(1) إلى هؤلاء الذين يتحدثون عن الطرف الثالث (أو المجهول أو المندس) الذى يسعى لتخريب العلاقة بين الشعب والمجلس، هل تسمحون لى بتقديم معلومات قيمة ستفيدنا فى حماية الوطن؟ الطرف الثالث هو هذا الشرطى الذى يهنئه جنوده على إصابة متظاهر فى عينه. هو ذلك الشرطى الذى يشد فتاة من شعرها ويجرها فى الشارع. هو رجل الأمن الذى يجر جثة شهيد على الأرض ثم يلقيها وسط الزبالة إلى جانب الرصيف. هو كل من كانوا حول هؤلاء ورأوهم ولم يلقوا القبض عليهم باعتبارهم «عناصر مندسة». الطرف الثالث هم هؤلاء الجنود الذين يرتدون زى الجيش ويلاحقون المقبوض عليهم وينهالون عليهم بالعصى حتى وهم بلا حول ولا قوة. الطرف الثالث هم المسؤولون الذين ينكرون وجود الرصاص الحى والخرطوش، ويبررون الاستخدام المفرط للقوة، ولا يحاسبون قيادات الداخلية. الطرف الثالث هم الإعلاميون الذين يكذبون على الشعب ويبثون أخبارا كاذبة عن معتصمى الميدان فيقدمون المبرر لمزيد من القتل. الطرف الثالث هم من يروجون لفكرة الطرف الثالث. (2) أى حل لا يبدأ من تطهير جذرى لجهاز الداخلية فورا ليس أكثر من خدعة. البند الأول فى خطة الإصلاح هو وزارة الداخلية، والبند الثانى وزارة الداخلية، والبند الثالث وزارة الداخلية. الشرطة الحالية تنتمى إلى عصر مبارك، وتعتبر نفسها عدو الثورة وحائط الصد ضدها، ولا تفوت فرصة للتأكيد على أن شيئا لم يتغير. الشىء الوحيد الذى تعلمت الشرطة التسامح معه هو الجريمة. لقد تحدث كثيرون عن نفسية ضباط الشرطة التى تأثرت سلبا بعد يناير، وعن الحاجة لرفع الروح المعنوية للضباط. وأسأل هؤلاء: هل الدماء التى أسالوها كافية لرفع روحهم المعنوية وشحنهم بطاقة العمل من جديد؟ (3) ينتمى إلى عصر مبارك أيضا هؤلاء السياسيون الذين تتسرب أسماؤهم كمرشحين محتملين لرئاسة الوزراء. كل مسؤول كبير فى عصر مبارك مشمول معنويا وأدبيا باتهام إفساد الحياة السياسية. المسؤول الذى أجريت فى عهده انتخابات مزورة لا ينبغى أن ينال شرف قيادة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مصر، لأنه محروق سياسيا. نقطة ومن أول السطر. هل هذا هو مستوى فهم المجلس العسكرى لما يجرى؟ هل هذا هو مستوى فهمه لعبارة «حكومة إنقاذ وطنى»؟ هل هذه هى الشخصيات التى يعتقد أنها سترضى الراغبين فى التغيير من أبناء مصر؟ إن كانت الإجابة بنعم فاسمحوا لى، لا أمل فى المجلس أبدا. لا بد له أن يدرك أن الشخصيات التى يمكن له «أن يدير من خلالها» لا تصلح لهذه المرحلة، وأن يدرك فورا أن البلد -وليس فقط الثوار- فى حاجة إلى شخصيات فاعلة ذات رؤية تنشر الطمأنينة بشفافيتها وقدرتها على الإقناع وامتلاكها لروح المبادرة. (4) لا أدرى من أين أتى كل هؤلاء «الوسطاء» بالبجاحة لكى ينصبوا أنفسهم حلقة وصل بين الميدان الذى لم يدافعوا عنه ولم يشاركوا فيه وبين المجلس العسكرى؟ يستطيعون أن يؤدوا دور حاملى رسائل المجلس العسكرى إن أرادوا، لا أن يحتكروا الحوار بين الطرفين دون أن يكون للميدان ممثل له «من أهله». لقد جربت الثورة هذه الوصفة بعد مرحلة يناير وكانت التجربة كارثة. أما وإنه لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، فإن إعادة التجربة الآن غباء محض، لا يجب أن تقع قوى الثورة فيه. لكن هذا لا يستلزم فقط قرارا بمقاطعة الوسطاء، بل قرارا بإعلان عن شخص أو مجموعة أشخاص يتحدثون -كممثلين لا قادة- باسم مطالب القوى السياسية فى الميدان. الفشل فى الاتفاق على تلك الشخصيات ينتقص من الرصيد السياسى للميدان الثائر، ويحول تضحيات الشهداء إلى موازين من خشب، ضخمة الحجم قليلة الفائدة. وليس هذا الوفاء المناسب. سأظل أقولها مرة بعد أخرى، لقد كانت عبقرية الثورة حين ولدت أنها ولدت بلا قيادة واحدة، فصعبت المهمة على السلطة. لكن عند نقطة معينة وجب أن تجد الثورة قناة سياسية لمطالبها ومنفذا إعلاميا لرسالتها. هذا هو السبيل الوحيد لمنع تجييش الشعب ضدها. لقد حقق الإخوان المسلمون مكاسب سياسية من خلال تقديم أنفسهم ككتلة لها رأس (بغض البصر عن الاختلاف معهم وتقييم قرارات قادتهم).