عندما شاهد الناس مبارك المكار متفشخا على السرير، وعيناه المليئتان بالشر تدوران فى المكان، وإصبعه ينتقل ما بين مناخيره وفمه، فإن الضحكات الساخرة تدافعت متلاحقة لتلخص التعبير عن الموقف من المنظر كله. تذكرت عندها اثنين من أعوان حسنى مبارك المخلصين، هما عمر سليمان وأحمد شفيق، فى الأيام الأخيرة لزعيمهما فى الحكم. كانت الجماهير تندفع إلى الميادين وقوة حناجرها تشق عنان السماء، وكانت كل محاولات احتواء الثورة، سواء من خلال الحوار الوهمى الذى دعا إليه عمر سليمان أو تشكيل لجان للحكماء، تحاول إقناع الشباب بفض التظاهر، قد تكسرت على صخرة اليد الواحدة، والمطلب الواحد المتمثل فى ضرورة رحيل الطاغية. فى ذلك الوقت كان يمكن مشاهدة الهلع على محيا أركان النظام الذين رأوا بعين الخيال الواقع الذى يقترب، والزنزانة التى تنتظرهم فى لهفة وشوق. لذلك فقد توافق الجميع على أهمية التحرك لمواجهة الثوار، وتفتق أذهان رجال مبارك بعد اجتماعات مطولة على ضرورة تحريك الدواب التى تمتطى الدواب للهجوم على ميدان التحرير، وطرد المتظاهرين منه بقوة الخيول والجحوش والإبل والناقات الحمر. وفى هذا السياق أود القول إنه لا يوجد برىء واحد من رجال مبارك فى تلك الموقعة.. جميعهم تآمروا وتواطؤوا واشتركوا فى الهجوم، لأنهم رأوا فى موقعة الجحش الكبرى أملهم الأخير فى استعادة الزمام وعودة الأيام الحلوة، مع عودة أفراد الحاشية إلى مواقعهم الراسخة التى كفلت لهم الفلوس الحرام والسلطة والنفوذ. من أكثر الذين كنت ترى الهلع واضحا فى ملامحهم عمر سليمان وأحمد شفيق، فالأول كان يتمنى استتباب الأحوال حتى يثب إلى كرسى العرش فى هدوء، بعدما أيقن أن الضغط الشعبى قد دفن مشروع التوريث نهائيا، وأن مبارك بعد أن تنفض الثورة، سيقوم بتسليمه حكم مصر فى أقرب فرصة.. كل المطلوب أن يهدأ الناس حتى يتم المراد بسهولة. أما شفيق وقد استعان به مبارك لينجده فى ظروف حرجة فكان يعلم أن سقوط مبارك سينهى أحلامه، ويجهز على طموحه فى الصعود والترقى، إذن هو بلا أمل فى غياب مبارك، أما فى حضوره فإن المستقبل قد يأتى له بالسلطة تسعى إلى أعتابه.. فقط لو يعود الثوار إلى بيوتهم ويسمحون لمبارك أن يرسم خطة جديدة، يكون لشفيق فيها نصيب الأسد، وحتى لو رسا الأمر على أن يظل وزيرا للطيران فقط حتى آخر العمر، مثل كل الحبايب الذين لا يغادرون مواقعهم، ما داموا يعملون فى خدمة الأب والابن والست هانم.. فلا بأس. لذلك فإن أى حديث عن مغادرة مبارك للسلطة كان يرد عليه عمر سليمان بأنه أمر غير وارد وموضوع غير مطروح للنقاش، وكان يحرص على تدعيم كلامه بالتأكيد على أن شعب مصر الأصيل لا يتصرف هكذا مع زعمائه! نفس الكلام كان يردده أحمد شفيق الذى امتاز عن سليمان بقدرة على المناورة والتلاعب بالألفاظ مع بلوفرات جديدة، فكان شفيق يقول عمن يصر على رحيل مبارك ومغادرته السلطة، بأنه لا يفهم طبيعة الشعب المصرى، فالمصريون لا يفعلون هذا مع زعمائهم أبدا!. كان هذا الإصرار من جانب شفيق وسليمان على تكرار أن شعب مصر لا يفعل هذا، يدفع بمشهد جميل من فيلم أنف وثلاث عيون إلى ناظرى. كان المشهد هو عُرس نعيمة الصغير على الفنان صلاح منصور، عندما سألها المدعوون فى فضول كيف استطاعت أن تكعبل العريس، وتتزوج منه، فإنها قالت: ظل الرجل يناور طويلا ويقول لى: أنا ما باتجوزش..أنا ما باتجوزش. قالوا: وبعدين؟ قالت: طلع بيتجوز!. وكذلك شعب مصر على خلاف شفيق وسليمان، طلع بيتجوز، أى بيخلع حكامه المجرمين ويحاكمهم، وسوف يشنقهم أيضا.