السد العالى.. بحيرة ناصر.. والإصلاح الزراعى « من هنا كانت البداية »

يعني اسم جمال عبد الناصر للفلاحين الكثير، فمن كثرة حبهم له سمي معظمهم أولادهم وأحفادهم باسمه، فالزعيم الراحل هو رائد النهضة الزراعية في مصر، ومخلص الفلاحين من التبعية والعبودية للإقطاعيين، بعد أن ملكهم الأراضى التي كانوا يعملون فيها بنظام السخرة.
ويعد مشروع السد العالي أحد أهم وأضخم ميراث تركه عبد الناصر للشعب، والذي ما زال يخدم المصريين حتى الآن، فقد حمى السد - الذي بناه عبد الناصر بمساعدة الخبراء السوفييت - مصر من خطر الفيضان، حيث وفر كميات المياه اللازمة لتحويل رى الحياض إلى رى دائم، وبفضله تم استصلاح ما يقرب من 2 مليون فدان.
عصر عبد الناصر شهد العديد من المشروعات الزراعية العملاقة التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، هي ميراثه للأجيال الحالية، ومنها مشروع بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية في العالم، والتي حملت اسم الزعيم الراحل لأنه كان العقل المدبر لهذا المشروع الضخم.
عندما بدأ تكوين البحيرة أثناء إنشاء السد العالي ما بين عامى 1958 و1970 استوجب الترتيب لها نقل عدة مواقع مهمة، فقد كان يوجد بموقع البحيرة نحو 18 موقعا أثريا مثل معبد أبو سمبل.
وفى عهد عبد الناصر استطاعت مصر أن تحقق الاكتفاء الذاتى من مختلف محاصيلها الزراعية عدا القمح الذي حققت منه 80% من احتياجاتها، وتضاعف حجم الأرض المزروعة بمحاصيل رئيسية إستراتيجية وتحديدا القطن طويل التيلة والقمح والأرز وقصب السكر والفول والعدس والبصل، كما أنشأ الزعيم الراحل هيئة السلع التموينية عام 1961 لتكون مسئولة عن توفير احتياجات الشعب المصري، سواء من الأسواق الداخلية أو بالاستيراد.
وقبل كل هذا، هناك قوانين الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية الزراعية والتي بموجبها صار فلاحو مصر يمتلكون للمرة الأولى الأرض التي يروونها بعرقهم، وتم تحديد ملكيات الإقطاعيين بمائتى فدان فقط، فضلا عن مشروع مديرية التحرير واستصلاح أكثر من نصف مليون فدان تم توزيعها على الفلاحين.
وينسب الفضل في إنشاء قناطر أسيوط إلى عبد الناصر، وهي مجموعة سدود على نهر النيل في مدينة أسيوط بصعيد مصر، صممها المهندس البريطاني الشهير السير ويليام ويل كوكس، والذي صمم أيضًا وبنى سد أسوان على بعد 350 ميلًا تقريبًا (560 كم) أسفل التيار القادم من سد أسوان، وتم تشييد السد من أجل تحويل مياه النهر إلى المياه المنخفضة في أكبر قناة للري في مصر، قناة الإبراهيمية.
ومرارا وتكرارا حاول عدد من الرؤساء الذين حكموا مصر بعد جمال عبد الناصر التقليل من إنجازاته أحيانا ومقارنة مشروعاتهم بها أحيانا أخرى، لاسيما الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك والذي كان يقول دائما إن مشروع توشكي يضاهي السد العالي.
وفى مقابل الإنجاز الأكبر لنصير الفلاحين، فإن أعظم خطايا مبارك هي تهميشه لهذه الطبقة وانحيازه الكامل للأغنياء ورجال الأعمال، مما أدى إلى انكماش الطبقة الوسطى حتى كادت تتآكل تماما، وأصبحت أقرب للفلول الذين يقاومون من أجل البقاء.
عبدالناصر انتصر أيضا للطبقة الوسطى - إلى جانب الفقراء - كونه أحد أبنائها، فأبوه كان موظفا بسيطا في البريد، مما منحه درجة أعلى في السلم الاجتماعى جعلته ضمن الطبقة الوسطى حتى لو كان في أدناها، فالوظيفة قبل ثورة يوليو كانت وسيلة لرفع مستوى المعيشة والارتقاء بالوضع الاجتماعى للأسرة.
انحياز عبدالناصر إلى طبقة الفقراء جاء من خلال مجموعة من القرارات والقوانين أبرزها الإصلاح الزراعى، الذي جعل عددا كبيرا من الفلاحين "الإجراء" ملاكا للأراضى، مما أتاح لهم تعليم أولادهم، والأخيرون بدورهم تقلدوا وظائف مختلفة، فأصبح منهم الأطباء والمهندسون والمدرسون والقضاة وضباط الشرطة، حين كانت الوظائف في هذا العصر متاحة ولم تكن المناصب المهمة بالوساطة والمحسوبية والرشوة، فقط بمجرد أن تنطبق الشروط على طالب الوظيفة يحصل عليها.
كانت أيضا مجانية التعليم في جميع المراحل سببا في ارتقاء عدد من الأسر الفقيرة درجة في السلم الاجتماعى ووصولهم إلى الطبقة الوسطى، ولعل حرص عبدالناصر على مجانية التعليم وتوفير فرص عمل للخريجين بجانب منح الفلاحين الفقراء أراضى الإصلاح الزراعى ومع إنشاء المصانع، وسع مساحة هذه الطبقة حتى أصبحت لها الغلبة في المجتمع المصرى.