فى البداية كان الناس فى مصر موافقين إلى حد كبير، على إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون البلاد، خلال فترة انتقالية محدودة، ومدتها ستة أشهر فقط، كما أعلن ذلك المجلس بنفسه. لكن بعدما طالت المدة، وتجاوزنا تسعة أشهر، دون علاج للمشكلة الأمنية، ولا إعداد دستور جديد، ودون أن ننتخب برلمانا، ولا حكومة، ولا رئيس جمهورية، مع فضح عمليات تعذيب الشرطة العسكرية النشطاء السياسيين، وإجراء كشوف عذرية على الفتيات، ومحاكمات عسكرية للمدنيين، ثم مذبحة ماسبيرو، كل هذا أصاب الناس بالقلق والتوجس والحيرة، ودفعهم إلى التساؤل: ماذا يريد المجلس العسكرى بالضبط؟! وللإجابة عن هذا السؤال المهم، اختلف الناس، وتفرقوا إلى عدة فرق، أولاها ترى أن المجلس العسكرى، لا يريد أن يترك حكم مصر أبدا، ومن ثم يخترع المبررات لإطالة الفترة الانتقالية، ليستمر مسيطرا على مقاليد الأمور جميعا، فهو يقود السلطة التنفيذية، وهو القائم بأعمال السلطة التشريعية، وهو الموجه لحركة السير فى داخل أروقة السلطة القضائية، وخصوصا أن رئيس نادى القضاة تربطه صلة قديمة مع النظام الساقط، ومن ثم يتحفنا كل يوم بتصريحات تزيد من إشعال نار الصراع الدائر مع طرف العدالة الآخر، ومن المحامين من يزايد على القضاة حتى يظهر بمظهر المدافع الشرس عن حقوق المحامين، من أجل انتخابات النقابة القادمة! أما الفريق الثانى فيصدق كلام المجلس العسكرى، ويرى أن العسكر سيسلمون حكم البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة، لكنهم للأسف الشديد، يقومون الآن بأعمال لا خبرة لهم فيها، ومن ثم يتخبطون تماما، ويسيرون فى خطوط متعرجة، بدأت بإجراء استفتاء على تعديل دستورى لا معنى له، ثم تقديم إعلان دستورى بلا استفتاء شعبى عليه، ثم قوانين مكملة للدستور مثيرة للخلاف والجدل، ثم وضع نظام انتخابى عجيب لا يرضى الناس، مع تقسيم غريب للدوائر الانتخابية. وقد تعهد المجلس العسكرى بإصدار قانون للعزل السياسى، ثم تراجع عنه بعد تهديد الفلول له، وهكذا حتى وصلنا إلى المبادئ فوق الدستورية، التى كادت تشعل البلد! وهذه كلها سلسلة من القرارات العشوائية المتتابعة، تؤكد لمن يدرسها بعناية مقدار التخبط، وفقدان الرؤية، والارتباك الشديد، الذى يعانيه من يديرون البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. ويرى الفريق الثالث أن المجلس العسكرى بلا خبرة سياسية على الإطلاق، ومن ثم فهو يستجيب للضغوط الخارجية من جهة، ثم للضغوط الداخلية من جهة أخرى! وهذا سبب التأرجح فى تصريحات المجلس وقراراته المتخبطة، ولذلك فالمجلس لا يسير بناء على خطة موضوعة، كما قد يظن الفريق الأول، ولكنه يسير طبقا للتعليمات، أو التوجيهات القادمة إليه من قريب أو من بعيد! وبغض النظر عن آراء هذه الفرق الثلاث، والتى لن أتوقف أمامها طويلا لأن الناس لا تهتم بها كثيرا، فإن الناس فى بلادى يكادون يجمعون على شىء واحد، واضح ومحدد، ويقولونه للمجلس العسكرى بمنتهى الإصرار: لا بد أن تسلم السلطة فى أسرع وقت ممكن لسلطة مدنية منتخبة، قبل أن تسقط البلاد فى مستنقع الفوضى الشاملة.