فى أقل من شهر توافق أربعة من مرشحى رئاسة الجمهورية على الطواف حول مشيخة الأزهر الشريف رغم اختلاف مشاربهم الفكرية. هذه الزيارات ليست مجرد دعاية انتخابية، ففى طياتها رسائل عديدة، وتعكس رؤية كل مرشح من الأربعة لدور المؤسسة الدينية، ومن المتوقع استكمال مشوار الزيارات، بدار الإفتاء ثم كاتدرائية العباسية. زيارة مشيخة الأزهر بطريق الأتوستراد لا تعنى سعى كل من المرشح الإسلامى عبد المنعم أبو الفتوح، والمرشح القومى حمدين صباحى، ولا المحسوب على النظام السابق عمرو موسى، ولا المرشح الليبرالى محمد البرادعى، لضمان ما يزيد على أربعة ملايين صوت، هم عدد المشايخ والدعاة والموظفين والإداريين، وكذلك طلبة جامعة الأزهر، ولكن كسبا لتأييد تلك المؤسسة التى تمنح صك الشريعة لرئيس الجمهورية، فالأزهر ليس لأنه مجرد مؤسسة دينية فحسب، ولكنه مؤسسة سياسية فى المقام الأول، وهذا ما أكده وكيل الهيئة الدولية للطاقة النووية السابق، الدكتور محمد البرادعى حينما قال «إن مشاركة الأزهر فى العمل السياسى ليست جديدة، فهو يقوم بذلك منذ ثورة 1919 وما قبل ذلك»، وهو ما أيده شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مضيفا إلى قول البرادعى أن الأزهر يدعم احترام العقيدة والأخذ بالمسائل الدينية فى الأمور الحياتية. الزيارة إذن لا تحمل فقط الرغبة فى «بركة المؤسسة الدينية» وأصوات أبنائها، على عكس زيارات الطرق الصوفية ودار الإفتاء. طروح شيخ الأزهر خلال الزيارات الأربع حملت رسائل سياسية حينما أكد مبدأ المواطنة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان، حين أبرز شيخ الأزهر أن الحرية مقصد أساسى من مقاصد الشريعة، وأن الشورى ملزمة، والأزهر يحرص كل الحرص على إتمام المسيرة الديمقراطية حتى يتسنى للشعب المصرى التعبير عن إرادته واختيار نظامه الدستورى ونهجه السياسى. الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى بدأ تلك الزيارات أراد بذلك أن يرسل رسالة للجميع، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التى طردته خارج إطارها، بأن هناك كعبة أكبر للمسلمين وأصواتهم، بينما جاءت زيارة كل من حمدين والبرادعى لتؤكد أن للمؤسسة الدينية دورا فى دعم الدولة المدنية وفى مواجهة التيار السلفى. البرادعى قال خلال الزيارة: إن الأزهر يمكن أن يكون قوة مصر الرخوة مع الدول الإسلامية واستقلاليته ضرورة، معلنا تأييده لوثيقة الأزهر، ووصفها بأنها وثيقة شاملة جامعة يمكن للقوى الوطنية الاسترشاد بها لوضع الدستور. وطالب بضرورة أن يعود الأزهر منارة للإسلام فى مصر والعالم الإسلامى، مؤكدا أهمية استقلال الأزهر، من خلال موارد مالية مستقلة وعودة الأوقاف وهيئة كبار العلماء، وأن تكون دار الإفتاء جزءا منه. بينما قال أبو الفتوح «كلنا خدامون للأزهر، والأزهر، مؤسسة وشيخا، فخر لنا»، وطالب بعودة دور الأزهر، وأوضح أن الإخوان المسلمين جماعة إسلامية نشأت فى كنف الأزهر الشريف، مشيرا إلى أن زيارته دعم للأزهر، وعده منارة لنشر وسطية الإسلام. وطالب بنفس مطالب البرادعى من ضرورة استقلال الأزهر، لكنه أضاف إليها ضم الأوقاف لمؤسسة الأزهر. «أتيت إلى مشيخة الأزهر للحصول على البركة» استهل بها عمرو موسى زيارته للأزهر، ثم طالب بمشاركة الأزهر فى وضع الرؤية المستقبلية ورسم السياسات الجديدة لمصر، فيما ركز صباحى على قدرة الأزهر، كقوة ناعمة لمصر، على مد الجسور بين العالمين العربى والإسلامى. وجميع المرشحين رحبوا بفكرة انتخاب شيخ الأزهر. لقاءات بعض المرشحين المحتملين للرئاسة للأزهر أثارت حفيظة البعض، حول سؤال: هل سيكون للأزهر دور واضح فى تحديد الحياة السياسية لمصر فى الانتخابات المقبلة؟ أم أنه سيكتفى بتأكيد شرعيته كمؤسسة إسلامية تتقبل الجميع تحت مظلتها؟ المعنى الثانى هو ما أكده مستشار الإمام الأكبر للحوار الدكتور محمود عزب، الذى قال ل«التحرير»: الأزهر لا يرشح أحدا بعينه، ولا يقف فى صف مرشح على حساب آخر، مؤكدا أن الأزهر ليس حكرا على تيار دون غيره، ولكن تعنيه مصلحة مصر فى المقام الأول. عزب رفض مقترحات بعض المرشحين ضم وزارة الأوقاف ودار الافتاء للأزهر، وشدد على أن الأزهر ضد ضم أى من تلك المؤسسات، وأنه لا يعنيه السيطرة عليها، مشيرا إلى أن الأوقاف كيان مختص بذاته ويتبع وزارة العدل، وكذلك الإفتاء.