حين تختفى كاميليا، يخرج الإسلامجيون فى مظاهرات تطالب بأختهم. أو حتى يستدعون حادثة من التاريخ يقولون فيها إن الخليفة المعتصم سيّر جيشا لحرب قائد رومانى لأنه أسر امرأة فنادت «وا معتصماه». مستمعوهم تقشعر أبدانهم ويمصمصون شفاههم تأثرا. الحادثة، رغم التساؤلات، متداولة تاريخيا وشعبيا. والعبرة فيها أن خليفة المسلمين لم يكن يسمح بإهانة امرأة. يخرج إذن الإسلامجيون محملين بالتاريخ وبالأعراف ويطالبون بالأخت كاميليا. لكنهم، بعيدا عن قصة المعتصم القديمة، بل فى قصة معاصرة، تهان فيها مواطنة مصرية (مع غيرها من المواطنين والمواطنات)، لا نسمع لهم ولا لمستمعيهم حسا. لماذا؟ أولا: لأنهم مدفوعون بالرغبة فى النكاية أكثر من كونهم مدفوعين بدفاع مبدئى عن الحقوق. الرغبة فى النكاية فى المسيحيين فى حالة كاميليا، أقوى من الرغبة فى الدفاع عن حق كاميليا أو غيرها. (أشدد على أن هذا الموقف الغالب لكن من الإسلامجيين من أظهر مواقف محترمة جدا). فى حالة اعتداء المجلس العسكرى على المعتصمين، فإن الإسلامجيين فى معادلة الكره فرق.بعضهم يتساوى لديه كره الثوار مع كره المجلس العسكرى، وهؤلاء هم قيادة «الإخوان المسلمون»، فتراهم يتأرجحون يمينا ويسارا. يصرحون فى هذا الاتجاه تارة ثم يعودون فيصرحون فى ذاك، أو يكتفون بطرح الأسئلة. أما على مستوى القاعدة، فيكلفون كتائبهم الحركية بالدعاية ضد الثوار بجنون، وبلا هوادة. هذه الكتائب هم أصدقاؤك على «الفيسبوك»، الصامتون عادة، لا يتحدثون إلا وقت اللزوم، الذين يدعون أنهم «ليبراليون» أو «لديهم ميول يسارية»، أو داعمون للمجلس العسكرى والاستقرار، لكنهم إخوانيون حتى النخاع، ويتحركون بأوامر تنظيمية، موسمية، مباشرة. الكره الذى يحرك هذه الطائفة من الإسلامجيين، (الإخوان المسلمين)، له علاقة فى جانب منه بمظنة المنفعة السياسية. لكن، صدقونى، دافعه الأكبر نفسى بحت، يحدث عادة بعد الثورات. الإخوان الآن يقتربون من السلطة، التى ستجلب منافع وأدوارا لعدد قليل من كوادرهم القيادية، لكن القاعدة العريضة سيعودون إلى رتبة مواطن عادى بعد أن كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مناضلون. ولا أكره إلى قلب المناضل الذى انتهى دوره من هؤلاء الذين لا يزالون مناضلين، أو صاروا مناضلين. أما فريق الإسلامجيين الأكثر حسما والأكثر محافظة فهؤلاء لا يكرهون شيئا أكثر من كرههم الثوار الذين تخرج المرأة فى صفوفهم وتنادى بحقها، هذا بالنسبة إليهم بلاء عظيم، أكبر من بلاء الاستبداد والقهر، وفساد أكبر من فساد المال والذمم. هؤلاء واضحون فى دعمهم المجلس العسكرى، ليس حبا فيه، بل كرها فى معارضه. بل ويأخذون على عاتقهم الدعاية ضد الثوار علنا وسرا. بالبضاعة التى يجيدونها حينا، الدين، وبالبضاعة التى استحدثوها بعد الثورة، ولم يألفوا حتى الآن مفرداتها، السياسة. لكن الإسلامجيين لم يكونوا وحدهم من تعرى فى الاختبار. «الليبرالى» نجيب ساويرس الذى يصمت حين ينبغى له أن يتحدث، ويتحدث حين ينبغى له أن يصمت، سقط أيضا. أولا، حين قبل عضوية المجلس الاستشارى الذى ولد فى ظروف مشبوهة وبتكليفات مشبوهة. والذى -فى أقل أخطاره- هو طعنة للديمقراطية، وفى أكثرها طعن فى شرعية الثورة. وثانيا، حين لم يستقل مع زفة المستقيلين. تعرى أيضا الشعب العريض المتشدق ب«أخلاق القرية» دون أن نرى لها أثرا ملموسا فى حياتنا اليومية. هل تعلمون أن أكبر إهانة بيد المرأة القروية هى تعرية أجزاء من جسدها «أمام بيت العمدة». إهانة للعمدة وإهانة لنخوة أهل القرية. لا أريد أن أخوض فى مباحث اجتماعية هنا، إنما أحكى أمرا واقعا. أما أن يقدم شخص على تعرية امرأة، فهذا ما لا يتسامح معه فى القرية أحد، وإلا لحق العار بالجميع. فى جمهورية العشوائيات الأخلاقية التى نعيشها، لا أدركنا الحداثة وأعلينا قيمة المواطن وحقوقه، ولا حافظنا على التقاليد وأعلينا قيمة جسد المرأة. لا شىء. لا شىء سوى الكلمات الجوفاء التى يتسابق عليها، للأسف، خطباء المساجد، والسياسيون، والإعلام. يا عباد الله، هناك خط أدنى من الأخلاق المتعارف عليها فى الدنيا كلها، ونحن، مع كل «تديننا، وعاداتنا، وتقاليدنا» لا نستطيع أن نصل إليه. يا أبناء بلدى: إننا فى أزمة عرى أخلاقى عويصة! ■ ملحوظة: أحب أن أطمئن الإخوان، لو أراد أحد تخريب الانتخابات لعمد إلى إثارة المشكلات أمام لجان انتخاب هنا وهناك. اهدؤوا. الخطر الحقيقى على الانتخابات والحياة السياسية هو التواطؤ مع المجلس العسكرى وإقناعه بأن «كل الناس» معه. صدقونى.