعمل لخدمة الوطن والشعب، لا لخدمة عائلته وأفراد أسرته..حاكما يحنو على الناس، لا يقسو عليهم، ولا يكون فظا غليظ القلب لا يرحم..حاكما لا يتتبع عورات الناس، ولا يتحسس معايبهم. أعتقد أن الناس يرغبون فى أن يكون الرئيس القادم رئيسا لهم، وليس رئيسا للحزب أو للجماعة التى رشحته وأيدته وساندته ودعمته، ماديا وأدبيا ومعنويا..أعلم أن أى رئيس سوف يكون متعاطفا بشكل ما أو آخر لحزبه أو لجماعته، ولو من باب الوفاء لها..هذا أمر طبيعى وبدهى، لكن ما نطلبه هو أن يكون الرئيس على مسافة واحدة من كل المصريين، فهذا من تمام العدل..ما نطلبه هو ألا يكون هناك تغليب لأهل الثقة على أهل الكفاءة، وأن يضع الرئيس فى تصوره أن مصر هى وطن لكل المصريين، وأن لكل مواطن حقه فى توليه ما يناسبه من منصب أو موقع، طالما لا يوجد مانع جوهرى يحول دونه. ولأننا فى أمس الحاجة لبناء دولة القانون والمؤسسات، فإننا نريد أن يكون الرئيس القادم محترما للقانون، ملتزما بالفصل والتوازن بين السلطات، وأن يكون قادرا على تحقيق الاستقرار المنشود للوطن، وبالتالى تقدمه ورقيه وازدهاره..وأظن أن الشعب الذى سوف يذهب إلى صناديق الاقتراع، سوف يختار هذه النوعية من الرؤساء..أتصور أيضا أن هذا الرئيس لابد أن تكون لديه رؤية واضحة ومحددة على المستوى الاستراتيجى فيما يتعلق بمجموعة من القضايا المهمة، يأتى على رأسها: الأمن والأمن القومى، الاقتصاد والتنمية، التعليم والبحث العلمى وتوطين التكنولوجيا، الصحة، والسياسة الخارجية.