لقد أسقطت الثورة السلطة التنفيذية.. كما أسقطت السلطة التشريعية.. ولم يقف الحد عن السقوط فقط.. ولكن تم محاكمة السلطتين.. فها هو ذا رأس السلطة التنفيذية يحاكم على تهم قتل المتظاهرين والفساد واستغلال النفوذ والتربح وتسهيل الاستيلاء على المال العام من منصبه ومعه أولاده.. وكذلك رئيس وزرائه أحمد نظيف وعدد كبير من وزرائه فى السلطة التنفيذية. وكذلك الأمر فى السلطة التشريعية، ففتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق سيحاكم بتهم الكسب غير المشروع واستغلال النفوذ وكذلك الأمر مع رئيس مجلس الشورى وأمين الحزب الوطنى «المنحل» صفوت الشريف.. بخلاف محاكمتهما أيضا على اتهامهما فى موقعة «الجمل» لدورهما فى تحريض البلطجية ومتظاهرين تابعين للحزب الوطنى فى يوم 2 فبراير بالذهاب إلى ميدان التحرير وذلك من أجل الاشتباك مع المتظاهرين الذين يطالبون بتنحى مبارك ورحيله. أى نعم لم يتم محاكمتهم بعد على إفسادهم السياسى.. وإن كان هناك وعد من الذين يحكمون البلاد فى المجلس العسكرى والحكومة بمحاكمات الذين أفسدوا البلاد سياسا خلال حكم مبارك «المخلوع» وما زال قانون الغدر الذى سيحاكمون به مطروحا للنقاش المجتمعى! فقد طالبت الثورة ومن اليوم الأول بإسقاط النظام.. وسقط مبارك فى 11 فبراير.. وكان حل مجلسى الشعب والشورى اللذين جاءا بالتزوير المنهجى للنظام وعصابته مطلبا أساسيا فتم ذلك فى 13 فبراير. وهنا أصر الثوار على محاكمة الرئيس المخلوع ورموز النظام وتطهير مؤسسات الدولة.. فكانت جمعة المحاكمة والتطهير فى ميدان التحرير وميادين مصر 8 أبريل وتظاهر ملايين ضد تباطؤ جهات التحقيق والذين يديرون البلاد فى محاكمة هؤلاء.. وهو ما يحدث الآن. فى ظل ذلك تمسكت الثورة التى أسقطت السلطتين التنفيذية والتشريعية بالسلطة القضائية.. وإنما طالبت بتطهيرها واستقلالها.. وها هو ذا الرئيس المخلوع ورموز نظامه يحاكمون أمام قاضيهم الطبيعى، وهو الذى كان يحاكم معارضيه أمام القضاء الاستثنائى. حدث ذلك فى وقت لم يكن يعتب فيه أحد على استخدام إجراءات ثورية فى محاكمة هؤلاء فى ظل الثورة.. فهناك شرعية ثورية.. لكن ارتضى الناس محاكمة هؤلاء بالقانون العادى وبمواده التى انتزع منها النظام السابق ما يمكن أن يحاسبهم على فسادهم السياسى.. لكن ظلت السلطة القضائية قائمة وتولى السلطة العليا فيها بعد الثورة واحد استبشر به الجميع خيرا فى تطهير القضاء من بعض ما أفسده النظام السابق هو المستشار حسام الغريانى الذى اعترف بشكل واضح فى الجمعية العمومية الطارئة لنادى قضاة الإسكندرية الجمعة الماضية بأن القضاء غير مستقل، وهو ما كنا نقوله قبل الثورة فى وجه نظام مبارك الذى كان يعاند ويدعى أن القضاء مستقل ويسايره البعض للأسف من القضاة الذى استطاعوا غزو نادى القضاة بمساعدة وزير العدل ممدوح مرعى الذى كان رسولا للنظام لإفساد القضاء وإقصاء تيار الاستقلال من نادى القضاة.. وقد حصل على منصبه لدوره العظيم فى تزوير انتخابات الرئاسة عام 2005 حيث كان رئيسا للجنة العليا للانتخابات الرئاسية.. وقد نجح بالفعل فى رسالته وأتى بهيئة ناد عطلت وما زالت تعطل استقلال القضاة الذى ناضل من أجله النادى فى مراحل تاريخية ودخل فى صدام مع الأنظمة الحاكمة وكان آخرها فى عام 2005 فى انتفاضة القضاة فى أثناء رئاسة المستشار زكريا عبد العزيز للنادى. وعمل النظام بأجهزته الأمنية والإعلامية وحزبه المحتكر على تشويه صورة تيار الاستقلال للإطاحة به من النادى ومن السلطة القضائية.. واستبعد القضاة من الإشراف على الانتخابات حتى يتمكن من تزويرها بشكل كامل. ولم يتوقف النظام عن الإطاحة بتيار الاستقلال وإنما كان يتدخل فى الأحكام القضائية.. وها هو ذا رئيس المجلس الأعلى للقضاء الآن يعترف أنه «تم عقد اجتماع لرؤساء الدوائر بالمحكمة وطُلب منى سحب حكم أصدرته وأنا رئيس دائرة جنائية بمحكمة النقض»، طبعا لم يحب المستشار الغريانى أن يذكر أن تلك القضية أو الحكم كان خاصا بإبطال عضوية زكريا عزمى فى مجلس الشعب.. وهو الحكم الذى لم ينفذ أيضا. لقد تمسكت الثورة بالسلطة القضائية ولكن طالبت باستقلالها وتطهيرها، إلا أن نادى القضاة برئاسة المستشار الزند الذى جاء على أسنة رماح ودفاتر شيكات الوزير ممدوح مرعى لا يريدون. ولا أعرف حتى الآن لماذا لا يزالون باقين فى النادى.. فقد آن أوان تركهم النادى طوعا مثل غيره من النقابات التى سقطت مع النظام.. ويا أيها القضاة تمسكوا بمطالب الثورة وحقكم فى الاستقلال.