فى الوقت الذى نعانى فيه من شح الاختراعات العلمية والطبية، فإن الاختراعات السياسية تنهمر علينا فى مصر! لقد كان لنا اختراعات سياسية عديدة طوالعام مضى.. ابتداء من اختراع المرشح المحتمل، مرورا باختراع حكومة الإنقاذ، وحتى اختراع الجمع بين الشرعية البرلمانية والشرعية الثورية.. وها نحن نخترع مؤخرا فكرة المرشح التوافقى للرئاسة! وهذا الاختراع السياسى الجديد مثير جدا للدهشة.. لأننا منذ تنحى مبارك عن الحكم وحتى الآن، ونحن نحاول أن نتوافق على شىء ولم نستطع، فكيف يتسنى لنا أن نتوافق على مرشح رئاسى واحد من بين مجموعة كبيرة من المرشحين؟ فى البداية حاولنا أن نتوافق على مجلس رئاسى واحد، ولم نتمكن! وحاولنا أن نتوافق على رئيس وزراء، واحد لحكومة إنقاذ وطنى، ولم نستطع! وحاولنا أيضا أن نتوافق على مبادئ عامة حاكمة أو حتى غير حاكمة للدستور وقواعد لاختيار لجنة إعداد الدستور، ولم نوفق! وحاولنا كذلك أن نتوافق على قوانين الانتخابات ولم نعثر على ما يرضينا جميعا! وهكذا.. كان التوافق متعذرا دائما، وصعب المنال، وحلما دائما لنا نصبوا إليه ولكن لا يتحقق.. فكيف سنحققق التوافق على مرشح واحد للرئاسة من بين مجموعة من المرشحين تختلف الاتجاهات والمشارب؟ فلا يصح أن يحصل أى مرشح للرئاسة على لقب المرشح التوافقى بمجرد تأييد الحزب الذى نال أغلبية المقاعد البرلمانية ومعه جماعته، والمجلس الذى يدير شئون البلاد في المرحلة الانتقالية.. هنا التوافق يكون ناقصا أو بالأصح زائفا.. لأنه لكى يظفر أى مرشح رئاسى بلقب المرشح التوافقى فإنه يحتاج لتوافق الجميع.. مسلمون وأقباطا.. رجالا ونساء.. شيوخا وشبابا.. حزب الأغلبية والأحزاب الأخرى بما فيها غير الممثلة فى البرلمان، وحتى الحركات السياسية التى لم تتحول بعد إلى أحزاب. والمؤكد أنه لن يتمكن مرشح واحد من بين المرشحين لانتخابات الرئاسة من الحصول على كل هذا التأييد من الجميع.. وبالتالى فقد يكون من الأوفق أن يبحث هؤلاء المتحمسون لفكرة المرشح التوافقى على مرشح نصف توافقى أو ثلث توافقى، أو حتى ربع توافقى.. وإن كان ذلك فى ضوء إخفاق السوابق التوافقية صعب المنال أيضا. فهذا أجدى وأفضل حتى لا تختار جهة أو أخرى مرشحا ويتم منحه لقب المرشح التوافقى، ثم تأتى الانتخابات، بما لا تشتهى سفن هذه الجهات، ويخسر المرشح التوافقى لها الانتخابات، ويفوز مرشح آخر غير توافقى... خاصة أن ظروف المنافسة فى الانتخابات الرئاسية تختلف عنها فى الانتخابات البرلمانية.. حيث يلعب القبول الشخصى دورا أكبر فى الأول.. لذلك ليس معنى حصول حزب على أغلبية برلمانية أنه قادر على ترجيح كفة مرشح على آخر فى حلبة المنافسة الانتخابية الرئاسية.. أما المجلس العسكرى فهو لا يملك ناخبين، يوجههم للتصويت لصالح مرشح ويحجب أصواتهم عن بقية المرشحين، وإن كان ذلك لا ينفى أنه يتمنى مثل غيره أن يفوز المرشح الذى يرضى عنه. أما - لا قدر الله - إذا تحقق المستحيل وصار لدينا مرشح توافقي فما حاجتنا إذن لاجراء انتخابات رئاسية؟!.. لماذا نعمد إلى الناخبين للتصويت على مرشح توافقنا عليه؟.. أليس من الأجدى وقتها أن نلغى الانتخابات الرئاسية ونوفر على أنفسنا عناء إجراائها وتأمينها، والأموال التى تنفق عليها، مساهمة منا فى تخفيض عجز الموازنة.. وبالتالى سوف يوفر بقية المرشحين غير التوافقيين على أنفسهم عناء منافسة انتخابية نتائجها محسومة سلفا قبل إجراء الانتخابات؟! لكن المشكلة هنا أنه إذا حدث هذا التوافق المستحيل فإننا سنختلف وقتها حول موضوع إلغاء الانتخابات لأنه سوف يصطدم مع الإعلان الدستورى، خاصة مادته التى تنظم انتخابات رئيس الجمهورية، وهى مادة كانت من ضمن المواد التى شملها الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس الماضى.. وهنا قد ينفرط عقد توافقنا على مرشحنا المفضل للرئاسة! وهكذا الأفضل لنا أن نقبل بالمرشح نصف التوافقى أو حتى ربع التوافقى فإذا خسر الانتخابات فلا حرج!