مرة أخرى وليست أخيرة ماذا يحدث بين القضاة والمحامين؟ ولمصلحة مَن استمرار هذه الأزمة وفقدان الثقة بين طرفى العدالة.. ومَن يشعل النار فى تلك الأزمة؟ أسئلة كثيرة يطرحها تصعيد الطرفين بعضهم ضد بعض. ضد مَن ما يحدث؟! إنه ضد الثورة وأهدافها التى بدأت عناصر كثيرة تدخل لتشويهها بعد تبريدها على يد المجلس العسكرى الذى ظهر من خلال الفترة الانتقالية التى طالت أنه «راكب خيبة»، وأضاع فرصة عظيمة على البلد الذى خرج أهله ضد الطغيان والاستبداد وأخرجوا أجمل ما فيهم أيام الثورة، ليتحول الأمر إلى انتشار البلطجة وعودة فلول الحزب الوطنى الفاسد «المنحل» الذين دخلوا إلى الجحور مع بداية الثورة ليحاولوا الآن تصدر المشهد السياسى وركوب الأحزاب التقليدية التى أسهمت فى استبداد وفساد النظام السابق، مثل «وفد» السيد البدوى و«تجمع» رفعت السعيد وأحزاب أمن الدولة.. وحتى الأحزاب الجديدة لم تسلم من اختراق فلول الوطنى لها. لقد وصل الأمر إلى حرص أكبر عدد منهم على الترشح فى الانتخابات، وأتاح لهم ذلك النظام الانتخابى «المسىء» الذى أقره المجلس العسكرى، وسيسمح لهم بالعودة مرة أخرى للحصول على الحصانة ضد ما سمعوه من أن هناك قانونا للغدر ستجرى محاسبتهم به، وتشكيل جماعة ضغط قوية ضد إصداره. وحتى الآن المجلس العسكرى يستجيب لعدم إصدار ذلك القانون وعدم محاسبة الفاسدين الذين أفسدوا الحياة السياسية عبر ثلاثين عاما فى حكم مبارك. لهذا كان الناس يرون أن القضاء هو الحصن الحصين الذى سيحمى الثورة وأهدافها.. ومن ثَم كانت المطالب الأولى للثورة استقلال القضاء، ذلك الاستقلال الذى ناضل القضاة من أجله عبر السنوات الطويلة السابقة ووقف معهم كل طوائف المجتمع بمن فيهم المحامون، طرف النزاع الآن مع القضاة. لم يكن ليتخيل أحد أن تحدث تلك الأزمة بين القضاة والمحامين وبهذا الشكل.. اتهامات متبادلة بين الطرفين وإغلاق المحاكم، وادعاءات من قضاة بالاعتداء عليهم، وإضراب من المحامين. بالطبع هناك من يشعل الفتنة بين الطرفين ويغذيها، لكن للأسف لا تتدخل أطراف أخرى، خصوصا من داخل القضاة وعلى الأخص تيار الاستقلال، وتركوا الملعب لنادى القضاة ليزايد على القضاة، وهو الذى جاء ومعه كثير من أندية الأقاليم على أجساد تيار استقلال القضاء، الذى حاول النظام السابق وعصابته تشويه أفراده بكل ما يملك من أساليب، بعد أن وقفوا وقفتهم القوية فى انتفاضة القضاة عام 2005، وفضحوا فيها النظام السابق الذى كان يعتمد على القوانين الاستثنائية وحالة الطوارئ وتزوير كل الانتخابات، برلمانية أو استفتاءات رئاسية، فكان لا بد من التخلص منهم وجاؤوا بمجلس جديد بمساندة ورعاية النظام ووزير عدله ممدوح مرعى، الذى حصل على الوزارة مكافأة على دوره فى انتخابات الرئاسة التى أجريت عام 2005، كرئيس للجنة العليا للانتخابات وقد كان الرجل يُكن العداء لتيار الاستقلال ويريد أن يُدخل القضاة إلى حظيرته، وقد أفلح فى ذلك بتقديم المنح والانتدابات واتهام تيار الاستقلال بأنهم وراء إلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات من خلال الترقيعات الدستورية التى أدخلها مبارك وترزيته فى عام 2007، وهو ما تم ترجمته فى ضياع آلاف الجنيهات على القضاة من مشاركتهم فى ذلك الإشراف. والأمر الغريب فى تلك الأزمة هو موقف المستشار حسام الغريانى رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذى حصل على حقه بفعل الثورة.. فلم يكن أبدا لينال هذا المنصب فى ظل وجود النظام السابق وعصابته ومنظّريه ومحركيه.. وقد استبشر الجميع خيرا بتوليه أرفع مناصب القضاة.. وتخيل الناس أن هذا من أفضل نتائج الثورة، وأن دوره سيكون عظيما بشأن العدالة فى المجتمع، التى ينشدها الناس فى تلك المرحلة، وفى شأن إعادة بناء المجتمع الجديد.. خصوصا أن الناس كانت تطرح دائما القضاة حلا للأزمات.. بما فى ذلك توليهم السلطة بشكل مؤقت إلى حين عبور تلك الفترة. كان الناس يعتقدون أن القضاء على يد المستشار الغريانى سيكون حاسما فى قضايا كثيرة فى تلك الفترة، خصوصا أنهم متداخلون فى كل اللجان التى تشكلت بعد الثورة، كلجان الأحزاب أو لجان الانتخابات، وكذلك إعلان موقفهم الواضح والصريح من التشريعات التى صدرت بمراسيم. يا سيادة المستشار حسام الغريانى، الأمر أصبح خطيرا ولا بد من تدخلك الآن حتى لا تجعل الناس يفقدون ثقتهم فى القضاة، كما لم يعودوا يثقون فى المجلس العسكرى، فما زال الناس يعتبرون حتى الآن القضاء هو الحصن الحصين الذى من خلاله يبنون مجتمع الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة.. ولو كره «الكارهون».