استقلال القضاء.. هو أحد مطالب ثورة 25 يناير.. فلا ديمقراطية دون استقلال القضاء.. ولا عدالة دون استقلال القضاء.. ولا حرية دون استقلال القضاء.. وكان استقلال القضاء دائما على أجندة القوى السياسية الحية فى المجتمع (لا القوى التقليدية الحالية التى تتكالب الآن على جنى ثمار الثورة وهى التى كانت تتحالف مع النظام السابق). وكانت تلك القوى تساند دائما استقلال القضاء وترى أنه الحل فى دعم بناء مجتمع مدنى حقيقى ودولة القانون.. وضد قيم الاستبداد.. وضد فساد العصابات الحاكمة. ونشطت حركة استقلال القضاء خلال نظام حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك -وإن كان لها جذور تاريخية قبل ذلك- وتعالى صوتها، وتمثل ذلك فى مؤتمر العدالة الأول الذى عُقد عام 1986.. ونادى فيه القضاة بالاستقلال ووقف يومها شيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعى مطالبا برفع حالة الطوارئ لأنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون هناك استقلال قضاء فى ظل حالة الطوارئ.. وهو الأمر الذى أغضب مبارك يومها.. فلم يعد هناك بعدها مؤتمر عدالة آخر.. وحاول بكل ما يمتلك اختراق القضاء وإفساده من خلال السلطة التنفيذية لتطغى على السلطة القضائية باستخدام وزراء عدله الموالين له على حساب القضاء واستقلاله. وبذل كل ما يملك هو وأفراد عصابته لضرب حركة استقلال القضاء. ولم ييأس القضاة المستقلون فى الانتصار لقضيتهم واستمروا فى نضالهم.. وفضحوا النظام السابق من خلال كشفهم عن أن الانتخابات التى أُجريت فى مصر سواء كانت برلمانية أو حتى استفتاء على الرئاسة كانت مزورة. وخرجت حركة استقلال القضاة إلى الشارع فى عام 2005 والتحم بها الناس فى مشهد رائع بشر بثورة ضد نظام مبارك الاستبدادى والتسلطى.. فما زاده ذلك إلا استبدادا وتسلطا أكثر، وساعده فى ذلك حزبه الوطنى الفاسد ورجال توريث جمال مبارك مثل المحتكر أحمد عز، فألغى إشراف القضاء على الانتخابات فى ترقيعاته الدستورية التى أجراها فى 2007 وخُطَط وزير عدله ممدوح مرعى الذى كافأه على تزوير انتخابات الرئاسة فى عام 2005 بالمنصب الوزارى ليكون أداته فى التخلص من تيار استقلال القضاء فى نادى قضاة مصر وأندية القضاة فى الأقاليم.. ونجح مرعى بسياساته الفاسدة (التى لم يحاكَم عليها حتى الآن رغم تقديم بلاغات موثقة ضده لأجهزة التحقيق). ووقف جميع القوى الحية مع القضاة فى معركتهم من أجل الاستقلال وكان على رأس تلك القوى النقابات المهنية وخصوصا المحامين والصحفيين. ولا يزالون حتى الآن يؤيدون استقلال القضاة وتياره داخل أندية القضاة ضد بقايا النظام السابق فى تلك المؤسسة المهمة.. التى سيطر عليها النظام السابق وأتباعه لإجهاض الحركة الاستقلالية التى استجاب لها نفر من الموالين لذلك النظام فى القضاء، للقضاء على تلك الحركة والاستهزاء برموزها، وجاءت الثورة لتتبنى استقلال القضاء ويشارك فيها رموز تلك الحركة ويكون لهم فيها دور مؤثر وتتبنى الثورة مطلب استقلال القضاء لأنه الأساسى فى بناء دولة القانون. لهذا استبشر الجميع خيرا بتولى المستشار حسام الغريانى أحد وأهم رموز استقلال القضاء منصب شيخ القضاة رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس محكمة النقض، وهو المنصب الذى لم يكن ليتولاه لولا الثورة.. فقد كان النظام السابق قادرا على التلاعب فى تولى تلك المناصب واستبعاد العناصر الوطنية والمهنية التى لها رأى ودور مستقل.. وقد فعلها كثيرا. وشرع المستشار الغريانى فى تنفيذ مطلب الثورة الذى هو مطلب القضاة باستقلال القضاء مكلفا أحد شيوخ القضاة وهو المستشار أحمد مكى بوضع تصور لقانون استقلال القضاة ليتمتع القضاة أخيرا فى مصر بالاستقلال.. لكن مناوشات العهد السابق تظهر مرة أخرى عن طريق أندية القضاة للتأثير على مشروع مكى. وليظهر أيضا فى مشروع القانون ما يغضب المحامين.. فينتفضوا ضد مشروع القانون، وهم أحد أعمدة القضاء المستقل، لما جاء فيه ضد حصانتهم القضائية أو تعيينهم فى سلك القضاء. فمن حقهم أن يعترضوا على ما اعتبروه استهانة بهم فى المشروع، وعلى أهل استقلال القضاء الاستماع إلى المحامين خصوصا وهم ينشدون أيضا الاستقلال بعد أن أطاحت الثورة بالزمرة الفاسدة التى كانت تريد للمحامين اتجاها آخر لمناصرة قوى الطغيان وتوريث الحكم. فيا أيها القضاة نحن فى حاجة إلى استقلال المحامين كما نحن فى حاجة إلى استقلال القضاة.. فاستمعوا إلى المحامين.