نحن نريد التجربة التركية ؛ نحن نريد التجربة التركية .!! هذا ليس إعلانا لفيلم جديد ؛ولكن كانت هذه هتافات بعض العلمانيين التي رفعوها إبان الثورة المصرية ؛ وحاولوا بقوة ترسيخ تلك الفكرة وسعوا في نشرها ؛ وسمعت منهم الكثير ينادي بتطبيق التجربة التركية كما يقول الكتاب ؛ بالطبع لم أتفاجأ من هذه التصريحات والشعارات ولكن العجيب ان احد رجال الأعمال المحسوب على التيار الليبرالي يريد تطبيق التجربة التركية في مصر ؛ ولا أعلم هل يعلم هذا الرجل تاريخ التجربة الدستورية في تركيا ؟! لذلك قررت عرض تاريخي للتجربة الدستورية في تركيا, ليعلم هذا الرجل وغيره ممن نادوا بتطبيق التجربة التركية, والتي كانت الحلم الذي يحلم به العلمانيون في مصر أنه تحول إلي كابوس عندما عُرضت عليهم الحقائق . نستطيع ان نقول إن التجربة الدستورية في تركيا مرت بعدة مراحل منها ما قبل تكوين الجمهورية , والتي جاءت على أنقاض سقوط الخلاقة العثمانية في الثالث من مارس عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك التلميذ النجيب لليهودي منير كوهين ؛ حيث ظهر على الحياة الدستورية التركية دستور عام 1876 والذي جاء بعد ضغط شديد من الشباب التركي الذي كان متأثرا بالأفكار الغربية ؛ ولم يكن دستور 1876 إلا دستورا كرتونيا مفصلا ولذلك لم يستمر إلا خمسة أشهر فقط ؛ وجاء مصطفى كمال أتاتورك والذي قامت مبادئه على خمس مبادئ أساسية منها القومية, والعلمانية ,والترقي ؛ وفعل ما فعله في البلاد من إلغاء للأذان باللغة العربية واستبدل الطربوش بالقبعة الأجنبية ؛ جاء ليسقط الخلافة الإسلامية ويؤسس الجمهورية التركية ،وهنا يجب أن نعلم ان دستور 1921 المؤقت أخذ كل شيء من دستور 1876 ؛ وشرع في إعداد دستور 1924 والذي حُطمت معه كل آمال العلمانيين في تركيا لأنه وإن كان قد عزل الدين بالكلية عن الحياة إلا أنه استفرد بالحكم وأصبح دستور 1924 دستوراً ديكتاتورياً ؛ وجاءت إصلاحات عصمت أنونو الخليفة الثاني لمصطفى كمال والذي كان لديه رؤية ليبرالية أكثر من سابقه، وظهر وقتها الحزب الديمقراطي المنسلخ من حزب الشعب، والذي أسسه اتاتورك ؛ وفاز الحزب الديمقراطي وربح الحزب الجديد في الانتخابات العامة التي أجريت في 14 مايو 1950, بأغلبية بلغت 408 من 487 مقعدا في البرلمان. فانتخب البرلمان جلال بايار, رئيس الحزب الديمقراطي, ليكون رئيسا للجمهورية التركية .وجاء عدنان مندريس رئيسا للورزاء وقام بايار بعدة تعديلات في الحياة التركية، ومنها إعادة الأذان باللغة العربية , وهنا ظهر الجيش التركي لأول مرة ففي 27 مايو 1960 قام الجيش بانقلاب عسكري, وأرسل جلال بايار وعدنان مندريس، وبعض أعضاء الحكومة والحزب، إلى محكمة عسكرية على جزيرة ياسيادا الصغيرة في بحر مرمرة، في 10 يونيو من نفس العام. ووجهت إليه وإلى خمسة عشر عضوا آخرين في الحزب، تهمة انتهاك الدستور، وحكمت عليهم محكمة العدل العليا بالإعدام في 15 سبتمبر 1961. هذه هي صورة التجربة الديمقراطية الدستورية في تركيا التي يريدها العلمانيون ؟!! جاء حادث الانقلاب الثاني في 1973 والذي جاء نتيجة ظهور الأحزاب الإسلامية او التي تصطبغ بالنزعة الإسلامية ولم يستمر هذا الوضع كثيراً خصوصاً بعدما انتشرت الحرب الخفية في شوارع تركيا وسقط من الضحايا الكثير, وهنا ظهر الجيش التركي للمرة الثالثة وحدث انقلاب آخر عام 1980 ووضع معه دستور 1982 والذي يمثل الديكتاتورية بعينها ؛ حيث حُكمت البلاد حكماً عسكرياً ثم أصبح قائد الانقلاب كنعان إفرين رئيساً للجمهورية. ثم جاء تورغت أوزال والذي له خلفية إسلامية صوفية واستطاع أن يقف موقف المدافع عن بعض المظاهر الإسلامية ومنها الحجاب . ثم حدث الانقلاب على الإسلاميين, وتم إلغاء حزب الرفاه الإسلامي, وتم القبض على رئيسه نجم الدين أربكان . إن التجرية الدستورية في تركيا مصابة بداء الجيش التركي والذي يبرر دائماً ما يحدث بأنه دفاع عن جمهورية اتاتورك والمبادئ التي بناها ورسخها في البلاد , والكثير من الأتراك الآن يعقدون الآمال على حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان في حمل راية نجم الدين أربكان والسير قدماً تجاه تركيا الإسلامية . ايهاالسادة العلمانيون المطالبون بالتجربة الدستورية التركية ؛ هل تحبون أن يكون جيش مصر كجيش تركيا كما عرضنا من قبل ؟!!